كان ملهم الركح والسينما في الجزائر
المسرحيّ القدير جمال بن صابر يرحل إلى مثواه الأخير
- 755
* وزيرة الثقافة تنعي رحيل الفنان
وُوري، أمس، جثمان المسرحي العريق جمال بن صابر الثرى بمقبرة سيدي علال قصوري ببلدية صيادة (مستغانم). وقد توفي فقيد الفن الرابع مساء الخميس الماضي عن عمر ناهز 80 عاما، بعد مرض ألزمه الفراش. نعت وزيرة الثقافة والفنون السيدة وفاء شعلال، رحيل الفنان والمخرج المسرحي الكبير جمال بن صابر.
وكتبت عبر صفحتها الرسمية لفايسبوك، أن الفنان جمال بن صابر هو واحد من القامات المسرحية الجزائرية التي صالت وجالت على خشبة المسارح، مقدمة أروع العروض الفنية التي لايزال الجمهور الجزائري يتذكرها ويستمتع بها. كما أبلى البلاء الحسن في السينما. وشارك في العديد من الأعمال السينمائية الكبيرة. وأضافت أن بن صابر فنان كبير بأخلاقه وبحسه الفني، وقدرته الفائقة على تجسيد الأعمال الفنية؛ فهو تلميذ العملاق ولد عبد الرحمان كاكي. وساهم مساهمة كبيرة في إرساء حركة مسرحية في مدينة مستغانم، أشعّت وتوهجت في الساحة الفنية الجزائرية، معلنة عن ميلاد مسرح جديد، يستلهم خصائصه من الأعمال الخالدة لكبار القامات الجزائرية، ومن التراث الجزائري الخالد المستوحى من حياة الإنسان الجزائري، ومن رحم المعاناة اليومية. وتابعت أن في هذا الإطار، أسس الفنان الراحل العديد من الجمعيات المسرحية، أهمها جمعية "الإشارة" سنة 1975، وجائزة "كاكي الذهبي" من سنة 2012 إلى 2019، وتعاونية "الكانكي" 2001. كما كان له شرف إدارة محافظة مهرجان مسرح الهواة الذي يقام بولاية مستغانم، منذ سنة 1967.
وانضم جمال بن صابر إلى المسرح والفن سنة 1958، حيث كانت بداية مشواره مع فرقة ولد عبد الرحمان عبد القادر المدعو "كاكي"، قبل أن يخوض تجربة كبيرة بالمسرح الوطني الجزائري، امتدت من 1963 إلى غاية 1971، علما أنه انضم بعد الاستقلال، للمسرح الوطني الجزائري حديث النشأة، ثم انتقل إلى فرنسا لإجراء تربص في السمعي البصري، وعاد، بعدها، ليكون مخرجا بمستغانم. وبعد هذه الفترة الثرية بالأعمال عاد جمال بن صابر إلى مسقط رأسه مستغانم؛ حيث قدّم العديد من الأعمال المسرحية عن طريق جمعية "الإشارة"، نال بفضلها العديد من التتويجات. كما اقتحم عالم السينما. وأنجز العديد من الأفلام منها "القبلة" التي نال بها جائزة "الصقر" بتونس سنة 1975، وفيلم "دورية نحو الشرق"، للمخرج الجزائري الكبير عمار العسكري. وتابعت السيدة الوزيرة أن الفنان جمال بن صابر، رحمه الله، كان شعلة كبيرة من الأعمال والمشاريع الخلاقة التي أعطت الفن الجزائري نكهته الأصيلة، وفنانا كبيرا من طينة العمالقة، فقد كان يطمح لتقديم الأفضل لأجيال كثيرة من المسرحيين، التي لا شك أنها ستقتفي أثره خدمة للفن الجزائري الزاخر، إذ إنه أحد رواد مسرح الهواة بمدينة مستغانم من دون منازع، وكان المبدع الأول للأعمال الملحمية الكبرى، حيث قدّم العديد من الملاحم، منها الملحمة البطولية للأمير عبد القادر، وملحمة سيدي لخضر بن خلوف، وملحمة مستغانم.
