الكاتبة فروجة أوسمر ضيفة "كريشاندو":
حققتُ حلمي والتاريخُ صنيع أقلام متعددة
- 903
لم تكن فروجة أوسمر تحب أن تقرأ كتابا أو تشاهد فيلما حول الثورة التحريرية، لم تكن تعلم سبب ذلك رغم أنها لا تتذكر شيئا عن هذه الثورة التي اندلعت قبل ميلادها بعام واحد، إلا دموع جدتها التي لا تتوقف عن الانهمار. وفي يوم من الأيام، التقت بالمؤرخ دحو جربال، فوجدت نفسها مضطرة لحضور محاضرته حول الموضوع الذي تنفر منه بدون أن تعلم السبب، وهو الثورة التحريرية، لكنها وجدت في جربال المؤرخ الذي يتحدث عن هذه الثورة المجيدة بشكل هادئ. وما زادها إعجابا به قوله إن جميع من عايش الثورة التحريرية يمكنه الكتابة عنها، فكان "الديكليك" بالنسبة لفروجة، لتجد نفسها في الليلة نفسها، تشرع في كتابة مولودها الأول "خلف دموع جدتي".
تحدثت فروجة عن تجربتها هذه، أول أمس، بمدرسة الفنون "كريشاندو" بالبليدة. وقالت إنها أرسلت ما كتبت إلى جربال، الذي أُعجب به، فطلب منها وضعه في قالب يصلح للنشر، ففعلت، ثم اتصلت بناشرين اثنين لنشر الكتاب، إلا أنه تعذّر ذلك بفعل تداعيات كورونا على الناشرين، لتتصل بالناشر الثالث أرزقي آيت العربي صاحب دار "كوكو"، الذي رفض، هو الآخر، نشر الكتاب، ثم سرعان ما غيّر رأيه بعد قراءته المخطوط، ليطلب من فروجة أن تتصل بدحو جربال، ليكتب مقدمة كتابها، ففعلت، ووافق المؤرخ على ذلك، ليصدر الكتاب في ماي 2021. وقالت فروجة إنها كتبت هذا المؤلَّف عن شخصية "لولوج"، التي وجدت نفسها يتيمة الأب في سن الخامسة رفقة سبعة إخوة، وأم ترملت في سن 31، وجدّة لا تتوقف عن البكاء والنحيب بفعل جروح سببتها لها الحياة القاسية. "لولوج هي نفسها فروجة أوسمر"، هكذا قالت الكاتبة، التي ترددت كثيرا قبل نشر عملها؛ خوفا من ردة فعل إخوتها، خاصة الذي منعها من مواصلة الدراسة في الجامعة، حينما تحصلت على شهادة البكالوريا عام 1975، إلا أن أخاها الأصغر الذي كان مريضا جدا، طلب منها القيام بذلك، ففعلت، وكانت ردة فعل إخوتها "غريبة"، فقد سعدوا كثيرا بهذا الكتاب، وحضروا جميعهم عملية البيع بالإهداء في تيزي وزو، حتى إن الذي منعها من مواصلة الدراسة لامها لأنها لم تخبره بفعلتها قبل أن تصدر الكتاب؛ إذ كان بحوزته العديد من الوثائق والمعلومات التي كانت ستضيف الكثير لهذا المؤلف.
وكتبت فروجة هذا الكتاب تكريما لأخيها الأكبر، الذي وجد نفسه في عمر 16 سنة، مسؤولا عن عائلة كثيرة العدد بعد وفاة الوالد إثر نوبة قلبية، فلم يتحمل تعذيب المحتل الفرنسي؛ لأنه كان مساندا للثورة التحريرية، حتى إنه كان يريد أن يلتحق بالمجاهدين في الجبل، لكي يساهم في تحرير البلد بشكل مباشر، إلا أن المجاهدين طلبوا منه الاستمرار في تجارته ومساندة الثورة بهذا الشكل. كما تناولت لولوج قصة عمها الذي كان عضوا في المخابرات الفرنسية. وكان كريم بلقاسم يطالبه بتركها، إلا أنه كان يأبى ذلك، ويبتغي أخذ القرار بنفسه، وكان من بين أهم العاملين على إسقاط مخطط فرنسا المسمى بـ "العصفور الأزرق"، حيث قررت المخابرات الفرنسية تشكيل جيش عميل من الجزائريين لمحاربة جيش التحرير الوطني، وأُسندت المهمة لعناصر المنطقة العسكرية العاشرة للجيش الفرنسي بالتعاون مع بعض الجزائريين العاملين في جهاز المخابرات الفرنسي، إلا أن العملية فشلت تماما، وتحولت إلى صالح المخابرات الجزائرية، التي استفادت من الرجال والعتاد العسكري، وهكذا نجح عم لولوج "دمامو"، في إحباط هذه العملية مع رجال آخرين، فتم سجنه. وكتبت لولوج عن حياة عمها بعيدا عن الثورة؛ إذ كان مثقفا. وقد سمح لأطفاله بمواصلة الدراسة، ومن بينهم ابنته التي أكملت دراستها في فترة الاستعمار، في حين أن أخا لولوج منعها من مواصلة دراستها عام 1975؛ أي سنوات بعد الاستقلال بحكم التقاليد التي تمنع شابة من أن تقطن العاصمة لوحدها. أما والدتها فقد أسكتتها لولوج في كتابها هذا، فلم تتحدث عنها؛ لأنها لم تكن تدافع عن بناتها أمام أولادها؛ خشية حدوث صراع.
ودعت لولوج كل من شهد الثورة ولو كان طفلا صغيرا، إلى كتابة شهادته، وهكذا نتحصل على تاريخ كامل، يحكي، بإسهاب، ما حدث في بلدنا في تلك الفترة. كما أكدت دور الرجل في تحرير المرأة، وهو ما فعله زوجها، الذي حررها من براثن العديد من التقاليد البالية التي كانت تتبعها عائلتها المحافظة جدا من منطقة آيت يني. وقالت لولوج إن كتابها هذا هو عنوان للأمل، ولقدرة أيٍّ كان على تحقيق مبتغاه، حيث استطاعت بعد سنوات طوال، أن تكتب مؤلَّفها الذي استغرق منها ثماني سنوات من البحث؛ لأنها تعتبر الكتابة في التاريخ أمرا مهمّا جدا، ولا يمكنها أن تخطئ. ورغم أنها لم تعتد بعد على لقب كاتبة، فهي ترى نفسها مؤلفة كتاب واحد رغم أنها بصدد تأليف كتاب ثان. وبالمقابل، صنفت كتابها هذا ضمن الأعمال الخيالية رغم أنها تناولت فيه حياتها؛ لأنها لم تستطع كتابة كل ما تريد، فقامت بحظر نفسها في العديد من المرات. كما أضفت على مؤلَّفها هذا، العديد من الأبيات الشعرية؛ لأنها تكتب الشعر، ولا تعتقد أنها ستنشر يوما ما ديوانا بحكم تغاضي دور النشر عن نشر الدواوين. وحسب لولوج، لا ينبغي احتقار قصصنا الصغيرة التي قد تمس شريحة كبيرة من المجتمع، مشجعة المرأة على القيام بالخطوة الأولى في العديد من الأمور التي تمسها؛ مثلا مواصلة دراستها في الجامعة، لتواصل نساء أخريات المسار على نفس الدرب.