ندوة "الرواية بين متعة الكتابة واختيار الناشر"
الفشـل يعني الكاتب الذي يكرر نفسه ويـلتفت للوراء
- 465
طرحت ندوة "الرواية بين متعة الكتابة واختيار الناشر" ظروفا خاصة يمر بها المبدع من لحظات مخاض الكتابة حتى رفوف المكتبات ، وفيها يعيش الروائي تجاربه بين الحلو والمرّ ويطلق خياله الخصب الذي تؤطّره طقوس وحالات تلتقي فيها الحكمة والجنون ويوميات الراهن. استضافت هذه الندوة، أوّل أمس، ضمن فعاليات سيلا 2022 الكاتبين أمين الزاوي ولونيس بن علي حيث أدلى كلاهما بدلوه في عالمه الذي ينتج الإبداع والجمال والعمق. وفي تدخّله أكّد الروائي أمين الزاوي أنّه لا توجد رواية بدون حكاية، علما أنّ الحكاية ليست هي الرواية فهذه الأخيرة عمل لغوي بنائي فلسفي وإبداعي.
قال الزاوي إنّ رحلته مع الحكاية كان بفضل والدته التي كانت جميلة وتغني بشكل جميل وتحسن الرقص في المناسبات العائلية، هي سيدة من أصول أمازيغية تحكي لطفلها أمين الحكايات كما كل أبناء جيله، وفي نفس الوقت كان بالمدرسة معلم الفرنسية الذي أهدى أمين حكاية "عنزة السيد قنصور" لألفونس دودي (كلاسيكيات الأدب الفرنسي)، لكن أمين اكتشف أنّ حكاية أمّه أعمق وذات حمولة قيّمة وبالتالي اعتبر أمّه المبدعة الحقيقية والدافع له للكتابة. أشار الزاوي إلى أنّه كان في صغره يستغل الأوراق الفارغة من كراريسه نهاية كلّ سنة دراسية (13-14 سنة) ويكتب حكايات أمه، لكنه سرعان ما اصطدم بمشكلة لغوية لازمته إلى اليوم إذ أنّ أمّه حكت بالعربية الدارجة وبالأمازيغية ومعلمه حكى بالفرنسية إضافة للغة العربية الفصحى فبأيّ لغة يكتب؟ وهذا الهاجس اللغوي لم يكف عن مطاردته.
تحدّث الزاوي عن رائعة "ألف ليلة وليلة" التي كانت صورة للثقافة العربية في العالم وخرجت منها الرواية والأدب اللاتيني، لكن الحال لم يكن نفسه معنا في شمال إفريقيا ولم نستثمر فيها، كما قال، مؤكّدا أنّ من ترجمها هو جدّ الكاتب العالمي بورخيس. واعتبر الزاوي نفسه لازال في مرحلة الهواية عندما يتعلّق الأمر بالكتابة وهو الأمر الذي يضمن الصدق والعفوية، أما إذا اعتمدت الاحترافية في الكتابة فسيكون الكاتب مكبّلا بإطار يسجنه ويحتمّ عليه أمورا معيّنة يضعها ولا يبدعها، كما أنّ الكاتب الذي لا يخاف من لحظة الإبداع سيظل يكتب رواية باردة ويظلّ مصطنعا. قال الزاوي إنّ له 14 رواية بالعربية ابتداء من "صهيل الجسد" في 84 إلى رواية "شوينغوم" التي صدرت في الدورة الـ22 لسيلا، وبالفرنسية له 13 رواية من "إغفاءة الميموزا" سنة 95 إلى "الجوع الأبيض" في 2021 ، وفي كلّ مرة تبدو كأنّها الأولى حيث الخوف والحذر والقلق.
