الدبلوماسية الجزائرية تسجل حضورها القوي في 2022

نجاح باهر في لمّ الشمل الفلسطيني والعربي

نجاح باهر في لمّ الشمل الفلسطيني والعربي
  • 685
 مليكة. خ مليكة. خ

سجّلت الدبلوماسية الجزائرية حضورها القوي خلال سنة 2022، من خلال مواكبتها للتوجّهات الجديدة للسياسة الخارجية للبلاد على ضوء التحديات الأمنية المحيطة بها، وفق مفهوم جديد لرؤية نشطة واستباقية، جعلتها تسترجع دورها الحيوي في المحافل الدولية وتتموقع كقوة إقليمية فاعلة، مع أداء دور الوسيط الوثيق في القضايا الإقليمية والدولية، وهو الدور الذي كان معروفاً عن الجزائر في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.

وحقّقت الدبلوماسية الجزائرية الكثير من الانجازات التي تجسّدت على أرض الواقع والتي كان أبرزها على الإطلاق احتضانها لأشغال القمة العربية الـ31، تحت شعار "لم الشمل العربي"، حيث مكّنها هذا الحدث العربي من لعب دور هام في تعزيز العمل العربي المشترك وتحقيق وحدة الصف، ما جعل هذه القمة "ناجحة بامتياز"فقد كان هذا المحفل العربي فرصة "لإعادة بثّ روح التضامن العربي" النابع من التاريخ والمصير المشترك وتحويل هذه التحديات إلى دافع بهدف ترتيب البيت العربي بعد انقطاع دام ثلاث سنوات بسبب جائحة كوفيد-19، حيث رافعت الجزائر من أجل استرجاع جامعة الدول العربية مكانتها على الساحة الدولية والاضطلاع بدورها كمنظمة عربيةقويّة ومؤثّرةلتمكينها من مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، خدمة لتطلّعات وآمال الشعوب العربية ولاستقرار المنطقة.

واعتبرت القمة العربية بالجزائر بمثابة "حدث استثنائي" لكونها انعقدت في ظلّ ظروف معقّدة تتّسم بتعدّد وتلاحق الأزمات على الساحة الدولية  والتي لم تسلم الدول العربية من تبعاتها، إلاّ أنّ ذلك لم يمنع الجزائر من رفع التحدي وكسر رهان تنظيم هذا الحدث الهاموكانت القمة مناسبة لمناقشة قضايا الأمة العربية، حيث عملت الجزائر على جعل التضامن العربي الحقيقي والمسؤول، ضرورة من شأنها تعزيز قدرات الدول العربية وإعطائها وزنا للتفاوض ومجابهة التحديات، فضلا عن السعي لإيجاد مخارج للأزمات المطروحة على الساحة الإقليمية وتعزيز التلاحم العربي ومناصرة الحق والعدالة وتغليب لغة الحوار والتفاهم.

كما أنّ اختيار الجزائر لانعقاد القمة العربية في تاريخ الفاتح من نوفمبر، المصادف لاندلاع الثورة التحريرية ،ينطوي على دلالات نابعة من مبادئها الثابتة التي عبّر عنها بيان "أوّل نوفمبر1954" والمتعلّقة بحقّ الشعوب المضطهدة في تقرير مصيرهاوبناء على ذلك عملت الجزائر على جعل الاجتماع العربي الكبير مناسبة جديدة من أجل التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية ومواصلة الدفاع عنها لكون هذه القضية تعدّ بالنسبة للجزائر "أم القضايا عبر كلّ الأزمنة".

انتصار كبير للقضية الفلسطينية

من هذا المنطلق، يحسب للجزائر قبل أيام من انعقاد القمة العربية نجاحها في لمّ الشمل الفلسطيني على أرضها، بعدما ظلّت الفصائل الفلسطينية منقسمة ومتنافرة لمدّة 15 عاما، حيث بادرت إلى دعوة ممثليها للمشاركة في "مؤتمر لم الشمل من أجل الوحدة الوطنية الفلسطينية"، في محاولة للتوصّل إلى اتّفاق قبل القمة وهي المبادرة التي توّجت في 13 أكتوبر الماضي، بما سمي بـ"إعلان الجزائر"، الذي يضع حدا للانقسام وسيكون بمثابة أرضية صلبة لتحقيق الوحدة بينهاوقد لقيت هذه المبادرة إشادة فلسطينية ودولية واسعة، حيث وصفتها الفصائل الفلسطينية الموقّعة على اتّفاق المصالحة، بـ"الانتصار الكبير للقضية الفلسطينية"، معربة عن "تقديرها لجهود ودور الجزائر والرئيس تبون في لمّ الشمل الفلسطيني".

وساهم توقيع الفصائل الفلسطينية على اتفاق المصالحة بالجزائر في إعادة القضية الفلسطينية ليس للواجهة فحسب، وإنّما أيضا لمحور الاهتمام العربي والدولي"، خاصة بمناسبة انعقاد القمة العربيةكما شكّلت القمة العربية حدثا عالميا حيث شارك فيه ممثلو عدّة منظمات دولية، ما يؤكّد الدور المحوري للجزائر على المستويات الإقليمية والافريقية والعربية والأوروبية المتوسطية والدولية، فضلا عن أنّها تناولت لأوّل مرة مواضيع معيّنة مثل الأمن الغذائي والأمن المائي والأمن الطاقوي وقضايا تغيّر المناخ والحاجة إلى حلول عربية للمشاكل العربية.

