2022سنة اقتصادية على المستويين الداخلي والخارجي
انتعاش ونصر إقليمي جديد
- 592
كانت 2022 سنة اقتصادية بامتياز، مثلما أعلن عنه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الذي حدّد السنة التي نودّعها كمرحلة حاسمة في بعث الاقتصاد الوطني، برؤية جديدة تتجه نحو التنويع وتعزيز الصادرات خارج المحروقات، مع إعطاء دفع للمقاولاتية عبر تشجيع إنشاء المؤسّسات الناشئة القائمة على الابتكار ضمن سياسة ساعية لضمّ الجزائر إلى إحدى أهم المجموعات الاقتصادية في العالم "بريكس".
جاءت الأوضاع العالمية في صالح الانتعاش الاقتصادي للجزائر خلال سنة 2022، بسبب اندلاع الحرب في أوكرانيا مع بداية العام، والتي أدّت إلى ارتفاع قياسي في أسعار المحروقات، المورد الأساسي لتمويل التنمية. وسمح هذا الوضع داخليا، بعودة الإنفاق العمومي إلى مستويات سبقت الأزمة الصحية، ما سمح بإطلاق الكثير من المشاريع التي جمّدت، فضلا عن تخصيص مبالغ إضافية لتنمية مناطق الظل، والاستمرار في إنجاز المشاريع السكنية وكذا الدعم الاجتماعي الذي بقي في نفس مستوياته، بل تدعّم بإجراءات جديدة مثل منحة البطالة ورفع الأجور، رغم التأثّر بتداعيات ارتفاع نسب التضخّم الذي مسّ كلّ دول العالم.
"الأمن والموثوقية" في ضمان الإمدادات
وعلى المستوى الخارجي، ساهمت الحرب بأوكرانيا في تعزيز مكانة الجزائر جهويا وعالميا، في ظلّ أزمة طاقوية غير مسبوقة عرفها العالم وأوروبا خصوصا وهي الزبون الأوّل للجزائر خاصة في مجال الغاز. وأدّت العقوبات الأوروبية على روسيا ممونها الغازي الرئيسي، إلى توجّه الأنظار نحو الجزائر لأسباب تتعدى الجغرافيا إلى “الأمن والموثوقية” في ضمان الإمدادات، التي ميّزت التعامل مع الجزائر لعقود. وتوالت زيارات الوفود الأجنبية إلى بلادنا، لتؤكّد أنّ الجزائر "قطب طاقوي" لا يمكن تجاوزه أو الاستغناء عنه. وهو ما ترجمته على سبيل المثال لا الحصر، العودة إلى سوق الغاز السلوفينية بعد 10 سنوات من الغياب ضمن عقد يمتد إلى غاية 2026.
7 اكتشافات جديدة في 8 أشهر
وما ساهم في تعزيز هذه المكانة، الاكتشافات التي تمت خلال 2022، حيث احتلت الجزائر المرتبة الأولى بسبعة اكتشافات جديدة في الثمانية أشهر الأولى من 2022، منها أربعة نفطية وثلاثة غازية. وتدعّم هذه الاكتشافات رغبة الجزائر في رفع إنتاجها وصادراتها، لتلبية الطلب المتنامي وهو ما يتطلّب استثمارات هامة تحتاج إلى ملايير الدولارات حان وقت قطافها بفضل الارتفاع القياسي للأسعار، الذي دفع "سوناطراك" إلى فتح مفاوضات مع كلّ شركائها لإعادة النظر في أسعار الغاز.
وسجّلت صادرات الجزائر من الغاز رقما قياسيا خلال 2022 بدعم من زيادة الطلب في السوق الأوروبية، إذ يتوقّع تجاوزها سقف الـ56 مليار متر مكعب، وهو ما يؤكّد تعزيز مكانتها على المستوى الإقليمي. ولا تقف الجزائر عند هذا الحدّ، بل ترغب في أن تكون ضمن "الباقة الطاقوية" لأوروبا ليس عن طريق الغاز فقط، بل كذلك بتطوير الطاقات المتجدّدة، ولاسيما الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر، إضافة إلى الكهرباء.
