عادات وتقاليد ينّاير بالأوراس
طقوس متجذرة في المجتمع الشاوي
- 3043
يستعد المجتمع الأوراسي للاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة 2973، بتنظيم العديد من التظاهرات الثقافية والفنية التي يحييها فنانو المنطقة، بمشاركة العديد من الجمعيات الثقافية، التي أعدت برامج ثرية، تعكس عادات وتقاليد الأسرة الشاوية. وتشمل التظاهرات المقامة بالمناسبة، أنشطة متنوعة إلى غاية 17 من الشهر الجاري. وستتوَّج هذه الفعاليات بتكريمات للمتنافسين والمشاركين. وقد أعدت، في هذا السياق، السيدة إكرام نطاح مسؤولة فرع بريكة لجمعية الوفاق، نشاطا مميزا، ومعرضا ثريا بالمناسبة، إلى جانب مشاركة جمعية أليسار السياحية لولاية باتنة، في تظاهرة تقام ببلدية أمدوكال، بالموازاة مع تنظيم غرفة الصناعات التقليدية بباتنة، تظاهرة كبيرة .
وأقامت، من جهتها، جمعية "آن الأوان" لترقية الفكر بمعية جمعية "جسور" لحفظ الذاكرة بالتنسيق مع دار الثقافة محمد العيد آل خليفة بباتنة، معرضا للصناعات التقليدية الأوراسية. وشمل النشاط، أيضا، إقامة معرض لوحات زيتية، وقمصان برسومات وشارات أمازيغية، إضافة إلى معرض الكتاب الأمازيغي، وعرض رزنامة التقويم الأمازيغي، فضلا عن مسابقة للأكلات التقليدية، وحفل موسيقي، فيما يستمتع الجمهور بدار الثقافة بباتنة، بسهرة فنية، تحييها كوكبة من ألمع نجوم الأغنية الشاوية عشية حلول السنة الأمازيغية 2973.
ويهدف هذا النشاط، حسب رئيسة جمعية "آن الأوان" لترقية الفكر كريمة بن حمزة، إلى ترسيخ عادات وتقاليد المنطقة، فضلا عن كون المناسبة تشكل فرصة للشباب، للاطلاع على كيفية الاحتفال بهذه المناسبة. وأوضحت في الخصوص، أن التظاهرات المقامة تهدف بالدرجة الأولى، إلى خلق فضاء لبعث روح التواصل، والحفاظ على الموروث الثقافي الأمازيغي، وتعريف الأجيال الحالية بمدلول السنة الأمازيغية، التي تختزل ثقافة لها امتداد في تاريخ شعب سكن أرض تمزغا لقرون خلت، وخلق دينامية، وحركة ثقافية، يكون محورها الثقافة والهوية الأمازيغية لتأهيل وترقية باتنة لاحتضان العديد من المهرجانات الثقافية.
للإشارة، فإن العائلات الأوراسية احتفلت برأس السنة الأمازيغية 2973 لتأكيد انتمائها؛ إذ تشكل المناسبة إحدى التقويمات التاريخية التي تؤرخ لتغلّب الملك الأمازيغي ششناق على ملك الفراعنة رمسيس الثالث سنة 950 قبل الميلاد. ويتم، بالمناسبة عبر ربوع الأوراس، استحضار عادات وتقاليد توارثتها العائلات عن الأجداد، وبقيت محافظة عليها إلى يومنا هذا. ويكون الاحتفال بهذه المناسبة تفاؤلا بسنة خصبة حتى ولو اختلفت العادات من منطقة لأخرى، إلا أن المغزى ثابت، وهو الحفاظ على البعد الحضاري الذي تتميز به الجزائر، وتراثها الموغل في التاريخ، لتبقى هذه العادات شاهدة عليه. كما ترمز المناسبة إلى الخصوبة والازدهار؛ بإقامة طقوس خاصة يباشرها سكان المنطقة، حيث يتم في هذه المناسبة، نحر ديك على عتبة المنزل؛ لإبعاد سوء الطالع، وللتفاؤل بالخير، ووفرة المحاصيل. ويُعتقد في بعض المناطق أن من يحتفل بها سيبعد عن نفسه عين السوء، وعواقب الزمن. كما يُعد يناير مناسبة للقيام بطقوس محلية عديدة تختلف باختلاف المناطق.
