معرض نوال شعوان برواق "عائشة حداد"
فسيفساء تجمع بين العصرنة والتراث

- 526

تحويل أثاث إلى تحفة، ممكن جدا، من خلال لمسة فنية عصرية مميزة، وهو ما تقوم به الفنانة نوال شعوان، التي أحبت الفسيفساء حبا جما، وأسقطت هذا الوله على أثاث ومرايا ولوحات فنية في غاية الجمال، تعرض البعض منها في رواق "عائشة حداد"، إلى غاية 15 جوان الجاري.
حينما اكتشفت نوال شعوان حب الفيفساء، تحديدا خلال زيارتها لمتحف الفسيفساء الرومانية بالجميلة (سطيف) عام 2016، رغبت في التعرف عن قرب على هذا العشق الجديد، فقررت تعلم أبجدياته، من خلال استفادتها من تكوين بالمنظمة غير النفعية "كارتياس" ثم كانت الانطلاقة.
بما أنها مهندسة في الالكترونيك، فقد تمكنت شعوان من المزج بين الحداثة المتمثلة في التكنولوجية بالتراث، أي بالفن التقليدي، حيث عرفت كيف تتعامل أولا مع تقنية البيكسل، أو عنصر الصورة (أصغر ما يمكن تمثيله والتحكم في خصائصه من مكونات الصورة على الشاشات بتقنياتها المختلفة، وأصغر ما يمكن مسحه وتخزين بياناته في الماسحات الضوئية، أو في مستشعر الكاميرا الرقمية)، وكذا تجميع الأشياء الصغيرة في وحدة كاملة، علاوة على قدرتها على التحكم في كل عنصر من عناصر العمل الفني، وممارستها لفنها بدقة واحترافية.
علاقة نوال شعوان بالفن لم تولد عام 2016، بل قبل ذلك بسنوات، لكن حياتها تغيرت تماما، بعد اكتشافها عالم الفسيفساء، وهو ما تبين بشكل واضح في أثاث بيتها، إلى أن امتلأ تماما بتحف متنوعة وباهرة، لتأتي بعدها مرحلة البيع والفراق.
تعتبر التشكيلية الفسيفساء فنا كاملا ومتكاملا، إذ يتطلب استعمال العديد من التقنيات والمواد، رغم أنه لا يلقى الاعتراف في الجزائر، في حين يشكل جزء مهما من تراثنا. أما عن المواضيع التي تختارها شعوان في أعمالها، فجزء منها من الواقع، وجزء ثان من محض خيالها.
في المقابل، تعرض برواق "عائشة حداد"، لوحات جميلة ومرايا وكراسي، برهنت من خلالها على إبداعها، معتمدة في الأساس على فن الفسيفساء، مستعملة عدة تقنيات، مثل تجميع المواد وقص بعضها وانتقاء الألوان واختيار المواضيع والتلاعب بالعمق والجحم، لتخرج تحفها في ثوب معاصر، وإن كان كنهها تقليدي محض.
تعرض الفنانة لوحة "حقل التوليب"، التي أنجزتها بتقنية فسيفساء عجينة زجاج الخزف الحجري وزجاج الكريستال والأحجار الطبيعية، تظهر فيها حقول أزهار التوليب بألوان مختلفة، وفي شكل متناسق ولامع. أما لوحتي"ميلاد جديد" فاستعملت فيهما خمس طبقات مختلفة، ويظهر فيهما شكلان مذهبان متقابلان، وسط عتمة أبرزت بريقهما.
لوحة ثالثة، وهذه المرة عن أسماء الله الحسنى، استعملت فيها شعوان فسيفساء من المرايا ذات اللون الذهبي والفضي، مع ثمانية أنواع مختلفة من الجص والجص الأبيض، فجاءت أسماء الله التسع والتسعين في غاية الألق والجمال، خاصة أنها ملونة بالألوان الفضية والذهبية والنحاسية.
أما لوحة "أمير الصحراء"، فقد لونت نوال شعوان سماءها بالفسيفساء الزرقاء، في حين جاءت أرضها كثبانا من الرمال، يتوسطها رجل من التوارق بلباسه التقليدي. وغير بعيد عنها لوحة "حيزية"، المرأة التي ما تزال تحرك المشاعر، رغم مرور زمن طويل عن رحيلها.
ودائما مع التراث، أنجزت الفنانة فسيفساء عن مشهد للصيد في القرون الغابرة في صحرائنا الشاسعة. في حين اختارت في ثلاث لوحات أن تعبر عن حاجتنا للهواء والماء، وقد طغى عليها اللون الأزرق. ومباشرة تحت لوحات "الهواء والماء"، ثلاث لوحات أخرى عن النار، أنجزتها التشكيلية بفسيفساء مطلية باللون البرتقالي المختلط بالأصفر، وكأنها نهر من النيران يصب في مكان ما، وتحتها مباشرة ثلاث لوحات أخرى بعنوان "الأرض".
أما لوحات "كنوز في البحر" فقد رصعتها بالحلي، بينما عبرت عن الشرخ الذي يصيب الإنسان، وحتى الطبيعة في لوحة بهذا العنوان، ومع ذلك اختارت اللونين الأبيض والذهبي كي تؤكد ربما استمرار الحياة، رغم المطبات. كما زينت الفنانة مرايا بفسيفساء تدفعك إلى رؤية محياك لأكثر من مرة، علاوة على عرضها لطاولة مزخرفة بالفسيفساء تفتح الشهية، وتحف أخرى تدخل في خانة الديكور.