التجسيد التدريجي لبرنامج الطاقات المتجدّدة
ورغم أنّ 2022 لم تكن سنة تجسيد مشروع “سولار” للطاقات المتجدّدة بسبب التأخّر الذي شهده، إلاّ أنّ تصريحات المسؤول الأوّل عن قطاع الطاقة طيلة السنة المنصرمة، أكّدت الأهمية التي توليها الحكومة لهذا الجانب، والتي برزت في الاتفاق الأخير مع ألمانيا لإنجاز مشروع نموذجي لإنتاج الهيدروجين الأخضر وكذا دراسة إمكانية ربط أوروبا وحتى إفريقيا بالكهرباء، إضافة إلى العمل على التجسيد التدريجي لبرنامج الطاقات المتجدّدة 2035.
وساعد ارتفاع أسعار المحروقات على تعزيز تعافي الاقتصاد الجزائري بعد صدمة جائحة "كوفيد – 19"، وفقا لصندوق النقد الدولي، الذي أقرت بعثة خبرائه إلى الجزائر في نوفمبر الماضي، أنّ الإيرادات الاستثنائية للمحروقات، أدّت إلى تخفيف الضغوط على الحساب الجاري لميزان المدفوعات والمالية العامة، متوقّعة أن يسجّل رصيد الحساب الجاري في2022 أوّل فائض له منذ 2013، مع تسجيل ارتفاع الاحتياطيات الأجنبية إلى 53.5 مليار دولار أمريكي في سبتمبر، مشيرة إلى أنّ "الزيادة الكبيرة" في الصادرات خارج المحروقات، ساهمت في هذا التحسّن. كما توقّع الصندوق تحقيق فائض في حساب المالية العامة في عام 2022 بفضل ارتفاع الإيرادات وانخفاض الإنفاق مقارنة بالتوقّعات، واستمرار التعافي من صدمة جائحة كورونا، مع تسارع نمو إجمالي الناتج المحلي خارج المحروقات إلى 3,2% في عام 2022، مقارنة مع 2,1% في عام 2021.
تحقيق الشمول المالي
وحتى وإن لم تسلم الجزائر من تداعيات التضخم الناتجة عن الأزمة الغذائية التي جرّتها الحرب في أوكرانيا، مسجّلة أكثر من 9 بالمائة خلال السنة الماضية، فإنّ الحفاظ على التوازنات المالية للبلاد، وتعزيزها بدا واضحا، لاسيما مع الاستمرار في إصلاح المنظومة البنكية التي شهدت في 2022 نموا لافتا في مجال الصيرفة الإسلامية، بعد أن اقتحمت البنوك العمومية هذا المجال، إذ عرفت 2022 التحاق بنوك عمومية أخرى بالركب، ليتّجه القطاع تدريجيا نحو تحقيق الشمول المالي، بما يسمح بعصرنته واستقطاب أموال السوق الموازية وعرض خدمات جديدة ومتنوّعة للمواطنين والمؤسّسات في مجالي البنوك والتأمينات.
وسيساهم تعديل قانون النقد والقرض في تعزيز هذا الاتّجاه، وتوسيع المنظومة المالية لتشمل الخدمات الإلكترونية الرقمية والتجارة الإلكترونية.كما توّجت نهاية السنة بفتح أولى فروع للبنوك الجزائرية في الخارج، وبالضبط في فرنسا وبعض الدول الإفريقية، في خطوة انتظرها المتعاملون بفارغ الصبر، لما لها من آثار إيجابية على المبادلات التجارية والصادرات خارج المحروقات، التي بلغت أزيد من 6 ملايير دولار خلال الـ11 شهرا من السنة الماضية.
