بعضها أندلسي الأصل وأخرى من المطبخ التركي
"البرانية".."سكران طالع في الدروج" و "تزدام الآغا" على موائد البليديّين

- 1067

تبدع المرأة البليدية في رمضان بتزيين مائدتها بعدد من الأطباق التقليدية الضاربة جذورها في عمق التاريخ، فبعضها يعود لأصول أندلسية، وأخرى خلّف ثقافتها الأتراك حين تواجدوا في الجزائر؛ حيث يُعتبر الشهر الفضيل مناسبة لإعادة تحضيرها، ومنه الحفاظ عليها. وتتخذ هذه الأطباق التقليدية تسميات مختلفة؛ مثل "شريبة المقطّفة"، و"سكران طالع في الدروج"، و"البرانية"، و"شباح السفرة باللوز" الذي يقترب من "الخبز التونسي"، والتي حدثنا عنها المهتم بالتراث البليدي الباحث مصطفى أوراغي، الذي أكد أن "السر في بقاء الأطباق التقليدية على الموائد، هو تمسّك النساء الكبيرات في السن، بتحضيرها".
أرجع الباحث في التراث البليدي الأستاذ مصطفى أوراغي"، سر بقاء عدد من الأطباق التقليدية على موائد العائلات البليدية، إلى تمسّك النساء الكبيرات في السن بتحضير مثل هذه الأطباق، خاصة ما تعلق منها بـ "شوربة المقطفة"، التي لاتزال تحضَّر في المنازل، وتُعد تقليدا لا بد منه على الموائد في رمضان، مشيرا إلى أن أغلب الأطباق التقليدية التي تحضرها المرأة البليدية في رمضان، استُمدت، حسب ما تشير إليه الأبحاث التاريخية، من المطبخ الأندلسي، وأخرى من المطبخ التركي، فيما تبقى بعض الأطباق ذات أصول بليدية. وأوضح المتحدث يقول: "فمثلا، من بين الأطباق التي وُجدت عند العائلات البليدية أذكر طبق (بطاطا فليو)، و(الحمامة)، وطبق (بصل بالطماطم) الذي يتم تحضيره بطرقة خاصة؛ حيث يُقلى ويتبَّل بدون إضافة الماء، ويزيّن مائدة رمضان، بينما الأطباق التي استُمدت من المطبخ التركي، فأذكر، مثلا، طبق (تزدام الآغا في يد الخزناجي)، والذي يحضَّر بأفخاذ الدجاج بمرق أبيض، ثم يرمَّد في البقسماط. وعندما يتم تشريبه بالمرق الأبيض ينتفخ الدجاج فيشبه التزدام.
والطبق الثاني والذي تشتهر به الولاية أيضا، هو (سكران طالع في الدروج)، الذي يتم تحضيره بأوراق الديول التي يتم حشوها باللحم المفروم، على شكل رزمة. ويتم ربطها على شكل وردة، ثم قليها، مع تحضير المرق الأبيض بالتوابل". وحسب المتحدث، فإن السرّ في تسميته بالسكران، أنه عند تحضيره يكون متماسكا، وبمجرد أن يتم قليه وتشريبه بالمرق الأبيض تميل كل واحدة من أوراق الديول على الأخرى، فشُبّه بالسكران، مشيرا إلى أنه من أكثر الأطباق التقليدية المشهورة في ولاية البليدة، والتي لا تغيب عن الموائد في رمضان.
أما في ما يتعلق بالأطباق التي تم أخذها من عند الأندلسيين فيقول الباحث مصطفى: "طبق (البرانية) عبارة عن خبزة تشبه خبزة السفيرية، حيث يتم تحضيرها في المقلاة أو الفرن، وتشرَّب في مرق طبق المدربل". وتعود التسمية، حسبه، إلى أنه في ما مضى وتحديدا في العهد الأندلسي، تم دعوة الداي للإفطار، وتحضير عدد من الأطباق. وعندما سأل عنها قيل: "هذا الطبق تم تحضيره خصيصا "للبراني"؛ أي الأجنبي، ومن هنا أخذت تسميتها"، مشيرا في السياق، إلى أن الأطباق التقليدية على مستوى ولاية البليدة، لاتزال تحضَّر خاصة في بعض المناسبات؛ مثل شهر رمضان المبارك؛ إذ تحرص عليها النساء الكبيرات في السن، واللواتي قمن بتعليم كنائنهن اللواتي سكنّ معهن، الأمر الذي ضمن الحفاظ عليها. أما النساء اللواتي ابتعدن عن الكبيرات، فضيعن أغلب الوصفات الخاصة بالأطباق التقليدية.
وردّا على سؤال "المساء" حول أهم الأطباق التقليدية التي تسير نحو الاندثار ولم تعد تحضَّر في بيوت العائلات البليدية وتحديدا في شهر رمضان الفضيل، أشار الباحث في التراث إلى طبق "تزدام الآغا في يد الخزناجي"، وكذا طبق "فول براطل"، الذي يحضَّر على شكل شطيطحة، ويُعَد من قشور الفول الصغير جدا، مرجعا السبب إلى أن سكان الجبال لم يعودوا يهتمون بمثل هذا النوع من المزروعات، كما إن الطبخ العصري تغلّب على الطبخ التقليدي.