وأوضحت الكاتبة والشاعرة نادية زردومي من باتنة ومصممة الملابس التقليدية والعصرية، أن المناسبة يحضَّر لها بمنطقة الأوراس بمراسم محلية قبل أسبوع من حلول رأس السنة الأمازيغية. وذكرت أن يناير يقسم إلى قسمين؛ قديم وجديد؛ حيث يحضَّر لهذين اليومين. ويتضمن الاحتفال بهما عادات متميزة جدا تميز المناسبة، ففي اليوم الأول يتم إعداد طبق يسمى بالشاوية "ثاروايث"، وتسنَد مهمة إعداده لسيدة كبيرة في السن في العائلة. ويتكون من الطماطم والبصل وغيرهما من مستلزمات لتحضير مرقه، قبل أن تضاف إليه كمية من مادة الدقيق، ويتحول إلى عصيدة. وعند تقديمه على مائدة الطعام تضاف إليه كمية من السمن أو الدهان.
وعلى خلاف النهار، يتم إحضار طبق الكسكسي خلال الفترة الليلية. ومن الأسر من تحبّذ بدله الشخشوخة. وتضيف السيدة نادية: "إن النسوة يكن في ذلك اليوم، منشغلات بتنظيف المنازل. وعند الظهيرة يخرجن جماعيا رفقة الأبناء من مختلف الأعمار، باتجاه البساتين والغابات والمناطق الجبلية المجاورة، لإحضار أنواع الأعشاب الخضراء التي تنبئ بعام فلاحي ناجح. كما يتم، بالمناسبة، تغيير الأثاث المنزلي. ويرمى رماد الموقد، واثنان من أحجاره "إينين"، ويبقى الأيمن فقط"، والذي يُترك، حسب محدثة "المساء"، تبركا به، ليضاف الجديد على مكتسباتهم القديمة. وحسبها، يتم إحضار حجرات صغيرة بعدد أبناء العائلة، تطلَى بالسمن، وتوضع على النار حتى تسودّ؛ تحسبا لزواج أحد أفراد العائلة حاضرا أو مستقبلا غير بعيد، حسب درجة اسوداد الحجر. وفي تلك الخرجة الاستجمامية حيث يقوم كل شخص بتقليب سبعة أحجار، ينظر أسفلها، فإن وُجد نمل فهذا يدل على تكاثر عدد الماشية من ماعز وغنم. أما إذا وُجدت حشرات فيعني الأحفاد، والديدان تعني العرائس، وأما إذا وُجدت حفرة صغيرة فهذا يدل على مخازن المؤونة والمال.
كما تتعاون النسوة لإنهاء النسيج القائم قبل دخول السنة الجديدة؛ درءا لأي نذير شؤم. وبهذه المناسبة تخصص للأطفال أساور من صوف، تقدم لهم لضمان نشأتهم في حيوية مع الرغبة في العمل. كما يتم غزل الصوف، ويوضع مواضع الألم في المفاصل. ويسود الاعتقاد أنه مزيل للضرر، فإن وُضع في اليد فإن الطفل سينال حظا وافرا من العلم. كما تتزين النسوة بالسواك والكحل، ويرتدين أجمل ما لديهن من لباس وحلي.
ويتجلى نشاط النسوة في النهوض باكرا في رأس السنة الأمازيغية، لإعداد طبق "الشرشم"، وهو مادة القمح التي تغلَّى في ماء ساخن، تضاف إليها حبات الحمص "اطنينت" والخليع. وهناك من يضيف إليها الذرة المجففة. ويوزع على الجيران. ويقال: "كل شرشومة فرعون"؛ لتذكيرهم بانتصارات الملك الأمازيغي شوشناق على الفراعنة، والذي انطلق منه التقويم الأمازيغي. ولم تُخف محدثتنا في ختام حديثها عن رأس السنة الأمازيغية، قلقها إزاء هذه الاحتفالات، التي فقدت بريقها بالمدن الكبرى، ولم يعد الاهتمام بالمناسبة، بالطرق والصيغ التي تعتمدها العائلات الأوراسية في عمق الريف الأوراسي، الذي لايزال محافظا ومتمسكا بتقاليده وإرثه الحضاري الجزائري المحض، لتأكيد انتمائه العريق.
رئيس منظمة البيئة و المواطنة سمير بوراس: "أمنزون ينّاير"...تصالح مع الهوية
أكد رئيس المكتب الولائي للمنظمة الجزائرية للبيئة والمواطنة سمير بوراس، على أهمية إحياء الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية، التي تُعرف بطقوس موروثة، كانت تحتل اجتماعيا مكانتها المقدسة في تقاليد المجتمع الجزائري العريقة، للحفاظ على التراث الأمازيغي، وتثمين قيمة الاحتفال بـ "يانير" بعيدا عن التهريج الفلكلوري، ملحّا على أهمية الحرص على تنظيم ندوات علمية، تبحث في تاريخ الثقافة الأمازيغية، وراهنها.