معالجة الاختلالات والنقائص
ويعول على عديد الاتفاقيات التي وقعت بين رجال الأعمال الجزائريين ونظرائهم من دول أخرى، لتحقيق قفزة في المبادلات التجارية، لاسيما بعد تسارع وتيرة إنشاء مجالس الأعمال المشتركة وتوالي تنظيم منتديات الأعمال، في ظلّ قانون استثمار جديد رأى النور في السنة التي نودّعها، بعد انتظار طويل. ويتضمّن القانون الجديد مزايا هامة واجراءات تبسيطية ويعيد النظر في الجانب المؤسّساتي من خلال معالجة الاختلالات والنقائص التي كانت تشوب أهم المؤسّسات القائمة على الاستثمار ولاسيما المجلس الوطني للاستثمار والوكالة الوطنية لتطوير الاستثمارات. ويضع القانون حدا لقاعدة 51/49 التي أثّرت على مستوى الاستثمارات الأجنبية المباشرة، كما يسعى إلى تحسين مناخ الأعمال وإخراج الجزائر من الخانة الحمراء التي التصقت بها لعقود في تقارير الهيئات الدولية.
وتأمل الحكومة من خلال استقطاب الاستثمارات الأجنبية، في خلق مناخ موات لإحياء الصناعة الوطنية، عبر شراكات مربحة لكلّ الأطراف. ولذلك باشرت جملة إصلاحات في القطاع الصناعي، من خلال تحديد القطاعات الاستراتيجية، وكذا إعادة إحياء الشركات العمومية المتوقفة، ورفع العراقيل عن مئات المشاريع التي لم تجد طريقها للتجسيد لأسباب بيروقراطية وكذا ضمّ مؤسّسات محجوزة بسبب قضايا فساد إلى عجلة الإنتاج الوطني.
صناعة حقيقية مع شركاء جديين
وعرفت سنة 2022 إصدار دفتر شروط استيراد وتركيب السيارات، بعد سنوات من الفوضى في الصناعة الميكانيكية، أدّت إلى تحوّل مصانع كبرى استفادت من إعفاءات ضريبية وجبائية كثيرة، إلى مجرّد مستودعات لنفخ العجلات. وضع استلزم العمل على استبدال النصوص التشريعية والتنظيمية، للذهاب نحو صناعة حقيقية مع شركاء جديين. ورأت هذه الاستراتيجية أولى ثمارها، بتوقيع اتفاقية لتركيب سيارات “فيات” الإيطالية بغرب البلاد، في انتظار النظر في طلبات من علامات أخرى ترغب في التواجد ببلادنا ضمن شروط محدّدة تخصّ نسبة الإدماج.
وألحّ رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال افتتاحه الطبعة الثلاثين لمعرض الإنتاج الوطني، على مسألة الإدماج في كافة قطاعات النشاط، مشدّدا على ضرورة إنشاء نسيج للمناولة في جميع الفروع الصناعية، لإحلال الواردات ورفع نسب الإدماج إلى مستويات عالية تستجيب للمعايير المفروضة. ويعوّل على قطاع المؤسّسات الناشئة أن يكون أحد أعمدة تطوير الاقتصاد الوطني، من خلال فتحه مجال المقاولاتية أمام خريجي الجامعات وأصحاب الأفكار الخلاقة، التي يمكنها أن تنقل الجزائر إلى مستوى يستجيب لتطلّعاتها الوطنية والخارجية، خاصة بعد أن قدّمت الجزائر رسميا طلبا للانضمام إلى مجموعة "البريكس".
اقتصاد رقمي يقوم على المعرفة
وبتوقيع رئيس الجمهورية على قانون المقاول الذاتي، والقانون المُتمّم للأمر المتضمّن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، تكريسا لحقّ الاستفادة من عطلة لإنشاء مؤسّسة بالنسبة للموظّفين أو المتعاقدين الإداريين، فإنّ مجال العمل بات مفتوحا للجميع، لتجسيد أفكارهم في أرض الواقع، خاصة في ظلّ التحوّلات التي يشهدها العالم، المتوجّه نحو اقتصاد رقمي يقوم على المعرفة. وتعمل الحكومة بالتوازي على الرقمنة التدريجية للخدمات ودمجها في الحياة اليومية للمواطن، وكذا في التعامل مع المؤسّسات الاقتصادية والمستثمرين، حيث أفرجت خلال السنة الجارية عن قرارات هامة في هذا المجال، على رأسها إقرار التصديق والتوقيع الالكترونيين وكذا رقمنة قطاعات استراتيجية مثل الجمارك والضرائب.