الأخصائية العيادية نسرين العمري أكسيل لـ "المساء"
صحة أطفالكم النفسية أمانة في أعناقكم
- 628
تُعتبر الصحة النفسية للأطفال من الأولويات التي يجتهد الأولياء في الوقوف عليها بشتى الطرق، نظرا لأهميتها في النمو السليم للطفل، لذلك تقول الأخصائية النفسية العيادية نسرين العمري أكسيل لـ "المساء": "إن كنت أبا أو أما، فأنت أول من يُلاحظ وجود اضطرابات عاطفية وسلوكية لدى طفلك، فرغم رغبة الأهل أحيانا في تجاهل مثل هذه الأعراض، يكون من المهم جدا التحدث مع الطفل بهدوء ولطف، وفتح باب التواصل معه لمعرفة ما إذا كان حقا يحتاج إلى عرض على الأخصائي النفسي أم لا، وذلك بعد إعطائه مساحة للتعبير عن مشاعره في بيئة داعمة وآمنة".
أكدت المختصة أكسيل في تصريح خصت به "المساء"، على أهمية اصطحاب الطفل إلى المختص، قائلة: “من الأفضل المبادرة بأخذ الطفل إلى الأخصائي النفسي عند الشعور بوجود ضغوطات نفسية وكبت لديه، خاصة إذا توفرت بعض الظروف المحيطة بالطفل والتي تُسبب الاضطرابات العاطفية، مثل انفصال الأم والأب، أو معاناة الطفل من إعاقة جسدية تسبب له الانطواء، أو حتى ولادة طفل جديد في العائلة، وما يسببه من غيرة عند الأطفال، أو تغيير المدرسة، وما إلى ذلك. وفي هذا السياق، حاولت المختصة التفصيل في الحالات التي تستوجب أخذ الطفل للأخصائي النفسي أو الطبيب الخاص.
علامات تشير إلى حاجة الطفل للتقييم النفسيّ
عرضت المختصة بعض العلامات التي تظهر على الطفل وتكون مستمرة وغير طارئة، أي أنها تحتاج إلى متابعة وعلاج. وهي أعراض لا تتعلق بوجود أمراض جسدية لدى الطفل، لكنها تؤثر على العديد من تصرفاته. وأبرز هذه الأعراض: "انخفاض كبير في الأداء الأكاديمي عند الطفل، وعدم قدرة الطفل على تكوين صداقات، وميله إلى العزلة والانطواء، وكذا رفض الطفل المتكرر الذهاب إلى المدرسة أو المشاركة في الأنشطة مع أقرانه، وإصابة الطفل باضطرابات النوم أو الأكل؛ سواء الشراهة الزائدة أو فقدان الشهية، وعناد الطفل الشديد، وعدم تقبّله أي نصيحة أو تقويم سلوك".
وبالموازاة مع شكوى الطفل المتكررة من الآلام والأوجاع بدون وجود سبب جسدي وفرط الحركة والنشاط لدى الطفل ورؤية الطفل أحلاما مزعجة دائمة وتعرضه للرعب ليلا ومرور الطفل بنوبات غضب وصراخ منتظمة ومتكررة والسلوك العدواني للطفل، سواء تجاه الآخرين، أو تجاه نفسه، وكذا السلوكات الجنسية الغريبة لدى الطفل، وأيضا كخلعه ملابسه أمام الأطفال. وأضافت المختصة نسرين أكسيل: "لا بد من الانتباه للاكتئاب وما يرافقه من تقلبات مزاجية مزمنة، والأرق، وانعدام الشهية، والتفكير في الموت، وقيام الطفل بسلوكات التدمير الذاتي، حيث يقوم بأفعال غريبة، مثل العبث بالكهرباء أو النار رغم معرفته بالأذى الناتج عنهما، إلى جانب إضرار الطفل بالممتلكات العامة والخاصة".
