سينمائيون يتحدثون عن مشروع فيلم "الأمير عبد القادر":
توخي التفاصيل التاريخية والابتعاد عن البهرجة الهوليوودية
- 841
أبدى بعض السينمائيين الجزائريين تصورهم للأفلام التاريخية، بالتالي قدموا مقترحاتهم التي يجب الالتفات إليها، حين تجسيد مشروع فيلم "الأمير عبد القادر"، واتفق جميعهم على أن مثل هذه الأفلام هي أكثر صعوبة وتكلفة، كما أكد بعضهم أن فيلما واحدا عن الأمير لا يكفي.
رشيد بن علال: الفيلم التاريخي يعتمد على التفاصيل
ذكر السينمائي المعروف رشيد بن علال، أن الفيلم التاريخي من أصعب الأفلام، بالتالي لا بد من الحذر حين تجسيد فيلم "الأمير عبد القادر"، الذي يعد شخصية وطنية وعالمية بارزة لا يجب تقديمها أقل مما تستحقه، ثم يقول "أتذكر هنا السينمائي الأمريكي المعروف أليفر ستون، الذي اقترح عليه سنة 2000، إخراج فيلم الأمير عبد القادر، فأجاب "هذا تاريخكم وثقافتكم، بالتالي لا أستطيع اقتحام نفسي فيه وتقديمه"، وهذه الإجابة الصواب أثرت في، لأنني مقتنع تماما بها، لأن الأمير لا يقدمه سينمائيا إلا أبناء جلدته". ويضيف بن علال "ما يهمني كسينمائي مجال التركيب، فأحيانا يستعين جيراننا، ومنهم المغاربة، بأجانب لإخراج بعض أفلامهم، وحين التركيب يستدعونني لأنتقي ما يناسبنا كمجتمعات مغاربية، لها خصوصيتها وذوقها، لذلك أحذف الأمور التي تهمهم وتبهرهم ولا تعنينا".
بالنسبة للأفلام التاريخية، أشار المتحدث إلى أنها ذات قيمة وجهد ورؤية وإمكانيات ودراسة وأرشيف مطلوبة كلها في العرض، لذلك وصفها بـ"الأفلام القاسحة والواعرة"، خاصة من حيث البناء الدرامي والديكور وكل السياق العام، وهنا تجب الإشارة إلى أهمية التفاصيل في بناء الفيلم، وإلا يكون مصيره الفشل.قال المتحدث، إن هناك شخصيات تاريخية أنجزت عنها الكثير من الأفلام، منها مثلا، شخصية نابوليون بـ20 فيلما عن حياته، وفي كل مرة يقوم السينمائيون بالغوص في العمق والبحث في الدراسات والأرشيف عن التفاصيل لتوثيقها سينمائيا، فعرض فيلم ما أن نابوليون كان يمس أذنيه ويداعبهما حين رضاه عن عسكري من عساكره، كما كان يلعب بأصبع السبابة والإبهام حين يشبك يديه ليضعهما خلف ظهره، وهي حقائق تاريخية تبدو بسيطة، لكنها مهمة جدا في الفيلم التاريخي، بالتالي على مخرج فيلم الأمير الالتفات إليها، وفي هذا المنحى، يقول "للفيلم التاريخي أهميته وصعوبته وأهمية التفاصيل، وإلا سقط في البحر".
وأضاف "أذكر أن فيلم أحمد راشدي ‘العفيون والعصا’، ورغم قصته التاريخية الرائعة وأحداثه، فإن لقطة واحدة قضت على كل ذلك، وهي حين سقوط علي الشهيد (سيد علي كويرات) قامت أخته (الممثلة الفرنسية) بالارتماء عليه والبكاء، لكن بدت جزمتها العصرية الأنيقة تحت جبتها، وهذا مخالف لواقع المرأة القبائلية حينها، وكذلك الحال مع فيلم ‘ديسمبر’ لحامينا، الذي لم تظهر مظاهرات 11 ديسمبر 1961 في فيلمه، بل راح يقدم أحد جنرالات فرنسا في صورة إنسانية، وهو أمر مقزز وذو نظرة كولونيالية". عموما، يرى بن علال أن الفيلم التاريخي لا تصنعه الإمكانيات ولا الميزانيات ولا التقنيين ولا حتى السينمائيين، بل ما يهم، حسبه، هو المحتوى والإحساس العالي بموضوع الفيلم، وإلا كان الفيلم مجرد سرد جاف ومعارك تشبه ما عرض في أفلام أخرى.
