رُصدت لها أغلفة مالية ضخمة بسكيكدة ولم تنجَز
لعنة المشاريع المتأخرة تطارد عاصمة البتروكيمياء
- 1104
مايزال نحس المشاريع المتأخرة يطارد عاصمة البتروكيمياء سكيكدة، وكأن قدر هذه الولاية التاريخية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ القديم والحديث ومهد الثورة وعاصمة الولاية التاريخية الثانية التي أنجبت أبطالا وصانعة ملحمة 20 أوت 55، شاء لها أن تعيش على وقع مشاريع حطمت الرقم القياسي في التأخر والتوقف والتباطؤ في الإنجاز بدون أن يتمكن الولاة الثمانية الذين تعاقبوا على تسيير شؤون الولاية بمن فيهم المنتخبون المحليون في كل المجالس، من فك شفرة هذا التأخر، ومن ثم طرد النحس الذي مايزال يلازمها لأكثر من 15 سنة، فيما يبقى المواطن السكيكدي المغلوب على أمره، ينتظر الفرج بعد أن أضحت "دار لقمان على حالها".
ومهما تعددت الأسباب التي يحاول المسؤولون المحليون التحجج بها، فإن بقاء الوضع على ما هو عليه الآن، يطرح أكثر من سؤال، خاصة أن أغلفة مالية ضخمة التُهمت بدون استكمال المشاريع على أرض الواقع.
مستشفى الحروق بفلفلة يسير بخطى السلحفاة
وكعيّنة على نحس المشاريع المعطلة والمتوقفة التي لم تر النور بعد، مستشفى الحروق، الذي ماتزال الأمور فيه تسير بخطى السلحفاة رغم قرار مصالح ولاية سكيكدة خلال شهر جوان من السنة الماضية، تحويل إتمامه من مديرية الصحة، إلى مديرية التجهيزات العمومية، إلا أن الأمور - حسب المعاينة التي قمنا بها مؤخرا - ماتزال على ما هي عليه. والأكثر من ذلك، رغم الإنذار الذي وجهته والي سكيكدة حورية مداحي خلال شهر ديسمبر من السنة الماضية، عند معاينتها ورشة مكتب الدراسات المكلف بدراسة ومتابعة أشغال مشروع المستشفى الجهوي لمعالجة الحروق 120 سرير الجاري إنجازه بالمدينة الجديدة بوزعرورة في بلدية فلفلة، وذلك بعد أن وقفت شخصيا على التأخر الكبير في الأشغال التي توقفت منذ 2018، حيث أسدت تعليمات صارمة برفع العراقيل وإزالة التحفظات المسجلة، ومنحت مهلة 10 أيام لمقاولة الإنجاز ومديرية التجهيزات العمومية، من أجل استئناف الأشغال مجددا بورشة المشروع، ومن ثم تسريع وتيرة الإنجاز، إلا أن الأمور في الورشة لا تبشر بقرب تسليمه في الوقت الراهن.
وللإشارة، فإن هذا المشروع الهام الذي يُعد قطبا جهويا، هو مرفق صحي بامتياز، ويتكفل بمعالجة مرضى الحروق، الذي تقرر إنجازه في إطار المخطط التنظيمي الصحي الوطني عقب الانفجار الذي مس مركّب تمييع الغاز في جانفي 2004، والذي أودى بحياة 27 عاملا وعشرات المصابين، فيما انطلقت أشغاله رسميا سنة 2010 بعدما سُجل سنة 2006، بغلاف مالي قُدر، آنذاك، بأزيد من 240 مليار سنتيم، إضافة إلى مبلغ تكميلي قدر بحوالي 80 مليار سنتيم، وكان من المفروض أن يستغرق إنجازه حوالي 33 شهرا، مما يعني تسليمه خلال الثلاثي الأول من سنة 2018، لكن بعد أن وصلت نسبة إنجازه إلى حدود 50 ٪، توقفت الأشغال مجددا بسبب جملة من العوائق التقنية، من بينها نزاع قضائي، وآخر مع مكتب الدراسات، والمؤسسة المكلفة بالإنجاز.
للتذكير، يتواجد المستشفى الجهوي للحروق وإعادة التأهيل، بالقطب العمراني الجديد بوزعرورة ببلدية فلفلة، على بعد حوالي 18 كلم من مقر عاصمة الولاية. ويتربع على مساحة قدرها 5.4 هكتارات. ويتسع لـ 120 سرير. كما يوفر المستشفى حوالي 500 منصب شغل، منها 60 منصب طبيب مختص، و100 مسعف ومساعد طبي، بالإضافة إلى أعوان الصحة والإداريين، مع تدعيمه بأجهزة طبية متطورة ومطابقة للمعايير العالمية الخاصة بمعالجة الحروق الجسدية، على أن يتحول إلى قطب طبي مرجعي في اختصاص جراحة الحروق والجراحة التجميلية وإعادة التأهيل.
