متعاملون اقتصاديون يشخّصون أسباب ندرة الأدوات المــــــدرسيـــــــة
عوامل داخلية وخارجية تستدعي تشجيع الإنتاج الوطني
- 1081
❊ الجزائر قادرة على التحوّل من مستورد إلى منتج للورق
يؤكد متعاملون اقتصاديون معنيون بإنتاج وتسويق المستلزمات المدرسية، أن ندرة هذه الأخيرة، وما رافقها من ارتفاع في الأسعار، لا تعود إلى تأخر وصول شحنات الاستيراد ولكن أيضا إلى عوامل خارجية في مقدمتها ندرة المواد الأولية، وارتفاع أسعار الورق الأبيض في الأسواق العالمية، بسبب تراجع صناعته لصالح الورق المقوى، فضلا عن تعطل سلاسل التوريد وارتفاع أسعار الشحن بما يستدعي، تشجيع الإنتاج المحلي، لتفادي تبعات هذه العوامل مستقبلا.
أدى نقص المعروض من الأدوات المدرسية وارتفاع أسعارها بشكل لافت، أسابيع قبل موعد الدخول المدرسي، إلى التساؤل حول قدرة الفاعلين في هذا النشاط من تموين السوق بهذه المستلزمات وضمان حاجيات التلاميذ وبالتالي ضمان دخول مدرسي عادي. وفي محاولة للتخفيف من آثار هذه "الأزمة"، بادرت مصالح وزارة التجارة وترقية الصادرات، إلى تنظيم أسواق ولائية لبيع الادوات المدرسية، وكل ما يحتاجه المتمدرسون في الأطوار التعليمية، فضلا عن كتب الدعم المدرسي، ضمن تظاهرات تجارية ستتواصل طيلة الشهر الجاري. وبالموازاة مع هذه المبادرة التضامنية، اتخذت الحكومة، قرارا يقضي بتسليم 63 رخصة جديدة لإنشاء مؤسسات إنتاج الأدوات المدرسية، في محاولة لتغطية احتياجات السوق، ضمن خطوة استباقية لمعالجة المشكل وخاصة وأن الإنتاج الوطني الحالي في هذا المجال لا يغطي سوى 10 بالمائة من الاحتياجات الوطنية. كما دفعت هذه الوضعية، بوزارة التربية الوطنية، في تحديدها لمدونة الأدوات المدرسية، للمراحل التعليمية الثلاث، إلى اعتماد ما وصفته بـ"الحد اللازم للمدونة"، بغية عقلنة استغلال الأدوات المدرسية، وترشيد اقتنائها والتقليص من تكلفتها، خاصة الكراريس منها والتي يبقى جزء كبير منها، غير مستغل في نهاية كل موسم دراسي.
تراجع إنتاج الورق الأبيض لصالح الورق المقوى
وأرجع مختلف الفاعلين في مجال إنتاج واستيراد المستلزمات المدرسية في تصريحات لـ"المساء"، أسباب هذه "الأزمة"، إلى عوامل داخلية وأخرى خارجية منها خاصة تأخر وصول شحنات توريد هذه المستلزمات إلى جانب ندرة المواد الأولية وغلائها في الأسواق العالمية، وكذا تراجع إنتاج الورق الأبيض، لصالح انتاج الورق المقوى. وأوضح، عثمان مشارك، المدير التجاري ونائب رئيس المدير العام لشركة “الهلال” للتجارة والصناعة، المختصة في إنتاج الأدوات المدرسية في تصريح لـ"المساء" أن الجزائر لا تنفرد بمشكل ندرة وغلاء أسعار المستلزمات المدرسية، بدليل أن دولا مجاورة لجأت إلى عرض مناقصات دولية، لتدارك النقص المسجل عندها في مادة الورق الأبيض وأخرى أكدت عجزها عن توفير الكتاب المدرسي لمتمدرسيها هذه السنة.
ويؤكد منتجو ومسوّقو المستلزمات المدرسية، إمكانية تغطية الطلب، بمناسبة الدخول المدرسي الجديد بفضل المخزون المتوفر، ولكن ذلك لن يكون حلا نهائيا على اعتبار أن الأمر سيطرح خلال المواسم القادمة بحدة أكبر، بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية، وتعطل سلاسل التوريد العالمية، وارتفاع أسعار النقل والشحن الدوليين، ونفاد مخزون المواد الأولية من الورق.
تجار الجملة ...المنتوج المحلي وفير حسب نسب ونوع الإنتاج
وأكد السيد نوفل مسعودي، تاجر جملة من ولاية الطارف، في اتصال أجرته معه “المساء”، أن تجار الجملة، لاحظوا من خلال نشاطهم التجاري، وفرة المنتوج المحلي من الأدوات المدرسية، وأن الإنتاج الوطني قادر على تلبية الطلب من هذه الأدوات، بأسعار لا تتعدى نسبتها 10 من المائة، ولكن الإشكال المطروح، يبقى ــ حسب رأيه ــ أن الإنتاج الوطني لا ينتج كل المستلزمات المدرسية، وبالتالي، فإن توفيرها يبقى مرهونا بمدى تمكن الوحدات الصناعية، من ولوج هذا المجال بما يسمح، بتغيير المعادلة لصالح الانتاج الوطني، وتفادي اعتماد أسعار جنونية، بلغت إلى حد الساعة، نسبة 250 من المائة. وأضاف أن الأدوات التي يوفرها المصنعون المحليون، تقتصر على اللوحة والمقلمة والكوس والمحفظة تقوم وحدات متواجدة بولاية تيزي وزو في إنتاجها.