وفي تقدير محدثنا، فإن من بين الوسائل التي يراها فعالة لإحياء احتفالات رأس السنة الأمازيغية، تنظيم ندوات علمية، وتشجيع المبادرات الجادة التي تسعى في مضامينها، لترقية اللغة الأمازيغية، فضلا عن الاحتفال بالمناسبة. ونوّه، في السياق، بالجهود المبذولة لتطوير اللغة الأمازيغية، والنابعة عن إرادة سياسية، مضيفا أن الأمازيغية هي مكسب إضافي، من شأنه تعزيز الوحدة الوطنية.
وثمّن، من جهة أخرى، الجهود المبذولة لترقية اللغة الأمازيغية، التي تُعد مِلكا لكل الجزائريين، موضحا أن الاحتفال بيناير يمثل "تصالحا مع الهوية، واسترجاعا لمقوماتنا التراثية. ويشكل لبنة أخرى للتقارب والوحدة بين أفراد الشعب الجزائري". وحسبه، فقد جاء ذلك تكريسا لمجهودات جبارة، أزاحت الغموض بعيدا عن التأويلات السياسية. وأضاف السيد بوراس، أن هذا القرار تبعه ارتياح شعبي، يعزّز، بحسبه، اللحمة الوطنية، ويؤرخ لمرحلة أخرى للتصالح مع الهوية والمقومات الثقافية التي يزخر بها وطننا.
وعن الدلالات المتعلقة بالتظاهرات المقامة، فتهدف، حسبه، بالدرجة الأولى، إلى خلق فضاء يبعث روح التواصل، والحفاظ على الموروث الثقافي الأمازيغي، وتعريف الأجيال الحالية بمدلول السنة الأمازيغية التي تختزل ثقافة لها امتداد في تاريخ شعب سكن أرض تمزغا لقرون خلت، وخلق ديناميكية، وحركة ثقافية، يكون محورها الثقافة والهوية الأمازيغية. وحرص السيد بوراس على أن توظَّف هذه الاحتفالات للتعريف بالموروث الحضاري للجزائر، وتعريفه للأطفال، بعيدا عن توظيفه لأغراض لا تمجد الوحدة ولا تعزز اللحمة الوطنية.
رئيسة جمعية "آن الأوان" كريمة بن حمزة: الاحتفال بـ "ينّاير" اعتزاز بالانتماء
أكدت رئيسة جمعية "آن الأوان" لترقية الفكر كريمة بن حمزة، على أهمية المبادرات الجادة لإحياء الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية، التي تُعرف بطقوس موروثة، كانت تحتل اجتماعيا مكانتها المقدسة في تقاليد المجتمع الجزائري العريقة؛ للحفاظ على التراث الأمازيغي، وتثمين قيمة الاحتفال "بيناير"، بعيدا عن التهريج الفلكلوري. وقالت إن تنظيم ندوات علمية تبحث في تاريخ الثقافة الأمازيغية وراهنها، سيدعم المسعى بدون تعصب، داعية الجمعيات الثقافية إلى العمل على تجسيد أهداف قيامها، وتنويع أنشطتها الهادفة.
وفي تقدير السيدة بن حمزة فإن من بين الوسائل التي تراها فعالة لإحياء احتفالات رأس السنة الأمازيغية، تنظيم ندوات علمية، وتشجيع المبادرات الجادة، التي تسعى في مضامينها، لترقية اللغة الأمازيغية، فضلا عن الاحتفال بالمناسبة. ونوّهت، في السياق، بالجهود المبذولة لتطوير اللغة الأمازيغية، والنابعة عن إرادة سياسية، مضيفا أن الأمازيغية هي مكسب إضافي، من شأنه تعزيز الوحدة الوطنية. كما ركزت في تصوراتها، على الاهتمام أكثر بالعمل الجماعي، وتوسيع استعمالها في المحيط الجامعي، إلى جانب توسيع دائرة استعمالها في منظومة الاتصال الوطنية؛ من خلال الإذاعة الوطنية على وجه الخصوص، ودعم فتح مخابر ومعاهد وطنية للتكفل بتمازيغت بكل متغيراتها. وجددت دعوتها إلى تجسيد بعدها الوطني، كما هو منصوص عليه في الدستور.
