طالبت كييف بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع موسكو
واشنطن تقتنع باستحالة تحقيق الحسم العسكري في أوكرانيا
- 605
دعت الولايات المتحدة، أمس، أوكرانيا للانفتاح على خيار محادثات السلام مع روسيا لإنهاء الحرب المتفجرة بين الطرفين منذ تسعة أشهر، من دون أدنى مؤشرا لاحتوائها، على الأقل، في المستقبل القريب.
وتبدي الولايات المتحدة، في الفترة الأخيرة، دعما متزايدا لخيار المفاوضات في وقت يقر فيه مسؤولون عسكريون في البنتاغون صعوبة المهمة بالنسبة لقوات كييف، لاستعادة الأراضي التي سيّطرت عليها روسيا خلال الحرب.
وعندما يأتي هذا الاعتراف من رئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية، مارك ميلي، الذي قال إن كييف تتواجد حاليا في موقف جيّد للدخول في مفاوضات مع روسيا، يطرح التساؤل ما إذا كانت واشنطن اقتنعت، بعد تسعة أشهر، استحالة تحقيق الحسم العسكري في الحرب الأوكرانية.
وليس ذلك فقط، فهل مطالبة الولايات المتحدة كييف بالدخول في مثل هذه المفاوضات يعني أيضا أن الإغراق العسكري والمالي الذي ما انفكت تقدّمه لكييف لن يجدي نفعا في تحقيق الاهداف الخفية من حرب لم تكشف عن كل أسرارها؟.
مثل هذه الأسئلة تجد مصداقيتها، خاصة وأن قائد هيئة الأركان الأمريكي استبعد احتمال تحقيق نصر عسكري أوكراني في المستقبل القريب، من خلال طرد الروس من كل أوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمّتها روسيا الى أراضيها عام 2014. وراح بالمقابل، يروّج لحل سياسي أو انسحاب سياسي روسي.
ولكن تصريحات المسؤول العسكري الأمريكي، التي أكد فيها وجود فرصة مناسبة يجب استغلالها لإطلاق مفاوضات السلام، أثارت المخاوف لدى الداعمين لكييف في أن تكون واشنطن قد غيّرت موقفها في دعم هذه الاخيرة في هدفها لاسترجاع الاراضي التي يسيطر عليها الروس، بما في ذلك شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس.
وهو ما جعل الولايات المتحدة تشدّد بأنها لا تضغط على كييف لحملها على التفاوض مع موسكو، وايضا ستواصل دعمها العسكري والمالي بدليل أن البيت الأبيض طالب مجدّدا الكونغرس بتقديم دعم مالي إضافي بقيمة 38 مليار دولار.
وحتى وإن كان البيت الأبيض قد جدّد التأكيد على أن الرئيس الأوكراني، فلودومير زيلنسكي، يعود إليه قرار إجراء مفاوضات بين كييف وموسكو، فيكفي أن تدعو واشنطن لمثل هذا الخيار، ليتأكّد أن استمرار الحرب بدأ يتعب، بطريقة أو بأخرى، الولايات المتحدة.
وربما التفجير الذي وقع، أمس، في محيط المحطة النووية زبورجيا، الواقعة في جنوب أوكرانيا، يدخل في إطار رغبة الرئيس زيلينسكي إطالة أمد الحرب واتهام روسيا بالوقوف وراء التفجير، لتبقى في نظر العالم المذنب الأول عن هذا الوضع المتفجّر.
وبالتالي، هل يمكن القول إن موسكو تفطنت للحيلة الأوكرانية وسارعت الى اتهامها بتنفيذ التفجير ضد المحطة النووية التي تسيطر عليها القوات الروسية، لأنها تقع في منطقة قريبة من خط المواجهة بين جيشي البلدين المتحاربين.
ويبقى ذلك جد وارد والتفجير يبدو وكأنه محاولة ثانية بعد إسقاط صاروخ أوكراني فوق الأراضي البولندية الأسبوع المنقضي، حيث سارعت كييف الى اتهام روسيا بهذا الفعل، قبل ان يتأكد أن الصاروخ أطلقه الجيش الأوكراني، ربما، بهدف توسيع رقعة الحرب بتوريط دول مجاورة موالية له.
ولولا حالة ضبط النفس التي تمتعت بها وارسو ومعها الدول الغربية، وفي مقدمتها التي تأنت في إصدار حكمها على سقوط الصاروخ على الأراضي البولندية ولم تنساق وراء الاتهامات الأوكرانية لروسيا، لشكّل ذلك تصعيدا آخر في سياق الاتهامات والاتهامات المتبادلة بين أطراف الصراع المباشرة والمتواطئة.
وكان هذا الموقف الغربي بمثابة مؤشر مبدئي على تحكيم الغرب للمنطق بعيدا عن لغة التهديد والوعيد والعقوبات، التي انتهجها منذ اندلاع الحرب في الـ24 فيفري الماضي. وهو ما يطرح التساؤل ما إذا كان المقترح الامريكي سيجد طريقه الى التجسيد أولا من قبل الرئيس زيلنسكي؟ وأيضا هل توقف واشنطن دعمها المتعدّد حتى تقنع كييف أنه لا مناص من الدخول في مفاوضات، إن قبلت بها، ستجلس الى الطاولة وروسيا في موقع قوة.