محمد معوش يتحدث عن فريق جبهة التحرير الوطني:

لم نقم سوى بواجبنا لتحرير الوطن من الهمجية الاستعمارية

لم نقم سوى بواجبنا لتحرير الوطن من الهمجية الاستعمارية
محمد معوش لاعب فريق جبهة التحرير الوطني
  • 481
ع . اسماعيل ع . اسماعيل

يشهد تاريخ فريق جبهة التحرير الوطني أن محمد معوش، كان من بين اللاعبين الأوائل الذين اتصلت بهم مسؤولو فيدرالية فرنسا للجبهة، لكن الحظ لم يسعفه ليكون من الأوائل الملتحقين بتونس، كتب له الله أن يكون من بين آخر الملتحقين بالفريق في تونس سنة 1961.

معوش لم يتردد في تلبية نداء الجبهة، التي اختارته ليكون ضمن النواة الأولى لهذا الفريق، حيث تجاوب مع هذه الفكرة بكل حماس، بل ساهم بصفة شخصية في ربط الاتصال مع بعض إخوانه اللاعبين، الذين كانوا يصنعون أفراح البطولة الاحترافية في خمسينيات القرن الماضي، ونسق في هذه العملية مع كل مختار لعريبي وعبد الحميد كرمالي وحسان شابري، هذا الأخير كان يساعد اللاعبين الهاربين الجزائريين لعبور الحدود الفرنسية - السويسرية، وكلفه ذلك غاليا، بعد أن أوقفته السلطات الأمنية في الحدود وهو متلبس بما كان يقوم به، بعد مصادرة جواز سفره الذي حمل كل تواريخ عبوره الحدود الفرنسية - السويسرية.

السلطات الفرنسية اعتبرت ملفه أسودا، بعدما وقفت على دوره، حيث أحيل إلى المحكمة التي قضت بسجنه لمدة سنتين، جزء منها قضاها بفرنسا، والجزء الآخر بسجن مدينة سكيكدة.

من جهته، ساهم محمد معوش في تسهيل هروب المجموعتين الأولى والثانية إلى تونس، والتي كانت تشكل محطة الوصول النهائي عبر العاصمة الإيطالية روما.. وكان معوش على أهبة الاستعداد للهروب إلى العاصمة التونسية ضمن الفوج الثالث من اللاعبين الفارين، ضم في صفوفه أبرز مدافع في البطولة الفرنسية لتلك الفترة، ويتعلق الأمر بمصطفى زيتوني، الذي رفض المشاركة مع منتخب فرنسا في نهائيات كأس العالم 1958، التي احتضنتها السويد، وفضل تلبية نداء جبهة التحرير الوطني، شأنه شأن زميليه الجزائريين رشيد مخلوفي وعبد العزيز بن تيفور. في ذات يوم رد، عبر محمد معوش الحدود الفرنسية - السويسرية على متن القطار، ونزل في محطة القطار لمدينة لوزان، حيث كان موعد التقائه مع باقي أفراد المجموعة الثالثة، لكن وقع سوء تفاهم على توقيت اللقاء. معوش انتظر مطولا بمكان تواجده في المحطة دون أن يرى وصول زملائه، لم يكن بوسع معوش مواصلة سفره بمفرده نحو روما، لغياب أي اتصال، لا مع مجموعته ولا مع أي عضو من جبهة التحرير.

ظهر بعد فترة زمنية، أن سوء تفاهم عن موعد اللقاء وقع بين محمد معوش وبقية أفراد المجموعة الثالثة ، فقرر هذا الأخير العودة إلى فرنسا، وقتها كان البوليس الفرنسي قد تفطن لهروبه ونشرت صوره على صفحات الجرائد، وبمجرد وصوله إلى محطة القطاع لمدينة ليون، وجد نفسه محاطا بالشرطة الفرنسية التي تعرفت عليه بسرعة وقادته مباشرة إلى مخفر الشرطة، حيث تعرض للاستنطاق حول هروبه من فرنسا، وحول الأسباب التي جعلته يعود بسرعة من سويسرا.

أدخل محمد معوش السجن العسكري لانتمائه إلى فيلق جوان فيل، الذي كان يؤدي فيه الخدمة العسكرية، فأصبح مهددا بالوقوف أمام المحاكمة العسكرية، وبما أن ماعوش كان يعد من بين أحسن اللاعبين في نادي ريمس، تدخل مسيرو هذا الأخير، وتمكنوا بعد المساعي الحثيثة لدى السلطات العسكرية من إخراجه من السجن، مع تقديمات ضمانات للسلطة العسكرية، بعدم تكرار هروبه إلى تونس.

عاد معوش إلى نشاطه الرياضي، وظل هاجس الالتحاق بفريق جبهة التحرير يطارده، بالرغم من الرقابة البوليسية التي فرضت على كل تحركاته، سواء في النادي أو خارج نشاطه الرياضي.مرت سنتين على محاولة فراره إلى تونس، قضاهما في ترقب تلقيه اتصالات أخرى من فيدرالية فرنسا لجبهة التحرير، إلى أن قررت هذه الأخيرة في 1961، تحضير عملية ثالثة لالتحاق لاعبين آخرين، حيث ربطت معه الاتصال رفقة كل من سعيد عمارة وعبد الكريم كروم والإخوة بوشاش، وبوريشة ومقران وليكان، حيث تمكنت هذه المجموعة من مغادرة فرنسا في سرية تامة، بعد عمل مضبوط ومنظم من قبل فيدرالية فرنسا للجبهة، التي أحاطت هذه السفرية بكل الاحتياطات اللازمة، وبذلك تفادت تفطن البوليس الفرنسي الذي لم يكن يعلم بهذه العملية، في حين أن معوش سافر بصفة سرية عبر الحدود الفرنسية-السويسرية، رفقة زوجته التي كانت مناضلة في صفوف فيدرالية فرنسا لجبهة التحرير.

وفي لقاء جمعنا به ببن عكنون، قال محمد معوش "انضمامي إلى فريق جبهة التحرير الوطني لا زال يشكل إلى حد الآن، أبرز فترة في حياتي الرياضية. اللاعبون المحترفون الذين كانوا ينشطون في البطولة الفرنسية آنذاك، ضحوا كثيرا من أجل الوقوف إلى جانب الثورة والمساهمة بكل جوارحهم وأنفاسهم في النضال، الرامي إلى طرد المستعمر من أراضينا. لكن مهما بلغت تضحياتنا من أجل تحرير الوطن، فإننا لم نقوم سوى بواجبنا ، شأننا شأن كل الجزائريين الذين شاركوا في الثورة المباركة. كل اللاعبين الذين شكلوا فريق جبهة التحرير الوطني لا زالوا في مخيلتي، وأجد نفسي أتذكرهم دوما واحدا بواحد، سواء الأحياء منهم أو الأموات، وأن إنشاء مؤسسة فريق جبهة التحرير الوطني يرمي بالدرجة الأولى إلى تخليد تضحياتنا لأجل تحرير الوطن من الهمجية الاستعمارية. اليوم لم يبق من أعضاء هذا الفريق سوى ثلاثة هم؛ المتحدث ورشيد مخلوفي ودفنون المتواجدين حاليا في فرنسا".