"شباح السفرة" زينة موائد القسنطينيّين
طبق اختُلفت تسميته واتفق المتذوّقون على لذته

- 1185

تستقبل العائلات القسنطينية شهر رمضان بأطباق مميزة وشهيرة، يتم إعدادها سواء في بداية الشهر الفضيل، وفي ليلة منتصف الشهر، أو في ليلة القدر التي تُفتح فيها أبواب السماء، وتُستجاب فيها الدعوات. ومن بين أهم الأطباق التي تزيّن موائد سكان عاصمة الشرق في هذا الشهر الفضيل، يوجد على رأس القائمة طبق "شباح السفرة"، الذي تجيده ربات البيوت بشكل فريد من نوعه، والذي بات من تراث المدينة.
ويحضَّر الطبق الذي يدخل ضمن الأطباق الحلوة، أساسا، من اللوز، الذي يتم طحنه إلى أن يصبح ناعما، وتحضيره في شكل عجينة متماسكة؛ من خلال إضافة صفار البيض والسكر. ويتم سقيها بماء الورد، ودهنها ببياض البيض، ثم قليها في الزيت على أشكال، أبرزها الهلال، والنجمة والقلب، وكذا المثلث. ويطلَق عليها محليا بالعنبرة؛ إذ يتم تحضيرها يدويا أو عن طريق قوالب خاصة. أما المرق فيحضَّر انطلاقا من لحم الخروف، الذي يضاف له بعض التوابل، مع التأكيد على عود القرفة، وقليل من السكر.
ويقدَّم "شباح السفرة" كطبق تحلية في أغلب المناسبات؛ حيث يكون عادة في الترتيب، الطبق الأخير، بعدما يتم تقديم طبق "الجاري فريك" أو "شربة الفريك"، ثم طبق اللحم؛ على غرار طاجين الشواء، أو "رولي" الدجاج واللحم، أو طبق "الكفتة"، ثم طبق العجين، والذي يكون عادة شخشوخة أو كسكسي، ويطلق عليه اسم طبق "المحور"، الذي يكون بمرق أبيض. وفي الأخير يقدم طبق "شباح السفرة".
ويختلف أهل قسنطينة في أصل تسمية هذا الطبق؛ إذ يرجعه البعض إلى العهد العثماني، ويقولون بأن عشية باية ابنة حاكم قسنطينة صالح الباي، هي التي أبدعت في تحضير هذا الطبق؛ إذ كانت مولعة بصناعة الحلويات والطبخ، فقد كانت من عشاق المطبخ أو ما كان يُعرف وقتها ببيت النوال. وتقول الروايات إنها حضّرت الطبق، وزينت به المائدة، فأثار إعجاب والدها الباي، الذي أثنى عليها، وشكرها باللهجة العامية عندما قال لها: "شبحتي السفرة"، ومن ذلك، حسب أقوال هذا الرأي، جاءت تسمية "شباح السفرة"؛ أي تزيَّن المائدة بهذا الطبق الحلو واللذيذ.
أما طرف آخر فيرى أن طبق "شباح السفرة" القسنطيني هو أندلسي الأصل، خاصة مع اشتهار المطبخ الأندلسي في تقديم الأطباق اللذيذة، وهو يشبه كثيرا طبق "طاجين السلطان"، الذي بات غير معروف عند الكثيرين في مدينة قسنطينة، والذي استبدله البعض باسم "طاجين الباي". كما يعتبرون أن كل الأطباق ذات المرق الحلو هي أطباق أندلسية؛ على غرار "طاجين السفرجل"، و«البرانيات" (نسبة لبوران بنت الحسن زوجة الخليفة المأمون ابن هارون الرشيد). كما يرون أن الكثير من الأطباق الأندلسية في قسنطينة، تم تغيير تسميتها من طرف العثمانيين؛ على غرار "حلوى الجوزية" التي يعتبرونها حلوى أندلسية، وكانت تُعرف باسم خبز المكسرات، وكذا "حلوى الشامية" التي غيروا اسمها ليصبح "حلوة الترك".
كما يرى البعض الآخر أن هذا الرأي يدخل ضمن التأصيل الشعبي المتداول لدى العامة وليس له ما يسنده علميا؛ حيث يرى الاتجاه الآخر وعلى رأسهم المهتم باللسانيات، الأستاذ رشيد فيلالي أن المتمعن في تسمية هذا الطبق يلاحظ أن عبارة "شباح السفرة" أصلها "جِباح" بكسر الجيم وفتح الباء، وهو بيت النحل الذي تضع فيه عسلها، مضيفا أن العامة تُسكن الحرف الأول (الجيم) تجنبا للثقل، ومع مرور الزمن صارت الكلمة "شباح"، معتبرا أن كلمة "الصفرة" هي وصف للكلمة الأولى، فأصلها يعود إلى لون هذه الأكلة القريب من صفرة الذهب والعسل؛ وعليه، يردف، فإن هذا الطبق سُمي في الأصل "جباح الصفرة" وليس "شباح السفرة"، موضحا أن التسمية الثانية ترسخت الآن وشاعت.