من المخابر "المحرمة" إلى أفواه أطفال المدراس
"الكريستالة".. "المرقازة".. "دوبل سينيشاتور" و"الطاكسي"... ترسانة دمار تفتك بالشباب
- 12091
تحولت مصيبة المخدرات خلال السنوات الأخيرة، من ظاهرة إلى آفة تنهش عقول وأجساد الشباب لتمتد إلى تلاميذ المدارس مدمرة بذلك براءة الصغار، فبعد أن كان حديث الأطفال لوقت غير بعيد عن المسلسلات الكرتونية على غرار "رامي"، "باربي" و"سبيدرمان"، أضحت الألسنة تتحدث عن "المرقازة" و"الكريستالة"، وهما نوعان من المهلوسات أو ما يعرف وسط متعاطي هذه السموم بـ"الصاروخ" الذي هو في الأصل دواء مخصص للمصابين بالأمراض العقلية والمعروف بـ"ليريكا"، كما اصطلح على تسمية هذا الطاعون بعدة تسميات على غرار "الطاكسي"، و"دوبل سينياتور" توصيفا لتعددها ودرجة خطورتها والتي شاعت مؤخرا، وما زاد من خطورتها كونها مجهولة المكونات، يدمج فيها المروجون أكثر من 3 أدوية مجهولة المصدر في كبسولة واحدة وكذا و"الحلوى"، وهي أسماء لأنواع مختلفة من السموم تمكنت من عقول البراءة وهو ما استدعى دق ناقوس الخطر بقوة، وتأهب الجميع للتصدي لها بيد من حديد بداية من الأسرة التي يتوجب عليها القيام بدورها التربوي والتوعوي على أكمل وجه، وكذا المدارس والمساجد ومختلف الهيئات والتنظيمات.
جالت "المساء" في سياق البحث عن خبايا هذا العالم الرهيب عدة أحياء شعبية بالعاصمة توصف بـ"السوداء”، أين تحدثت إلى عدد من الشباب بقلب مفتوح حول معترك الصراع مع هذه الآفة في محاولة للخروج منها واستعادة حرية أسرتها حبوب مهلوسة، فقد بسببها الكثير من الشباب السيطرة على أنفسهم، وقدموا كل ما لديهم مقابل "حبة الصاروخ" انجر عنها قاتل العقل والحواس وحتى الخصوبة عند كثير من الذكور.
عرفت المخدرات أسماء جديدة للتمويه والتعتيم تستعمل ككلمة لغز بين المروج والمستهلك ظنا من الجانبين وفي محاولة ولو آنية للبيع دون خوف من انتباه الوالدين أو قبضة الشرطة، ففي كل مرة تتغير الأسماء أو تظهر أخرى جديدة على غرار "المرقازة" و"الطاكسي"، "دوبل سنياتور"، و"الشوشنة الكحلة" أو "الكراك" بمعنى محطمة الرئة، لأنه من بين مكوناتها البنزين وزجاج النيون وتختلف أسعار هذه الأخيرة ما بين 3500 دج إلى 10 آلاف، وهو ما يطلق عليه اسم “مالبورو” ومن ميزاتها أنها قوية النشوة لمن استعملها حديثا أو في أول يومه، يقول يوسف ساحب 34 ربيعا، إنه عانى الويلات قبل أن يكسر قيود هذا السجن وينقذ نفسه بمساعدة شقيقه، موضحا بقوله:"التشوشنة تفقد الوعي تماما ويمكن لصاحبها أن يبيع كل ما لديه مقابل الحصول عليها حتى لو كان شرفه وشرف زوجته، إنها تفقد من قام بحقنها العقل ومع مرور الوقت يبحث عن مواضع مختلفة لحقنها فبعد الأيادي والبطن وأعصاب الأرجل تمتد عملية الحقن إلى الأعضاء الحساسة التي تفقد بعد ذلك مهامها ويستحيل أن يتمكن صاحبها من الإنجاب لاحقا”.