المحطة متعددة الأنماط تراوح مكانها منذ 15 سنة!
وفي ما يخص مشروع القرن، فهو الآخر مايزال يراوح مكانه، ويكون بحلول سنة 2022، دخل عامه 15 بعد أن تداول عليه 5 وزراء إضافة إلى 8 ولاة جمهورية، وهي المحطة متعددة الأنماط، الواقعة بمدخل مدينة سكيكدة، والمتربعة على مساحة تقدر بـ 5 هكتارات. وتضم إلى جانب محطة كبيرة لتوقف الحافلات، محطة لتوقف قطارات السكة الحديدية الرابطة بين ولاية سكيكدة وولاية قسنطينة، إضافة إلى موقف لسيارات الأجرة، ناهيك عن توفرها على مختلف المرافق الضرورية والعصرية التي تضمن راحة المسافرين؛ من محلات تجارية وخدماتية، وغيرها. كما تتسع لحوالي 800 مركبة من الحجم الكبير، وسيارات الأجرة ما بين الولايات، التي رُصد لها غلاف مالي إجمالي قدره 840 مليون د.ج في إطار المخطط الخماسي لرئيس الجمهورية 2010- 2015، حيث انطلقت أشغال إنجاز هذا المشروع، رسميا، سنة 2008، على أن يتم تسليمه سنة 2011، لكن "تجري الرياح بما لا يشتهي" مسؤولو القطاع، بعد أن اصطدم هذا الأخير بعدة مشاكل لم تؤخذ في الحسبان، منها عدم تقيد مكتب الدراسات بإعداده الدراسة بدفتر الشروط، وما انجر عن ذلك من استهلاك لأموال طائلة، مما اضطر القائمين على الأشغال حينها، لإعادة إسناد الدراسة لمكتب متخصص جديد من ولاية سطيف. كما تم تحويل المشروع مرتين من مديرية السكن والتجهيزات العمومية، إلى مديرية النقل صاحبة المحطة، ومن هذه الأخيرة إلى مديرية السكن والتجهيزات العمومية. وبالرغم من زيارات المسؤولين المتكررة إلى الورشة سواء على المستوى المركزي أو المحلي وتعليماتهم الصارمة بغية تدارك التأخر المسجل في المجال، إلا أن الأمور لم تتغير. ومن غرائب سوء تسيير هذا المشروع الذي استنزف أموالا طائلة، إسناده لمكتب دراسات ثالث، للنظر في مشكل القبة الحديدية التي تقع على ارتفاع 50 مترا. ففي الوقت الذي أكد مكتب الدراسات أنها قد تشكل خطرا على حياة المسافرين في حال الاحتفاظ بها كون تاريخ إنجاز القبة والمحطة يعود إلى سنة 1940، إلا أن لا أحد توصل إلى حل، فالبعض يؤكد على ضرورة الحفاظ عليها، لأن ذلك الجزء يؤرخ لحقبة من تاريخ المدينة، فيما يرى البعض الآخر ضرورة إزالتها تفاديا لما قد ينجر من عواقب عند تهدمها، خاصة أنها لم تعد تتحمل عبء الزمن.
ومن بين العوائق الأخرى التي واجهت هذا المشروع، انعدام الاعتمادات المالية الكافية، لكون هذا الأخير يبقى بحاجة إلى 23 مليار سنتيم لإتمامه.