وحظيت جهود الجزائر للمّ الشمل وتوحيد المساعي العربية من أجل مستقبل موحّد لدول المنطقة، بإشادة واسعة من قبل المشاركين، فضلا عن وسائل الإعلام العربية والدولية التي اعتبرت أنّ القمة العربية كانت "فلسطينية بامتياز"، كما كانت بمثابة علامة فارقة في لمّ الشمل ونسج خيوط الثقة، بعدما تمكّن رئيس الجمهورية من جمع أكبر عدد ممكن من القادة العرب للمشاركة في الحدث العربي الهام.

وقد أكّد وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة، في ختام القمة أنّ هذا الموعد كان "ناجحا جزائريا وعربيا ودوليا"، نظرا لحرص الجزائر على توفير كافة شروط النجاح من الجوانب اللوجستية أو السياسية، إلى جانب انخراط رئيس الجمهورية شخصيا في مسار التحضير له. كما أنّ أبرز إنجاز حقّقته الدبلوماسية الجزائرية يتمثّل في تعليق تواجد الكيان الصهيوني ضمن مؤسّسات الاتحاد الإفريقي بصفة عضو مراقب، خلال اجتماع رؤساء الاتحاد الذي انعقد شهر فيفري الماضي بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، حيث فشل أصدقاء إسرائيل في افريقيا وفي مقدّمتهم نظام المخزن المغربي، في تثبيت قرار إداري اعترته أخطاء إجرائية وقانونية.

فقد لعبت الدبلوماسية الجزائرية دورا كبيرا في الوصول إلى قرار تعليق عضوية إسرائيل، على إثر مشاورات مكثّفة استمرت لنحو ثلاثة أشهر، قادها وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة، كما أنّ ما حقّقته الجزائر وأصدقاؤها في الاتحاد الإفريقي يعتبر نجاحا كبيرا، لأنّه تم تعليق عضوية إسرائيل، لكن دون حدوث شرخ داخل المنظمة. موازاة مع ذلك، دأبت الدبلوماسية الجزائرية على ايلاء أهمية خاصة لإفريقيا، من خلال تعزيز وجودها وتأثيرها في منطقتي الساحل والمغرب العربي، فضلا عن ترقية حركيات التعاون والشراكة والاندماج في كلّ التجمعات التي تنتمي إليها، كما أنّ الاهتمام تركز على تقييم العلاقات مع الشركاء الاستراتيجيين للجزائر لجعلها قوة توازن من خلال الاخذ بعين الاعتبار المعطيات البراغماتية والحفاظ على مصالح البلاد في التعاملات مع الشركاء الأجانب للجزائر ضمن مقاربة "رابحرابح".

الجزائر دولة محورية في المنطقة

وفي الوقت الذي أصبح فيه جوار الجزائر مقلقا بسبب الأزمة الليبية، وعدم الاستقرار السياسي والأمني في دول الساحل الأفريقي وغرب أفريقيا، إضافة إلى التحديات الأمنية الخطيرة التي أنجرت عن تطبيع نظام المخزن علاقاته مع الكيان الصهيوني، لا يتوانى رئيس الجمهورية في التأكيد على أنّ الجزائر قوّة إقليمية معترف بها، من خلال تبنيها لسياسة خارجية تتّسم بالواقعية، عبر دبلوماسية تحكمها المبادئ والأهداف الواردة في مختلف المواثيق والدساتير الوطنية الجزائرية، وأهمها مبدأ "عدم التدخّل في الشأن الدّاخلي للدول"، والتي تعدّ في مجملها امتدادا لمبادئ  ثورة نوفمبر 1954.

ومن المؤكّد أنّ السياسة الخارجية الحالية للجزائر، تتأثّر بالأوضاع التي تنتج عنها تطوّرات النسق الدولي المتوتّر في ظلّ الحرب الروسية-الأوكرانية، وبالتالي تتفاعل فيه الدولة مع غيرها من الدول وتتحدّد الصورة الاستراتيجية لهذا النسق، من منطلق أنّ الجزائر ليست بمعزل عن هذه التغيّرات والتقلّبات التي تفرضها البيئة الإقليمية والدوليةفقد ساهم ارتفاع أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية والتي بدأت تداعياتها تؤثّر على اقتصاديات دول عديدة في العالم، في جعل الجزائر تتبنى سياسة خارجية نشطة، تلعب دورا كبيرا في انتعاش الحركية الاقتصادية باعتبارها دولة نفطية .

كما أنّ أبرز ما سجّلته الدبلوماسية الجزائرية هو تقديم الجزائر ملف انضمامها إلى مجموعة "البريكس" والذي حظي بالقبول من قبل روسيا والصين  وجنوب افريقيا، حيث أكّد رئيس الجمهورية في لقائه الإعلامي يوم الخميس الماضي أنّ عام 2023 سيكون متوّجا بدخول الجزائر إليها، حيث ستحضر اجتماعاتها الرسمية.  وقال إنّهعندما يصبح الناتج المحلي الإجمالي للجزائر أكثر من 200 مليار دولار، يمكن حينها القول إنّ الجزائر اقتربت من الانضمام إلى "بريكس"، حيث أوضح رئيس الجمهورية أنّ الانضمام إلى المجموعة يتطلب مواصلة جهود الاستثمار والتنمية، اقتصاديا وبشريا في الوقت نفسه.