وقال نوفل مسعودي، إن ارتفاع الأسعار مس بشكل كبير الكراريس التي قفز سعر 10 منها في سوق الجملة من 250 دينار إلى 800 دينار، مرجعا سبب ذلك إلى غياب صناعة الورق في الجزائر. وأكد السيد مسعودي بخصوص هذه الإشكالية على وجود 4 مصانع كبرى لإنتاج الكراريس في الجزائر، وهي موزعة بين العاصمة، ووهران وعنابة ومنها من توقف عن النشاط هذه السنة، على غرار مصنعي عنابة، ووهران، بسبب عدم توفر مادة الورق الأبيض، وهو ما يعني حسبه، استحالة تحقيق الاكتفاء من الكراريس هذه السنة.
وحدة تيزي وزو لإنتاج المستلزمات المدرسية
ويؤكد إسلام سعدي، صاحب وحدة لإنتاج المستلزمات المدرسية بولاية تيزي وزو، في اتصال مع "المساء"، انطلاق وحدته في النشاط منذ أكثر من سنتين، وهي تنتج حاليا، ما يكفي من مستلزمات الأدوات المدرسية، وهي تغطي الطلب على منتوجاتها، وتستجيب لاحتياجات السوق الداخلية من المواد التي تصنعها. وتعمل وحدته الانتاجية، بشكل مستمر ولا تعاني من أي نقص في المادة الأولية، لكن ما هو مسجل هذه السنة بالنسبة له، هو ارتفاع أسعار الكراريس، وهو نفس المشكل الذي يواجهه مختلف المتدخلون في الميدان.
شركة "الهلال" للتجارة والصناعة.. الكراريس متوفرة
وأرجع السيد عثمان مشارك، نائب الرئيس المدير العام لشركة "الهلال" للتجارة والصناعة في تصريحه لـ"المساء”، أسباب غلاء وندرة المستلزمات المدرسية، إلى عدم تغطية الإنتاج المحلي لعدد كبير من هذه المستلزمات، وما يتم إنتاجه وطنيا لا يكفي لتغطية كل الطلب بقناعة أن الإنتاج الوطني لا يغطي سوى 5 من المئة من الحاجيات الوطنية بينما يتم استيراد الباقي من الصين، ويضاف إلى ذلك، رخصة الاستيراد التي تم اعتمادها هذه السنة ولم يتم منحها في وقتها، وهو ما أثر على عملية تموين السوق الوطنية بهذه المواد.
ويختلف الأمر بالنسبة للكراريس التي تأثرت بشكل مباشر بالأزمة التي تعرفها صناعة الورق الأبيض في السوق العالمية، والتي أدت بكبار الصناعيين في هذا المجال، الى غلق وحداتهم الإنتاجية والاتجاه نحو صناعة الورق المقوى لتغطية احتياجات التجارة الإلكترونية والتسوّق الإلكتروني من قبل كبريات الشركات العالمية المتخصصة في تسويق السلع عن طريق الأنترنت، بعد الغلق الذي طال العالم بسبب جائحة كورونا.
وأضاف السيد مشارك انه رغم تعافي العالم من الوباء، إلا أن الأزمة مازالت قائمة، حيث لجأت الشركة إلى استغلال مخزونها من الورق لتوفير الكراريس للموسم الدراسي الحالي، رغم غياب أي مستجدات حول السوق العالمية. ورغم الارتفاع المسجل في أسعار الأدوات المدرسية في بلادنا هذا العام إلا أنها تبقى حسب السيد مشارك هي أحسن من تلك المتداولة في العالم، وذهب إلى حد التأكيد بأنها "في متناول الجميع"، بالنظر الى الأزمة التي يشهدها هذا القطاع، رغم اعترافه أن الأسعار المسجلة هذه السنة، عرفت ارتفاعا تراوح ما بين 20 و40 من المائة بفعل ارتفاع المواد الولية في السوق العالمية.
مشروع لصناعة الورق في الجزائر
وأكد نائب المدير العام لشركة "الهلال" أن هذه الأخيرة أقامت العام الماضي مشروعا استثماريا في مجال صناعة المستلزمات الدراسية والأدوات المكتبية التي تعتمد على الورق بأنواعه، وتتوفر على 4 وحدات انتاجية بالمنطقة الصناعية لوادي السمار بالعاصمة، وخامسة هي في طور التدشين. وتستجيب المؤسسة الصناعية لاحتياجات السوق الداخلية، ودخلت مجال تصدير منتجاتها باتجاه عدد من دول العالم، منها دول المغرب العربي وتركيا، لكنها تراجعت عن هذا النشاط بسبب الأزمة العالمية التي تشهدها صناعة الورق الأبيض وحوّلته هذه السنة لتغطية احتياجات السوق الوطنية فقط.
ويؤكد المتحدث، أن مؤسسته قادرة على ولوج مجال إنتاج الورق بأنواعه والاستثمار فيه، وكشف عن وجود دراسة تقنية تم تقديمها واقتراحها على الجهات الوصية، بقناعة أن الشركة بإمكانها كشريك اقتصادي تفعيل هذا المجال وتمكين الجزائر من التحوّل من مستورد للورق إلى منتج له. ووفق الدراسة التقنية، فإن المشروع ضخم من حيث الإمكانيات بما يستدعي الحصول على دعم الدولة في مختلف مراحله، كونه يتطلب توفير مساحات شاسعة من الأراضي واسترجاع الخشب وإشراك إدارة الغابات، فضلا عن ضرورة توعية المواطن وإدماجه في عملية استرجاع الورق بكل انواعه.