المخرج رابح سليماني: المطلوب رؤية وليس بهرجة هوليوودية
قال المخرج رابح سليماني، إن الفيلم التاريخي مثل فيلم الأمير، يرصد السيرة الذاتية لشخصيات تاريخية، موضحا أن فيلما واحدا لا يكفي عن الأمير، كونه شخصية متعددة الأبعاد والمجالات، فحياته كانت ثرية ولا يكفيها ألف فيلم، وفيلم الأمير كمثل فيلم عمر المختار أو شيغيفارا أو غيرها، لا بد أن يحمل رؤية خاصة للمخرج والكاتب المختص في التاريخ، ويوضح "الفيلم لابد له أن يحمل رؤية، ولا يعتمد فقط على الإمكانيات الضخمة والطريقة الهوليوودية في العرض، وبالنسبة لي، فالأمير أيقونة الجزائر، بالتالي يجب التركيز عليه من خلال رؤية جزائرية، على اعتبار أنه جزء من تاريخنا وذاتيتنا وهويتنا الوطنية".
المخرج علي فاتح عيادي: فيلم واحد لا يكفي
يرى المخرج المعروف علي فاتح عيادي، أن فيلما واحدا عن الأمير لا يكفي، لأن الأمير كان رجلا حاضرا في كل محفل وميدان، فهو الفارس المحارب والفيلسوف والشاعر والصوفي والاستراتيجي صاحب الذكاء الخارق، وهو قبل كل ذلك، مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة. يقول المخرج عيادي "على فيلم الأمير أن يلتزم بالحقيقة التاريخية حتى العمق، لأن ذلك سيكون مهما للأجيال القادمة، ويبقى أملي أن يهتم شعبنا وأجيالنا بهذا التاريخ الوطني الزاخر، وتتبناه، وهذا لب القضية والمهمة، وأذكر هنا أنني أنجزي 5 أفلام وثائقية طويلة عن الأمير، وأفتخر بهذا، ونتمنى أن يكون الأمير حاضرا بقوة في فيلمه الجديد".
المخرج مرزاق علواش: أخاف من الأفلام التاريخية
أشار المخرج المعروف مرزاق علواش خلال حديثه لـ"المساء"، إلى أنه يخاف من الأفلام التاريخية، لأنها غالبا ما تكون أفلاما ضخمة وبميزانيات وإمكانيات هائلة، ويضيف "الفيلم التاريخي مثل فيلم الأمير عبد القادر، يتطلب الكثير من ذلك، مثلا، اللباس والخيول والديكورات وغيرها، ونحن على حد علمي، لا نملك الإمكانيات المطلوبة، من ذلك ورشات التصميم والخياطين المختصين والحرفيين الذين يحتاجهم الفيلم".
ويقول علواش "بالتالي اخترت أنا الأفلام الاجتماعية التي ترصد الواقع الجزائري، منذ أن دخلت مجال السينما، وأنزل إلى الشارع للتصوير ولا أزعج أحدا، فأنا أصور الحياة ويومياتها كما هي، ولا أحتاج حتى للشرطة كي تضبط لي المرور، مثلا، وهنا أتذكر حين قدمت "عمر قتلاتو"، أن أحد المسؤولين في قطاع الثقافة قال لي "أنت صورت حومتك"، والحقيقة أنني صورت بلادي الجزائر وسأواصل في هذا المنحى، ولا ألتفت للفيلم التاريخي الذي لا علاقة لي به كسينمائي.