مشروع ترميم المدينة القديمة يستنزف أموالا طائلة
يُعد مشروع ترميم المدينة القديمة بعاصمة "روسيكادا" سكيكدة، واحدا من بين أكبر المشاريع التنموية التي استفادت منها الولاية، نظير المبلغ المالي المعتبر الذي خُصص له، والمقدر بـ 1.5 مليار د.ج. واستبشر سكان الولاية خيرا باهتمام الجهات المسؤولة عن المستوى المركزي بمدينتهم المتميزة بطابعها المعماري الذي يعود إلى السنوات الأولى من الاحتلال الفرنسي، إذ تُعد مدينة فريدة من نوعها وطنيا، حيث أُنجزت ـ حسب العارفين بتاريخها ـ على النمط الموريسكي العربي الأوروبي. وقد خُصص ذلك المبلغ لإعداد دراسة علمية دقيقة لـ 127 بناية قديمة، تضم في مجملها 604 مسكن، مقسمة إلى 24 حصة أُسندت لمكتب "آكويدوس" الجزائري- الإسباني. وعلى ضوء تلك الدراسة خضعت بنايات المدينة القديمة للترميم تماما، كما رُممت مدينة برشلونة بإسبانيا، وكم كانت فرحة السكيكديين كبيرة في رؤية مدينتهم بوجه جديد يعيد لها بريقها، وهي التي كانت تسمى قديما "باريس الصغيرة"، لا سيما أن الترميمات، كما قيل آنداك، ستكون على الشاكلة التي عرفتها مدينة برشلونة بإسبانيا، خاصة أن الأشغال أُسندت لمقاولات متخصصة، لكن "تجري الرياح بما لا يشتهي" سكان عاصمة "روسيكادا"، حيث إن أشغال المشروع انطلقت نهاية سنة 2016 بعد أن سُخرت لها إمكانات كبيرة، إذ استغرقت الدراسة 15 شهرا، ومست ما يقارب 80 ألف متر مربع من المباني القديمة المتواجدة بالشارع الرئيس "ديدوش مراد"، أو ما يُعرف بشارع "الأقواس"، ومكنت من إعطاء تقييم شامل عن كل بناية ستخضع لعملية ترميم الأجزاء الأكثر تضررا باستعمال تقنيات متطورة جدا وعالية. وفعلا، بعد أشهر من الدراسة تم الشروع في أولى العمليات الاستعجالية، المتمثلة في تأمين البنايات المهددة بالانهيار، بغرض حماية المواطنين والسكان والتجار مما قد يتعرضون له بفعل الانهيارات المفاجئة التي قد تحدث، لتليها عملية ترميم المباني المعنية، حسب دفتر شروط، مع أخذ بعين الاعتبار، المحافظة على الطابع المعماري للبنايات، لكن بعد الانتهاء من ترميم الجزء الأول من الحصة 14 لبنايات سكيكدة العتيقة والتي مست 4 عمارات تضم في مجملها 19 مسكنا و16 محلا تجاريا أُسندت لمؤسسة محلية مؤهلة، لاحظ المواطنون أن العملية لم تكن سوى ترقيع و"بريكولاج"، مس، أساسا، الواجهة الأمامية لتلك البنايات فقط، بدون الحديث عن النوعية التي كانت رديئة، وتفتقر للمسة جمالية، بينما ظلت السكنات المهددة بالانهيار تماما، كما هي!
ولأن العديد من سكنات "الأقواس" لم تعد قادرة على تحمل أثر السنين أمام الانهيارات المتتالية التي أضحت تشهدها بين الفينة والأخرى، فقد تَقرر بطلب من مصالح الولاية، إعادة إخضاع أكثر من 250 عمارة مصنفة في الخانة الحمراء، لخبرة ثانية أُسندت للهيئة التقنية لمراقبة البنايات للشرق، مع العلم أن نفس العمارات سبق أن خضعت للخبرة الأولى من قبل مكتب الدراسات الجزائري الإسباني "آكويدوس" سنة 2012، وكان الغرض من إعادة إجراء تلك الخبرة، معرفة السكنات المهددة، فعليا، بالانهيار، حتى يتم التكفل بالعائلات في إطار عملية الترحيل التي أطلقتها السلطات المحلية منذ أكثر من سنة، والتي مست قاطني سكنات المدينة القديمة المصنفة في الخانة الحمراء.
ولأن مكتب الدراسات الأجنبي تخلى عن التزاماته، قررت مصالح الولاية، مؤخرا، أمام التأخر الكبير الذي يعرفه مشروع ترميم مباني المدينة القديمة بسكيكدة، توجيه إعذار أخير لمكتب الدراسات الأجنبي المكلف بإعداد الدراسة الخاصة برد الاعتبار، قصد إلزامه بالشروع، حالا، في إتمام عمله، خصوصا من الجانب المتعلق بالدراسة التقنية، التي تعرف تأخرا كبيرا، قبل اللجوء إلى فسخ العقد، وإسناده لمكتب دراسات آخر، ليبقى مسلسل تأخر أشغال رد الاعتبار لبنايات المدينة القديمة، متواصلا، فبعد مرور 3 سنوات يبقى المواطن السكيكدي ينتظر انتهاء مسلسل ترميم المدينة القديمة، التي أضحت بناياتها تتهاوى على قاطنيها من يوم لآخر! فهل ستتحرك الجهات المسؤولة على المستوى المركزي، لإعادة فتح ملف ترميم المدينة القديمة بسكيكدة، الذي استنزف أموالا ضخمة بدون أن يكون لتلك الأموال الطائلة أي أثر على سكيكدة، التي فقدت الكثير من بريقها ورونقها؟!
مشروع الخط الحديدي "رمضان جمال - عنابة" متوقف منذ 8 سنوات!