الأطفال الصغار في المدارس أيضا لم يسلموا من شر تجار الموت الذين انعدمت لديهم الضمائر، فبين الحلوى التي تقدم هدية في أول يوم للإيقاع بالطفل ليصبح بعدها مستهلكا أو مروجا، دخل "زيت القنب" أو "المسك الحرام" جيوب الأطفال والبيوت في غفلة من الآباء، ومن صفات هذا المخدر أنه مستخلص من "زيت القنب" الذي يخبأ في قارورات “المسك” الصغيرة ليعتقد الآباء أن ما في جيب الابن مجرد عطر، ومن ميزاته أن الطفل يدخل في قلق وخمول شديد.
حبّة بـ500 دج والأخرى هدية العيد و"برومسيون” للفتيات على مدار السنة
أقبح وأخبث ما وصل إليه تجار الموت هو إفساد القيم النبيلة في المجتمع الجزائري المحافظ والمربوط بدينه وقيمه، فقد عمد مروجو المخدرات خلال أيام عيد الفطر المبارك، إلى خفض أسعار "الصاروخ" أو ليريكا إلى 500 دج مع إعطاء المستهلك حبّة هدية بمناسبة العيد، وهو الأمر الذي يمارس مع الفتيات على مدار السنة، إذ يشعر المروج الفتاة أنها صاحبة مزايا، حيث يعد سعر الصاروخ أو المرقازة بـ500 دج على مدار السنة، لأنها فتاة... وهذا ما يفتح أبواب التساؤلات أمام هذا الامتياز الشنيع.
شجارات بين عصابات الأحياء بسبب "البرومسيون"
وحسب مصادر "المساء" فقد دخلت عصابات الأحياء بفعل حملة "البرومسيون" التي استفاد منها مستهلكو هذه السموم في شجارات ومناوشات، بعد أن استقطبت العملية شباب عدد من الأحياء المجاورة لأوكار عصابات الترويج، حيث اعتبرها المعارضون تؤثر على عملية البيع داخل الأحياء التي لم تخفض بها الأسعار، وأكد ذات المصادر، أن شجارات عنيفة حدثت استعملت فيها الأسلحة البيضاء مع التهديد بالقتل إذا تكررت العملية.
من بائـع مجوهرات إلى "كلـونديستان".. رحلة البحث عن النشوة توقع رياض في هاوية الفقر
يروي رياض صاحب 43 عاما، معاناته مع "الكوكايينث" بدموع جارفة، فبعدما كان صاحب مكانة وسط الأهل والمجتمع وأصهاره حتى بات منبوذا يبيت في أي مكان، بعد أن ضيع ماله ومحله لبيع المجوهرات وحتى زوجته التي لم تطق البقاء معه بعد أن تعرضت لكل أنواع الضرب والإهانة من طرفه، والتي اضطرت لخلعه وأخذت ابنيها للعيش بعيدا عن الأجواء المسمومة التي خلقتها الكوكايين في البيت، يقول رياض بحسرة: "نصيحتي للشباب أن لا يقبلوا أي هدية محرمة، إياكم من “كادو لحباب” المتمثل في (قارو زطلة) أو(شمة كوكاين)"، مردفا: “كنت أعيش حرا مثل النّسر المحلق، لديّ مكانتي وسط أهلي واحترامي لأهلي حتى غدر بي صديقي الذي كانت علاقته بأنفه كالأكسجين، دعاني لسهرة مخدرة لم أكن أعرف أن الكوكايين بهذا الضرر، قال لي خذ هدية منّي تطيرك في السحاب... ستعيش إحساسا لم تعرفه أبدا... وبالفعل ولا أدري كيف نفذت مطلبه لأقع في الشراك، وبعد أن بلغت النشوة الأولى والأخيرة ذروتها وهمت على وجهي لا أعرف من أنا... رحت أبحث عن مثلها وبدأت اشتري (الخيط) وهو اسم (شمة الكوكاين) بـ6 آلاف دج منذ مدة طويلة ثم ارتفعت الأسعار إلى 12 ألف دج... وبقيت أسلم المال دون وعي.. ألهث وراء النشوة المفقودة، ضيّعت المال والذهب وكرهت منّي زوجتي التي أصبحت أخاصمها ثم أضربها لأتفه الأسباب، تركت البيت وهجرتني بعدما أصبحت أصاب بإسهال وتتسخ ملابسي الداخلية... وأصبحت كثير التقيؤ و العصبية أقوم بالصراخ في قلب الليل والناس نيام لأسبب لهم الهلع إذا لم أجد ذاك المخدر، ثم أصبحت أتناول (الشوشنة السوداء” بعدها البيضاء، ثم "السبيتاك" لقلة المال ونتيجة كل ذلك خسرت والدي ومالي وزوجتي وأبنائي”.