المخرجة والمنتجة فلورا بومية: لابد أن يكون بطل الفيلم جزائريا
تحدثت المخرجة والمنتجة فلورا بومية لـ«المساء". عن أهمية هذا الفيلم. ليس فقط للجزائريين داخل الوطن. وإنما أيضا بالنسبة للجالية في كل مكان. خاصة في أوروبا، وتقول "كوني منتجة سينمائية أقيم في أوروبا. ولي أشرطة وثائقية، أتمنى وأنتظر بفارغ الصبر هذا الفيلم المهم لأي جزائري، وأعتبر أن هذه المهمة ليست على عاتق السينمائيين وحدهم، بل هي أيضا مهمة النخبة الجزائرية، ولكل النخب عبر العالم، كون هذه الشخصية ذات بعد عالمي وإنساني، فقد كان الأمير رجل فكر ومحارب تصدى للمعتدين على بلده وشعبه، بالنسبة لي، لا أرى أهمية كبيرة للتفاصيل، بل أحرص على أن يكون بطل الفيلم جزائريا، علما أن لنا مواهب رائعة، بالتالي لا نحتاج للأجانب، أما إذا تطلب التصوير في دمشق أو باريس أو تركيا مثلا، فلا بأس من الاستعانة بالتقنيين الأجانب، وحتى بالفنانين الذين يجسدون شخصيات عرفها الأمير، وبالنسبة لي، أرى أن جاليتنا بفرنسا لن تتأخر في هذا الشأن".
المخرج أحمد الزير: نتمنى أن لا يفسدوا شخصية الأمير
أشار المخرج الزير أحمد (له 45 فيلما أغلبها متوجة)، إلى أنه ضد أي طريقة هوليوودية يقدم بها فيلم الأمير، علما أن هذه الطريقة، حسبه، لم تعد مطلوبة اليوم في صناعة الأفلام التاريخية، فهي تتطلب الوقت والأموال الطائلة، كما يفضل محدث "المساء"، أن يكون هناك أكثر من فيلم عن الأمير، مثلما يحدث مع شخصيات تاريخية عالمية أخرى، وفضل أيضا اقتراح أسماء سينمائية ثقيلة ومستشارين لإنجاز هذا الفيلم، منها رشيد بن علال ـ مثلا ـ لاعتماد البصمة الجزائرية الخالصة، وتمنى أن لا يتم إفساد هذه الشخصية الرمز لا في الوقائع التاريخية ولا في طريقة التحدث واللباس وغيرها، ناهيك عن معاملته لأعدائه وعلاقته بفرسانه.
أوضح المتحدث أنه سنة 1986، زار الولايات المتحدة وقدم فيلما بعنوان "أمريكا اليوم" "usa to day"، وفيه 25 دقيقة، جانب من هذا الفيلم الوثائقي يتحدث عن الأمير عبد القادر وعن المدينة الأمريكية التي تحمل اسمه، وبين فيه تراث الأمير وقيمه ورمزيته للعالم، وكانت ملصقة الفيلم ناجحة روجت للفيلم، أنجزها أحد تلاميذ المخرج، وهو عبد الصمد حناط.
الربيع حميمي (منتج ومدير العلاقات الدولية في التلفزيون سابقا): الأرشيف أساس لبناء الفيلم
يرى السيد الربيع حميمي، أن السينما لابد لها أن تقوم على الفكر وعلى تصور المخرج، معتبرا أيضا أن الأرشيف مهم للفيلم التاريخي، لإعطائه أكثر مصداقية وحقيقة، مؤكدا أن الأمير عبد القادر يستحق عشرات الأفلام وليس فيلما واحدا. وينبغي، حسب محدث "المساء"، استغلال حياة الأمير لتقديم منها الجانب العاطفي أيضا، وتبيان إنسانيته، زد على ذلك جوانب أخرى مهمة في كل مكان أقام فيه.قال السيد حميمي، إن التلفزيون الجزائري يملك أرشيفا مهما عن الأمير، يجب استثماره، وهنا يذكر مشروع مدير التلفزيون الأسبق الراحل عبد الرحمن لغواطي، الذي كلف مستشاره الصحفي سيد علي بابا اعمر، بالتعاون مع المؤرخ السوري المعروف ظاهر صابوني لكتابة سلسلة وثائقية بـ 20 دقيقة، للحلقة الواحدة عن الأمير، وبالفعل تنقل بابا اعمر إلى دمشق سنة 1979، كي يجمع المادة التاريخية ويحضر للفيلم، وقبلها تحمس الراحل بومدين للمشروع، لكن البيروقراطية قتلت الإبداع.ويقول حميمي "المهم أن يكون الفيلم مهما كان نوعه ومستواه، والمشاهد هو من يحكم، والأهم هو التخلص من البيروقراطية والرسميات وتسلط أطراف لا علاقة لها بالأفلام، أقول اتركوا الناس تعمل أرجوكم، مثلما تركتم حامينا يبدع، فافتك "السعفة الذهبية"، ولا يزال اسمه يذكر إلى اليوم في كل دورة مهرجان "كان".