مايزال مشروع خط السكة الحديدية "رمضان جمال - عنابة" على مسافة 90 كلم الذي كانت تشرف على إنجازه شركة "أو. أش. أل" الإسبانية، يراوح مكانه بعد أن كان من المفروض، حسب الآجال التعاقدية، تسلّمه في سنة 2014 على أكثر تقدير، خاصة إذا علمنا أن أشغال هذا المشروع الاستراتيجي والحيوي التابع لقطاع الأشغال العمومية والذي تَعاقب عليه أكثر من 5 وزراء، انطلقت سنة 2007. وبغض النظر عن المبررات التي حالت دون تسليمه، إلا أن الإهمال وعدم متابعة المشاريع مع إيجاد حلول لإتمامه، جعله، هو الآخر، يدخل قائمة المشاريع المعطلة والتي فاقت 8 سنوات، ثم ماذا بعد؟
للعلم، خُصص لمشروع ازدواجية خط السكة الحديدية "رمضان جمال ـ عنابة" المندرج في إطار البرنامج التكميلي لدعم الإنعاش الاقتصادي، غلاف مالي قُدر بـ 37 مليار دينار، على مسافة 90 كلم، حيث أوكلت أشغال إنجازه لمؤسستين، الأولى إسبانية، والأخرى جزائرية. ويمتد على مسافة 35 كلم بإقليم ولاية عنابة، و55 كلم بإقليم ولاية سكيكدة. وبه نفقان برأس الماء. طوله 546.92 متر، وقصابة بطول 1544 متر.
ملايير من الخزينة العمومية في مهب الريح!
ولأن مسلسل تعطل المشاريع بسكيكدة الدراماتيكي متواصل، فنفس المصير يعيش على إيقاعه مشروع الطريق الرابط بين محول الطريق السيار (شرق - غرب) انطلاقا من الحروش باتجاه ميناء سكيكدة على مسافة 31 كلم، الذي انطلقت أشغال إنجازه سنة 2014، والمتوقف حاليا منذ أكثر من 4 سنوات، بعد أن قررت الشركة البرتغالية المكلفة بإنجازه، مغادرة المشروع الذي خُصص له غلاف مالي إجمالي قُدر بـ 30 مليار د.ج، إذ لم تتجاوز نسبة تقدم أشغاله 30 ٪، في حين 10 كلم لم تنطلق أشغالها تماما في الشطر الرابط بين بلديتي حمادي كرومة وبني بشير. للإشارة، فإن المشروع يكتسي أهمية كبرى وبالغة في تنشيط الحركة التجارية والاقتصادية بجميع ولايات الشرق الجزائري، على اعتبار أن ميناء سكيكدة من أهم وأكبر الموانئ بالوطن من الناحية التجارية، ناهيك عن كون الولاية قطبا اقتصاديا يضم إحدى أكبر المناطق البتروكيماوية وطنيا، التي عرفت عدة توقفات، منها في أواخر سنة 2016 ولأكثر من سنة كاملة، بسبب إعادة إجراء بعض التعديلات على الدراسة الخاصة بالطريق، بدون إغفال رفض واعتراض ملاّك الأراضي الفلاحية، لا سيما منتجو الحمضيات، ومرور الطريق على أراضيهم الفلاحية، لكن رغم قرار الوزارة الوصية تعويض الفلاحين المتضررين من إزالة وإتلاف المئات من أشجار الحمضيات ذات الجودة العالية، مايزال المشروع متوقفا، بعد أن استنزف أموالا طائلة من الخزينة العمومية.
السكيكديون يطالبون بالتحقيق
لم يهضم المواطن السكيكدي، بتاتا، ما يحدث بولايته، من خلال نحس تأخر وتوقف العديد من المشاريع لأكثر من 10 سنوات، ناهيك عن المشاريع المجمدة في قطاعات عدة، فيما يبقى المشكل الكبير لبعض المستثمرين الخواص الذين استفادوا من أوعية عقارية خلال عشرين سنة الأخيرة، بدون أن يقوموا بتجسيد مشاريعهم على أرض الواقع، فيما يشتكي البعض الآخر من العراقيل البيروقراطية التي لا تثنيهم عن إقامة مشاريع سكيكدة بحاجة إليها، منها إنجاز مدينة للألعاب على شاكلة "ديزني لاند" بفلفلة، أو حديقة للحيوانات، كما هي الحال بولاية جيجل في حديقة كسير، التي تُعد أجمل منتجع سياحي طبيعي.
ورغم المقومات الكبرى والعديدة التي تزخر بها سكيكدة في تحريك المشاريع التنموية وفي كل القطاعات، إلا أنها تبقى تعاني من نحس تأخر هذه الأخيرة، ومن تلاعبات بارونات العقار.
ويطالب العديد من المواطنين عبر "المساء"، رئيس الجمهورية بإرسال لجان للتحقيق، قصد الوقوف على حجم الملايير التي استُنزفت في مشاريع لم تسلَّم بعد، وأخرى أُنجزت بطريقة عشوائية.