وبخصوص المشاكل التي تعترض اللغة الأمازيغية، أكدت المتحدثة على ضرورة اعتماد مناهج تربوية، وخلق أكاديمية للغة الأمازيغية لمعالجة النقائص التي لها علاقة بأساليب الترجمة والاقتباس في الأمازيغية، وأساليب الترجمة والاقتباس. ولم تفوّت محدثتنا الفرصة لترفع نداء إلى كل الضمائر الحية، لاحتضان وحماية هذا الموروث؛ عبر تلقين وحقن البناء بجرعات التاريخ والثقافة، وتنشيط اللسان حتى لا تبقى اللغة حبيسة الكتب ووسائل الإعلام. وخلصت السيدة بن حمزة على ضرورة معالجة النقائص، وتعزيز التأطير البيداغوجي بعدما تم ترسيم الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، عطلة مدفوعة الأجر، مع اعتمادها عيدا وطنيا لكل الجزائريين، مضيفة أن المغزى من الاحتفال بـ "يناير"، هو البحث في التراث الأمازيغي، والذي يخلّد انتصارات، تبقى في الموروث الحضاري للأمازيغ عبر العصور.
أخصائيون يثمّنون: "أمنزو ن ينّاير"... عنوان لخصوبة أرض الجزائر
أجمع مختصون وباحثون في التراث الأمازيغي على أن الاحتفالات الخاصة هذه السنة برأس السنة الأمازيغية الجديدة (أمنزو ن ينـاير) 2973، أضحت مكسبا مهمّا بعد ترسيم اللغة الأمازيغية؛ يعزز البحث في الرصيد الحضاري الأمازيغي للجزائر بتنوعه وثرائه، فضلا عن قرار اعتماد 12 جانفي المصادف لبدء التقويم الأمازيغي، عطلة مدفوعة الأجر. وبحسبهم، فإن الارتباط بالمناسبة يُعد حنينا للماضي؛ للبحث في عادات وتقاليد تحييها الأسر الجزائرية سنويا عبر مختلف ربوع الوطن؛ إذ تُعتبر في مضامينها، مَثلا وصورا للتفاؤل بسنة خصبة حتى ولو اختلفت العادات من منطقة لأخرى، إلا أن المغزى الثابت هو الحفاظ على البعد الحضاري الذي تتميز به الجزائر، وتراثها الموغل في التاريخ.
وشكلت الاحتفالات بالمناسبة، هذه السنة، حدثا على وقع المكتسبات التي عززت تواجد اللغة الأمازيغية، وترقيتها، وفق برنامج شامل لخصوصيات الحضارة الأمازيغية، والمدرسة الجزائرية، والهوية الوطنية بين الأصالة والمعاصرة؛ للتعريف بالبعد الثقافي الأمازيغي بكل تنوعه، وكل ما له علاقة بالتاريخ، والحضارة، والثقافة الأمازيغية. وإلى جانب ذلك، تم تثمين الجهود المبذولة من أجل تعميم اللغة الأمازيغية في مختلف المؤسسات التربوية عبر الوطن؛ كونها تصب في مسار تطويرها، والمحافظة على هذا التراث الثقافي الوطني، وتوسيع دائرة الاهتمام.
الشاعرة نادية زردومي: الأمازيغية قيمة مضافة عزّزت اللحمة الوطنية
قالت الشاعرة والكاتبة ومصممة الأزياء التقليدية والعصرية نادية زردومي، إن الاحتفال بينّاير يحمل من الدلالات ما يؤرخ لحضارة أمة بامتداد جذورها اللغوية. وفي نظرها، فإن الحرص على تنظيم ندوات علمية تبحث في تاريخ الثقافة الأمازيغية وواقعها مع استشراف مستقبلها والاعتماد على المشاريع العلمية، مهم لإبراز خصوصيات الثقافية الأمازيغية. واستطردت: "الأمازيغ الأحرار كانوا يحيون المناسبة قبل 950 سنة من ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام، واعتمدوها كمرجع للتقويم". وعن مظاهر الاحتفال بالمناسبة أضافت: "إن الأوراس الكبير يشكل نوعا من مظاهرها بكل الطقوس التي تميزه؛ إذ تعبّر في مضامينها عن التفاؤل بسنة خصبة حتى ولو اختلفت العادات من منطقة لأخرى، إلا أن المغزى يظل ثابتا"، بحسب المتحدثة، التي أوضحت أن الغاية من وراء ذلك، هي "الحفاظ على البعد الحضاري الذي تتميز به الجزائر، وتراثها الموغل في التاريخ".