عن طقوس الكتابة، قال الزاوي إنّه يكتب في سريره الذي يعتبره ورشة حيث حين يستلقي تدور في رأسه الأفكار والهواجس وأشار إلى أنّ السرير رمز للراحة وللأحلام والكوابيس معا، كما أنّ سريره تسوده فوضى الكتب التي تتناثر على حوافه دوما. من الشروط المطلوبة للكتابة، كما أضاف الزاوي، هي الحاجة للتجدّد ولن يتأتى ذلك إلاّ بالتزام نسيان ما كتبه المبدع وما قرأه من قبل، وإلاّ دار في نفس الفلك وبالتالي كرّر نفسه، علما أنّ النسيان أمر صعب وغالبا ما تطارد شخصيات الروايات السابقة صاحبها وتلازمه. فيما يتعلّق باللغة، قال إنّه يكتب بالعربية والفرنسية، لكنه عند نومه يحلم بالجزائرية وليس بلغة سيبويه أو فولتير وبالتالي يبقى الأدب توأم الحلم وتبقى إشكالية نقله إلى إبداع، أما الكتابة بالفصحى والفرنسية فهي برتبة ترجمة والوحيد الذي لا يترجم هو من يكتب بالعامية مثل ابن ابراهيم والخالدي وبن مسايب وبن قيطون وغيرهم والذين كانوا في مرتبة امرؤ القيس وبلادلار. يرى أمين الزاوي أنّ الكتابة ليست فقط متعة بل هي مشقة وكبار الكتاب يقضون 8 ساعات في اليوم على مكاتبهم، وبالنسبة له فهو كاتب صاحب مشروع وما يقوم به هو نضال من أجل رفع الممنوعات، وصدّ للنفاق الاجتماعي والديني والايديولوجي، فمثلا هو لا يكتب عن الدين لأنه ليس فقيها بل يكتب عن التدين كمظهر اجتماعي وثقافي يتجسد في الإنسان كقيمة .
عن علاقته مع الناشر، قال إنّه نشر في الجزائر والمشرق وبباريس، وتشهد تجربته أنه لمس مدى الاحترافية عند الناشر الفرنسي (نشر 4 روايات) ودار النشر هناك مؤسّسة بها لجنة قراءة لا تلعب ولا تجامل وهناك لجنة تصحيح، بينما عندنا الكتاب لا يطيقون أن يصحح لهم، في حين أنّ محمد ديب "وهو، من هو"، قال للزاوي إنّه يرسل عمله ليصحّح إذ قد لا يرى الكاتب أخطاءه العفوية وهو في لحظة الإبداع، كما أنّ بتلك المؤسّسات العريقة لجنة المحرّر الأدبي الذي قد يغير فقرات بكاملها، كما حدث ذات مرة مع ياسمينة خضرا وذلك للأحسن طبعا، وللموزّع عمله المستقل تماما ويلتزم بالمبيعات ويعطي الكاتب كلّ حقوقه حيثما وجدت وكذلك الحال عند الترجمة، وقال إنّ حقوقه تصله كاملة كل سنة، ناهيك عن التسويق والدعاية أما عندنا فتختلط الأدوار والناشر لا يقرأ. أما لونيس بن علي فقال إنّه ناقد أكاديمي بالدرجة الأولى تجرأ على كتابة رواية بعنوان ”عزلة الأشياء الضائعة".
وجاءت في لحظة قاسية بعد وفاة والده وفي الرواية قدر مفرط من العنف نحو الآخر ونحو الأدب لينتقم منه فكان أن قتل في روايته كاتبا، معتبرا في ذلك أنّ كلّ تجربة جديدة هي جريمة لفرض الجديد والبديل والتخلص من وصاية الأب الأدبي فكل الأدباء يحتكرون المشهد على حساب الشباب. من جهة أخرى، تحدّث بن علي عن الصدامية بين الأدب والنقد نتيجة النظرة القاصرة، لكنّه من جهة أخرى أصيب كروائي بإحباط لأنّه لم يجد الرعاية والاهتمام حتى من الوسط الأكاديمي المختص في الجامعة.