لماذا يجب أن آخذ طفلي للأخصائي النفسي؟
تجيب المختصة عن هذا السؤال بالقول: "تجاهل الأعراض النفسية التي تظهر على الطفل يؤدي إلى تفاقم حالته، وقد يزداد الأمر سوءا بشكل غير متوقع وخلال فترة قصيرة، مما يؤثر على حياة الطفل الطبيعية، وخاصة حياته الاجتماعية، وأهمية أخذ الطفل إلى العيادة النفسية للأطفال، تتمثل فيما يأتي: يُساعد المختص النفسي الطفل على التعامل بشكل أفضل، مع الأعراض التي يمر بها، أو مع الاضطرابات النفسية. كما يساعد المختص النفسي على تخليص الطفل من مستويات التوتر المرتفعة، ويقلل المشاكل السلوكية والاضطرابات العاطفية التي يمر بها"، مشيرة في نفس الوقت، إلى أن المختص من شأنه أن “يُحسن حياة الطفل لأنه يساعده في التعامل مع المشاعر المتضاربة والمربكة والصعبة بشكل أفضل. كما يساعد الطفل في فهم نفسه وبيئته". ويستطيع المختص النفسي "تشخيص حالة الطفل تماما. وإذا كانت تصرفاته نابعة من مرض أو اضطراب نفسي أو نابعة من رغبته بجذب الاهتمام أو الغيرة، أو أنه يُعاني من ضائقة نفسية".
الوقت المناسب للمساعدة في مشاكل الصحة النفسية
تؤكد المختصة العيادية العمري أن مع معاناة الطفل من مشاكل عاطفية أو سلوكية، كلما كان العلاج مبكرا كان من الأسهل مساعدته، بالإضافة إلى تجنيبه العلاج غير الضروري والتكاليف الزائدة ماديا أم زمنيا. ويجب مراعاة التاريخ المرضي العائلي، الذي يكون سببا في إصابة الأطفال باضطرابات نفسية. وفي ما يخص الفائدة من مراجعة الطفل الأخصائي النفسي تقول: “معظم الأطفال يتجنبون الذهاب إلى العيادات لخوفهم من الأطباء، لهذا من المهم تهيئة الطفل للذهاب إلى الأخصائي النفسي بطريقة لطيفة ومرنة؛ بحيث يذهب إليه باقتناع. والجيد في الأمر أن المعلومات والملفات العلاجية الخاصة بالطفل لا تسرَّب لأي شخص أبدا!
ومن فوائد عرض الطفل على الأخصائي النفسي، تشخيص حالة الطفل بالشكل الصحيح، ومنع تفاقم حالته، وتدارك العلاج في الوقت المناسب، خاصة أن الاضطرابات النفسية قد تؤثر على مستقبل الطفل إذا لم يتم علاجها". وأضافت أن المساعدة في تحديد الجرعة المناسبة من الأدوية، وتتبّع الآثار الجانبية لها، وتغيير الدواء إذا لم يُناسب الطفل، وتحديد الطريقة التي يمكن إيقاف الدواء بها أو تقليل جرعته تدريجيا، وكذا تخفيف حدة الأعراض، وتقويم سلوك الطفل بالشكل الأفضل، وبناء ثقة الطفل بنفسه، وزيادة تقديره لذاته وقوّة شخصيته، إذ إن الأخصائي النفسي يستطيع أن يساعد الطفل في بناء شخصيته بشكل أفضل، وتحديد ما إذا كان الطفل يحتاج إلى علاج سلوكي من قبل المعالج النفسي أم إلى علاج بالأدوية النفسية من قبل الطبيب المختص. وقد يلجأ الأخصائي النفسي إلى تحويل الطفل للمعالج النفسي، وإخضاعه لعلاج سلوكي بدون أدوية. كما إن من مهامه مساعدة الطفل على الشعور بالراحة، ومساعدة الأهل بتعريفهم بطريقة التعامل المناسبة مع الطفل.
وأوضحت المختصة العمري أن أخذ الطفل لمختص نفسي للأطفال، أمر هام، إذ يستطيع تشخيص حالة الطفل، بحيث يتمكن من وصف العلاج السلوكي أو الدوائي المناسب، فقد يكون الطفل يُعاني من خلل في كيميائية الدماغ يحتاج إلى تصحيح عن طريق تناول الأدوية النفسية، ويكون هذا هو ما يؤثر على سلوكه ومزاجه وتصرفاته وعواطفه، لهذا فإن العلاج المناسب يحسن نوعية حياة الطفل، ويصحح سلوكه ومزاجه. ومن المهم أن يعي الأهل جيدا أن اصطحاب الطفل إلى الأخصائي النفسي ليس عيبا أو عارا، بل هو عملية طبية بحتة لمصلحة الطفل وصحته العقلية، ولمصلحة العائلة كاملة، ولتجنب إصابته بأمراض نفسية مزمنة في المستقبل، لأن معظم الأمراض العقلية النفسية التي تصيب الأطفال، يمكن علاجها تماما عن طريق الأدوية.