بن صابر في حوار سابق مع "المساء"
وفي حديث كانت "المساء" أجرته في وقت سابق مع الفنان الراحل جمال بن صابر، قال في بعض ما صرح به، إنه يكتب النصوص المسرحية باللغة الفرنسية، ويساعده شعراء في ترجمتها إلى اللغة العربية. وأضاف أنه ينتقد نصوصه كثيرا باعتبار أن المسرح فضاء واسع جدا، وغير متناهٍ. كما أكد حريته في كتابة ما يراه مناسبا حتى لو لم يعجب الجمهور. وفي هذا قال إنه يتعرى أكثر كلما أنجز عملا جديدا، وأنه حينما يموت سيموت عاريا؛ لأنه قدّم كل ما استطاع، للآخرين. وأشار جمال إلى عدم انتظاره التمويل لإنجاز أعماله، وإلا لبقي مكتوف اليدين، ولهذا أنشأ تعاونية "الكانكي"، التي تستطيع أن تعمل، وتوظف، وتحصّل المال، وتقدم جزءا منه للمدرسة التكوينية "الإشارة"، لكي تواصل هذه الأخيرة العمل مع الشباب.
وقال بن صابر إن علولة كان متمسكا بـ "الحلقة"؛ وكأنها جزء لا يتجزأ من حياته. أما عن هذا الزمن (عام 2010) فلم يعد هناك من يموت لأجل المسرح، بل فقط من يموت لأجل المال. وأضاف أن الأعمال المسرحية الراهنة "مسّوسة" (ينقصها الملح) رغم أنها حسنة ومتجددة، ليقترح إعادة مشاهدة الأعمال المسرحية القديمة، التي كان يقودها مسرحيون متميزون. وتابع أن الجمهور الجزائري يحب العروض التي تقام خارج القاعات المغلقة، مثل تلك التي تقدَّم في الأعراس والأسواق مثلا، وبالتالي فهو لا يحبّذ كثيرا العروض التي تُعرض في المسارح على الطريقة الإيطالية. وفي هذا السياق، أكثر أعماله قدمها في الفضاءات المفتوحة، وبالأخص في الملاعب الرياضية، حيث يشعر الجمهور بالراحة، ويمكنه أن يتحرك، ويضحك ويتناول المشروبات؛ أي يشاهد العرض بكل راحة. وتابع مجددا أنه حاول أن يعود إلى التقليد الحقيقي للمسرح الذي كان يُعرف في التراجيديا اليونانية، بحيث كان العمل المسرحي يدوم 24 ساعة، ويشارك فيه الجمهور. وقد قام رفقة علولة بجولة في الملاعب سنة 1969، مع عمل "النطمة". وقال له المسرحي المرحوم كاكي: "الجزائر فيها 9 أشهر من الشمس، ومئات من الملاعب، فلِم لا نأخذ المسرح إلى الملاعب ونذهب إلى الجمهور!".
واشتغل بن صابر كثيرا على مسرح الطفل. وطالب في هذا السياق بالارتقاء بطريقة الحوار، واستعمال التقنيات اللازمة عندما يتعلق الأمر بمسرح الطفل. أما عن أجمل ذكرى من ذكريات بن صابر الكثيرة في عالم الفن، فقد كانت سنة 1966، عندما ذهب إلى دمشق في طائرة تضم الأوركسترا الوطنية، والفريق الوطني لكرة اليد، والفريق الوطني لكرة السلة وملاكمين، وفرقة "القراب والصالحين" للمسرح الوطني، بغية جلب رفاة الأمير عبد القادر، فكان المشهد مؤثرا جدا حينما ألقى الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، خطابا من ساعتين، كان مليئا بالأحاسيس، وكان ذلك أمام الرئيس السوري آنذاك نور الدين الأتاسي، إلى درجة أن الجميع بكوا وسط هتافات سورية: "تحيا الجزائر".