حطم قيود العبوديـة بعد سنوات من الأسر.. كـريم.. من دهاليز الضياع إلى الاستقامة والنّجاح
يرويكريمصاحب 34 ربيعا قصته مع المخدرات التي انطلقت في سن مبكر جدا بداية من أول سيجارة دخنها على يد ابن حيه في سن 13 عاما، والذي لم يبخل عليه لاحقا بلفة حشيش أو "قارو لحباب" القاتل، ليجد نفسه لاحقا وسط الحبوب المهلوسة، وكانت قاسمة الظهر عندما رفع يده وضرب والده المسن ضربا مبرحا وهو في حالة لا وعي بفعل مخدر الصاروخ في سن 29، بمرارة يروي التفاصيل باكيا: “كانت ليلة مرة... لكنها حددت مصيري الآن، عندما أفقت ووجدت والدي طريح الفراش أكدم الوجه، بكيت وتمنيت قتل نفسي، أنا ابن عاق... قال لي والدي أسامحك إذا استقمت وإذا لم تستقم فلن أسامحك لا في الدنيا ولا الآخرة... جثوت على ركبتي باكيا.. تقطعت أنفاسي أطلب العفو منه وأقسمت أنني لن أضع السموم في فمي بعد الآن... خضعت للعلاج وكانت إرادتي القوية أكبر حافز للخروج من خندق الدمار والعبودية، وضعت الثقة التامة في خالقي لينجيني وسعيت لأنقذ نفسي من العقوق واستعادة كرامتي المهدورة... كم هو مقزز الركض وراء حبّة مخدر حقيرة تجعلك أقل شأنا من الحيوان".
وعن استقامته وكيف تغيرت حياته قال: "لكوني درست في الجامعة فعلت المستحيل للحصول على منصب عمل قار، نعم لم يكن المبلغ الذي أتقضاه كبيرا، لكن كان فيه خير كثير... حاولت أن أكفّر عن ذنوبي... خدمت والدي بكل ما استطعت طمعا في رضاهما والحمد لله فتحت لي الأبواب، اقترح علي شريكي الآن في مؤسسة مصغرة العمل بعدما رأى منّي الاستقامة، وهو ابن حيّنا.. ونحن الآن نعمل معا لأجل النهوض بأنفسنا ومساعدة أهالينا وكل من استطعنا... الحرية في الهروب من عبودية المخدرات".
المختصة النّفسية فاطمة الزهــــراء غـــزالي: الإدمان عدو الصحة النّفسية وهذه طرق الوقاية منه
أكدت المختصة النّفسية فاطمة الزهراء غزالي، أن الإدمان يعني الاستسلام الجسدي والنفسي لعادة أو أدوية أو نشاط معين، حيث يصبح العيش متوقفا عليها عضويا ونفسيا ويؤثر الإدمان على عمل الجسم والدماغ ويترتب عليه أضرار ومشاكل وخيمة تصيب العائلات والعلاقات الاجتماعية وأماكن العمل والدراسة.
وللوقاية من إدمان المخدرات يستوجبـ حسب المختصةـ "الحفاظ على الحياة الصحية والعمل على حل المشكلات الاجتماعية أو المالية بالطرق الصحيحة بعيدا عن الاتجاه إلى المخدرات”. ناصحة بالتوجه لطبيب نفسي مختص في حال الإصابة بأحد الاضطرابات النفسية خاصة الاكتئاب والتوتر المرضي، واعتماد حياة صحية متوازنة عن طريق ممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي بالموازاة مع اتباع إرشادات الطبيب جيدا في حال تناول بعض العقاقير الطبية خاصة العقاقير التي لها قدرة إدمانية عالية.
