رئيس الجمهورية أكد أنها قضية أمن قومي
الرقمنة.. سلاح الجزائر الجديدة في الحرب على الفساد
- 1422
استأثر ملف الرقمنة باهتمام اجتماع مجلس الوزراء الذي ترأسه، أول أمس، رئيس الجمهورية في ثاني اجتماع مع الطاقم الحكومي بعد التعديل الجزئي الذي طال بعضا من أعضائه، حيث شدّد على ضرورة تجسيد مشروع الرقمنة في مصالح أملاك الدولة والضرائب والجمارك في غضون 6 أشهر على أقصى تقدير كمرحلة أولى قبل الرقمنة الشاملة.
بدأ تركيز الرئيس تبون على الرقمنة من خلال التوجيهات التي أسداها للطاقم الحكومي، باعتبار هذا الملف قضية أمن قومي ومرتبط بخدمة مصالح المواطن، وذلك في سياق تفادي الاختلالات وأخطاء التجارب الماضية التي كرّستها الممارسات غير المسؤولة وما انجر عنها من فساد وتلاعب بالمال العام.
فبالنسبة لرئيس الجمهورية فان موضوع الرقمنة لا يقتصر في أن يكون مجرد تحديث وعصرنة المعاملات الإدارية التي تعتبر تحصيل حاصل في هذا المجال، بل بإجراء تحديد دقيق لأملاك الدولة وأملاك الأفراد.
وتنبع رؤية الرئيس تبون انطلاقا من قناعته بضرورة إرساء ركائز أخلقة السياسة والحياة العامة وتعزيز الحكم الراشد، حيث تلعب الرقمنة في هذا المجال دورا هاما، لأن التقنين والرقابة لا يكون مفيدا إذا لم يكن التحوّل الرقمي قاعدتهما الأساسية، كما أن الحرب ضد الفساد والمحسوبية والمحاباة لا تتقوى إذا افتقدت سلاح الرقمنة.
ليست هذه المرة الأولى التي يحرص فيها رئيس الجمهورية على الرقمنة، بل إنه ركز على هذا الملف منذ انتخابه رئيسا للبلاد، حيث لا يفتأ أن يذكّر المسؤولين سواء في اجتماعات مجلس الوزراء أو لقاءات الحكومة والولاة على إيلاء الاهمية لهذا الملف الحيوي ، حيث أشار في آخر لقاء مع الصحافة شهر فيفري الماضي إلى أنه منذ 3 سنوات وهو ينادي مع أجل رقمنة حقيقية، كونها تساعد على رصد المشاكل وحلها، لأن هناك تصرفات تظهر أحيانا كأنها تسلط.
كما يبرز هذا الاهتمام حرص رئيس الجمهورية على أن يتضمن قانون المالية 2023 هدف تجسيد رقمنة شاملة لكل القطاعات خلال السنة القادمة، حتى تكون مؤشرات التسيير والتجهيز دقيقة، تتجاوب والتنمية الوطنية، فضلا عن الإسراع في رقمنة القطاع الضريبي والممتلكات الخاصة بالأفراد، في كل المجالات لإحصاء الثروة بدل اعتماد سياسة ضريبية تستهدف صغار الموظفين والعمال فقط مع مباشرة عملية إحصائية دقيقة، للمقومات المالية والمادية بكل أشكالها في السوق الموازية.
فقد تحوّلت الرقمنة إلى ملف استراتيجي يتمسك به رئيس الدولة شخصيا، ويتابعه بدقة واهتمام شديد، فالى جانب استحداث وزارة قائمة بذاتها “الرقمنة والإحصائيات”، فإن الرئيس تبون وجه تعليمات لاستحداث المحافظة السامية للرقمنة، تكون إطارا للاقتراح والتحليل والاستشراف لتنفيذ سياسات الرقمنة ومتابعتها في كل القطاعات والمجالات من دون استثناء.
فضلا عن ذلك، فإن تأسيس بنك معلومات جزائري "بشكل فوري ومستعجل" من قبل وزارة المالية يندرج ضمن الاولويات التي يحرص رئيس الجمهورية على تجسيدها، من منطلق أنه يسهل ممارسة مهام مختلف مصالح الدولة لأداء واجبها تجاه مواطنيها “بأمثل وأنجع أسلوب”، موكلا مهمة تحقيق هذا الهدف “الحيوي بالنسبة للدولة” لأحسن الخبراء والكفاءات الوطنية ومكاتب الدراسات دوليا.
من جهة أخرى، يهدف قرار رئيس الجمهورية بفتح رأس مال البنوك العمومية بصفة دقيقة ومدروسة في سياق اهتمامه بالحوكمة المصرفية التي باتت مطلبا سياسيا واقتصاديا في الجزائر، من أجل إرساء إطار متكامل في هذا المجال على مستوى المؤسسات المالية والمصرفية، وتفادي فضائح بنك خليفة والبنك التجاري الصناعي (بيسيا) المتورطين في قضايا فساد .
وعليه فقد شدد على مبدأ الشفافية لمباشرة الإصلاح المالي ومسايرة التحوّلات العالمية في هذا القطاع الذي يعد ركيزة الاقتصاد الوطني، من خلال تغيير نمط التسيير القديم المرتكز حاليا على الإدارة بدل النجاعة الاقتصادية. ويطال هذا القرار أيضا البنوك الجزائرية في الخارج مع استكمال كل الإجراءات، ضمن مقاربة اقتصادية جديدة وفعالة، مع التأكيد على استدراك تأخر إطلاق بنك الإسكان، وذلك بتقليص الآجال المقررة لدخوله حيز الخدمة.
كما أمر رئيس الجمهورية بخصوص كيفية منح العقار الاقتصادي التابع للأملاك الخاصة للدولة الموجه للمشاريع الاستثمارية بالتحضير لمشروع ثلاثة مراسيم رئاسية تنظم توزيع العقار الاقتصادي والسياحي والحضري، على أن يكون إنشاء وتنظيم وتسيير المناطق الصناعية ضمن رؤية جديدة، مستقطبة للاستثمار بما فيها الاستثمارات الخاصة.
كما حرص على أن يتم التمييز بين الاستثمارات الاقتصادية والسياحية والحضرية التي تسيرها الوكالات العقارية كلا على حدة، تكريسا للشفافية وتحقيقا للنجاعة الاقتصادية.