"طاجين الحلو" سيد مائدة رمضان رغم ارتفاع سعر مكوناته

"طاجين الحلو" سيد مائدة رمضان رغم ارتفاع سعر مكوناته
  • 1136
شبيلة.ح شبيلة.ح

يحظى شهر رمضان باستقبال خاص في عاصمة الشرق، على غرار باقي ولايات الوطن كل حسب عاداته وتقاليده المتوارثة من جيل لآخر، حيث تنطلق إجراءات التحضير لهذا الشهر الكريم قبل حلوله بشهر، أي منذ حلول شهر شعبان، من خلال بعض العادات التي تقوم به الأسر القسنطينية، وقد جرت العادة، أن تستقبل العائلات شهر رمضان بتقاليد خاصة، تبرز خصوصية هذه المنطقة الشرقية.

تعكف السيدات في قسنطينة، على اقتناء أوان منزلية جديدة، إلى جانب الزرابي والأفرشة للبيت، لاستقبال الشهر الفضيل في حلة جديدة، بتنظيفه ودهنه، والتفاؤل بأوان جديدة من صحون، طناجر، كؤوس، ملاعق، وأخرى لتزيين المائدة الرمضانية، تعبيرا عن الفرحة بهذا الشهر العظيم، لكن الأمر بدأ بالتراجع خلال السنوات الأخيرة، واختزالها في بعض العادات لظروف اجتماعية أو لدواع أخرى.

المائدة القسنطينة فقدت من موروثها مع مر الزمن

كانت المائدة الرمضانية القسنطينية في السابق، معروفة بـ«الجاري فريك" على مائدة الإفطار، طيلة الشهر الفضيل، حيث تقول المسنات من العائلات العريقة بالمدينة "ثلاثون برمة جاري، ثلاثون كسكاس مسفوف"، وفي أيامنا، عوضت "الحريرة" "الجاري فريك" ودخل "الحساء" بأنواعه، أجندة العديد من العائلات القسنطينية، فصارت الموائد مقسمة بين وصفات جديدة وعادات دخيلة.

وقد بررت العديد من ربات البيوت هذا التغير، بالابتعاد عن الروتين من جهة، وإراحة المعدة من جهة أخرى، باعتبار أن "الجاري فريك" ثقيل نوعا ما، وهو ما لا يتفق مع كبار السن في المدينة، الذين يرفضون التخلي عن هذه السنة الموروثة، إلى جانب العديد من الاكلات التقليدية التي تشتهر بها المنطقة، ولا ستغنى عنها، فالعديد من الأطباق تجدها حاضرة ومتربعة على عرش المائدة القسنطينية، فلا غلاؤها وارتفاع سعرها، ولا حتى ظروف الأزمة الصحية التي عرفتها البلاد، بسبب وباء "كورونا" وتداعيات هذه الأخيرة، خاصة من الناحية المادية، حال دون تحضيرها، بل بالعكس، كل الأسواق والمحلات تعج بالنساء والرجال لاقتناء ما لذ وطاب.

"طاجين لحلو" متجذر لدى القسنطينيين رغم المستحدثات

"طاجين لحلو" عادة راسخة، للاعتقاد السائد أن استقبال هذا الشهر الفضيل بالحلو سيكون كله حلوا، حيث تحضر بعض العائلات طبق "طاجين البرقوق"، أو كما يعرف في قسنطينة "طاجين العين"، أو طبق آخر وهو "شباح السفرة" أو "طاجين العازب" وكذا "حاجب وعوينة"، وغيرها من الأطباق الحلوة التي تصنع بالمكسرات، كالجوز واللوز والفستق، وكذا الفواكه الجافة كالبرقوق والزبيب والكيوي وغيرها. وبالرغم من أن جائحة "كورونا" فرضت على العائلات القسنطينية، منذ أكثر من سنتين، التخلي عن بعض العادات أو الاحتفاظ بما قل ودل منها، بسبب غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، إلا أن عادة تحضير "طاجين الحلو" لا تزال قائمة، وما تغير لجوء ربة البيت إلى شراء القليل فقط بدل شراء كمية كبيرة، من أجل "الذواقة" والمحافظة على هذا الموروث والمعتقد، بجعل كل أيام رمضان حلوة، بإدخال طبق حلو في أول مائدة الشهر الفضيل.

"طاجين لحلو" من التقاليد العريقة

في الغالب، تحضر العائلات طبق "طاجين البرقوق"، أو كما يعرف في قسنطينة "طاجين العين"، وهو عبارة عن طبق مكون من فاكهة البرقوق (عين البقرة) المجفف، يضاف له الزبيب واللوز، أو طبق "حاجب وعوينة" الذي إلى جانب المكونات السابقة، يضاف إليها المشمش المجفف. قد تحضر ربات البيوت أشهر "طاجين حلو" في قسنطينة، وهو "شباح السفرة"، المكون من قطع من حلوى اللوز المصنوعة من اللوز المفروم، السكر وصفار البيض، والذي يصنع منه أشكالا ويقلى في الزيت بعد غطسه في بياض البيض، مرة أولى، ثم مرة ثانية، ويعد هذا الطبق من أفخر الطواجن الحلوة في عاصمة الشرق الجزائري.

كما يوجد من بين أشهر وأعتق الطواجن الحلوة في قسنطينة؛ "طاجين العازب" الذي كان يحضر في زمن الباي، من طرف طباخ القصر "بن باكير"، والذي يصنع بنفس طريقة "شباح السفرة"، لكن المكونات تختلف، فبدل ثلاثة مقادير من اللوز المطحون، يتم استخدام مقدار من اللوز، وآخر من الجوز، ومثله من الفستق الحلبي، ولا يكون سوى على شكل دمعة. كما يشهد تاريخ الطواجن الحلوة في قسنطينة، وجود "طاجين الزين" الذي هو مزيج بين "شباح السفرة والعازب"، تتوسطه إجاصة في الوسط يتم ملء قلبها بالمكسرات، بعد أن تم طبخها في شراب مسكر. ولعل مبدأ تحضير مرق "طاجين الحلو" في جميع الوصفات هو نفسه، حيث تبدأ ربة البيت بتقطيع اللحم ووضعه في طنجرة، مع إضافة السمن وعود من الفرقة وحبة بصل كاملة، وبعض شعرات من الزعفران، تتركها على نار هادئة، مع تقليبها حتى يذوب السمن، ثم تمرق بالماء، مع وضع مقدار من السكر يتناسب مع كمية الماء، وكمية من العسل، وتتركها تستوي، وتضيف بعدها ما تبقى من المكونات، حسب الطبق المراد تحضيره.

رغم الثمن الباهظ لمكوناته... الاكتفاء بالقليل منه

بالنظر إلى أن مكونات "طاجين الحلو" كلها من المكسرات أو الفواكه الجافة، فتحضيره مكلف نوعا ما، إلا أنه لا يكاد يخلو منزل من هذا الطبق الذي لا يقتصر على العائلات الميسورة فقط، بل وحتى الفقيرة منها.