المدربة والاستشارية الأسرية والتربوية حنان طلاس: دور الأسرة أساسي في الحماية من مخالب المروجين
أكدت حنان طلاس، مدربة استشارية أسرية وتربوية خلال مداخلتها بالمركز الإسلامي الثقافي، أن العلاج النفسي ضروري جدا للمدمن لأنه يتم من خلاله استعادة الثقة بالنّفس والآخرين لتقبل العلاج، لتتم بعدها عملية العلاج السلوكي وإتمام البرامج العلاجية، مؤكدة على الدور الذي لابد أن تلعبه الأسرة لحماية أبنائها من حضن الشارع ومخالب المروجين، وعلاج الأمراض النّفسية المصاحبة للإدمان لأن الطفل أو المدمن تزداد حالته النفسية سوء في البداية لعلم والديه بالأمر، مشيرة إلى أن الطفل أو المريض يكون عدائيا مما يستوجب علاج الأمراض النفسية المصاحب ةللإدمان في محاولة لتهدئته ثم السيطرة على أفكار الإدمان المتنوعة ثم التنقل إلى مواجهة المشكل بطرح البديل.
الأستاذ الإمام عبد الرؤوف بوكثير: مروّج المخدرات ملعون كلعنة بائع الخمور
شرح الأستاذ عبد الرؤوف بوكثير، في مداخلته الموسومة بـ"آفة المخدرات الأسباب والحلول” التي نشطها المركز الثقافي الإسلامي مؤخرا، ندوة بعنوان “لنأخذ بأيديهم لبر الأمان”، في إطار الحملة التحسيسية الوطنية للوقاية من المخدرات، مؤكدا أنها الهم العظيم الذي جثم على صدر المجتمع، واصفا إياها بـ"الشر المستطير الذي يهدد الذكر والأنثى والكبير والصغير”، موضحا أنها غزت البيوت ولم تسلم منها أي أسرة، فقد أثبتت الدراسات والحالات الاجتماعية ـ حسب المتحدث ـ أن هناك مدمنا في كل عائلة وهو ما يستدعي محاربة الآفة بيد من حديد.
أشار الأمام إلى أن المخدرات تسلب الشخص الحرية، مؤكدا أنها من المحرمات ومروجها ملعون مثل مروج الخمور، وعن أسباب انتشارها قال الإمام، إنها مختلفة على غرار التفكك الأسري الذي يعد أكبر أسباب ضياع الأبناء والفضول الزائد لدى الشباب، وهنا أشار إلى ضرورة زيارة مراكز العلاج لمشاهدة حال من جربوا هذه الآفة ووقعوا في حبالها، مؤكدا على ضرورة اتباع المجرّب العاقل، إلى جانب الفراغ الذي وصفه بالقاتل الصامت وكذا التسرب المدرسي، وتهرب الوالدين من المسؤولية والدلال الزائد للأبناء، والثقة العمياء وعدم مراقبة الأبناء، وكذا القدوة السيئة في المحيط الأسري، إلى جانب مرافقة أصدقاء السوء والبحث عن المكانة والرجولة لاسيما من قبل الأطفال والمراهقين، موضحا أن الحل يكمن بتقوية الوازع الديني وهو العلاج الإيماني القوي، مؤكدا أن السعادة الحقيقية والفرحة تكمن في القرب من الله عز وجل، وبالصلاة لأنها تنهى عن المنكر وتنظم حياة الأفراد، مع الإشارة إلى الدور الكبير الذي تلعبه الأسرة في حماية الأبناء وإنقاذهم مع التأكيد على أهمية ملء الفراغ من خلال إعداد البرامج الشخصية والاجتماعية، ناصحا الوالدين بالدعاء لأبنائهم ومساعدتهم على العيش باستقامة.