واشنطن تسخّر 55 مليار دولار لفائدة القارة السمراء
قمة إفريقية ـ أمريكية في الوقت بدل الضائع
- 532
استبق البيت الأبيض القمة الأمريكية ــ الإفريقية التي انطلقت أشغالها، أمس، بالعاصمة واشنطن وتدوم إلى غاية يوم غد الخميس، بالإعلان عن تسخير 55 مليار دولار على مدار ثلاث سنوات لفائدة افريقيا التي تشهد اهتماما ومنافسة قوية على خيراتها وثرواتها بين قوى صناعية كبرى وحتى قوى صاعدة أدركت أهمية قارة عذراء توصف بخزان العالم من المواد الطبيعية والنادرة. وكشف مستشار الرئيس الأمريكي، المكلف بالأمن القومي، جاك سوليفان، عشية انطلاق أشغال القمة عن تخصيص هذه الأموال للتكفل بالأمراض التي تفتك بالشعوب الإفريقية ومواجهة الآثار الكارثية التي خلفتها الانبعاثات الغازية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لشعوب القارة.
وضمن محاولة واضحة لاستقطاب الدول الافريقية واقناعها بالانخراط في المسعى الأمريكي، راح المسؤول الأمريكي يمدح ما ستقدمه بلاده لإفريقيا بالقول إنه "إذا ما قارنتم بين ما تعد به الولايات المتحدة للسنوات الثلاث المقبلة مع ما وعدت به دول أخرى، فإن المقارنة في صالحنا" والإشارة واضحة إلى الصين وروسيا وحتى الاتحاد الأوروبي. وأعلن جاك سوليفان في سياق الاهتمام المتنامي لبلاده بإفريقيا عن تعيين، جوني كارسون، الدبلوماسي البالغ من العمر 79 عاما والذي عمل سفيرا في عدة عواصم إفريقية "ممثلا خاصا" مسؤول عن ضمان تنفيذ هذه الوعود المالية. وحتى يطمئن الدول الافريقية، أكد المسؤول الأمريكي بأن هذا التمويل، وبشكل أعم الالتزام الأمريكي، لن يكون مرتبطا بموقف الدول الأفريقية من الحرب في أوكرانيا في وقت يرفض العديد منهم إدانة روسيا.
فهل استفاق الرئيس الأمريكي، جو بايدن، متأخرا ليقف على أهمية افريقيا في لعبة التوازنات الدولية بالنظر الى خيراتها الطبيعية ومواردها الكامنة بعد أن تجاهلها سابقه، دونالد ترامب، طيلة فترة حكمه بما منح المجال لدول أخرى لتعميق علاقاتها مع دول القارة بكل أريحية. ويطرح هذا السؤال خاصة وأن آخر وأول قمة إفريقية ـ أمريكية نظمت سنة 2014 خلال فترة حكم الرئيس الأسبق، باراك أوباما، حيث وضعت الإدارة الأمريكية منذ ذلك التاريخ، إفريقيا خارج نطاق اهتماماتها قبل أن تتدارك الموقف وهي تريد اليوم تعويض ما فاتها من خلال تسخير مبلغ 55 مليار دولار ضمن محاولة لقطع الطريق أمام دول منافسة تريد الاستئثار بخيرات باطن الأرض الإفريقي ضمن تنافس محموم بدا يظهر للعيان من خلال توالي القمم الثنائية مع الدول الإفريقية.
ويجب القول إنه في سياق هذا الصراع المتعدد الأوجه، فإنه لا يمكن المقارنة بين ما قدمته الدول الصناعية الأخرى طيلة السنوات الأخيرة وما تعتزم الولايات المتحدة صرفه على مدار ثلاث سنوات القادمة، مما يجعل مبلغ 55 مليارا لا يشكل ذلك ثقلا ماليا بإمكانه استمالة دول القارة إلى جانبها بمراعاة حجم المشاكل التي تعاني منها القارة وشعوبها من انعدام للتنمية واستفحال ظاهرة الفقر وانعدام الأمن واستغلال ثرواتها وخيراتها من قوى أجنبية همها الوحيد مصالحها الخاصة.
وشكلت انعكاسات التغييرات المناخية من كوارث وظواهر طبيعية خطيرة على غرار الجفاف والتصحر والفيضانات واندلاع الحروب وانعدام الاستقرار السياسي واستفحال الظاهرة الإرهابية في مختلف مناطق القارة أولويات تسببت فيها الدول الكبرى وغذتها وشجعتها ورفضت في المقابل المساهمة في إيجاد حلول لها بشكل جذري بما يساهم في إيجاد حلول لها. ويجد التساؤل صدقيته، خاصة وأن الإدارة الأمريكية أعلنت على أنه سيتم صرف المبلغ المعلن عنه على الصحة وآثار التغييرات المناخية، خاصة وأن أنه معروف عن الإدارات الأمريكية ربط مساعداتها بقضايا حقوق الإنسان والحريات السياسية والديمقراطية في شروط دول أخرى مثل الصين وروسيا لا توليها اهتماما بقدر ما يهمها الرفع من قيمة استثماراتها.
ثم أن الاعلان عن مبلغ 55 مليار دولار في هذا الوقت الذي تعرف فيه القارة استقطابا للدول الكبرى، تتقدمها الصين وروسيا ولحقتها أخرى صاعدة على غرار تركيا وايران والهند واليابان وحتى تكتلات اقليمية مثل الاتحاد الأوروبي والتي لم تتأخر جميعها في عقد قمم مع دول القارة السمراء لا لشيء إلا من أجل الاستحواذ على خيراتها تحصينا لاقتصاداتها وسط صراع عالمي يأخذ طابعا اقتصاديا حادا.