تعتمد على استراتيجية وترتيبات تواكب المتغيرات الإقليمية
الجزائر برؤية أمنية استباقية لضمان استقرار منطقة الساحل
- 807
❊ الاتحاد الأوروبي يقاسم الجزائر الموقف بشأن عودة النظام الدستوري في النيجر
❊ مساعي الجزائر تقوم على رفض التدخل الأجنبي وتشجيع الحوار الداخلي
تراقب الجزائر الوضع الأمني المضطر في منطقة الساحل عن كثب، وتولي أهمية بالغة لاستقرار النيجر وعدد من الدول المجاورة، التي يعد أي تشويش فيها تهديد للمنطقة ككل وينذر بانتشار الفوضى وتنامي العنف، ما جعل الجزائر في كل مرة تعيد قراءة الواقع الجيو سياسي لهذه المنطقة برؤية أمنية واستباقية تراعي المتغيرات الجديدة.
وحافظت الجزائر في هذا الإطار على عقيدتها الأمنية التي تعد امتدادا لسياستها الخارجية، حيث ركز رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون منذ انتخابه، على تفعيلها أمام التحديات والمتغيرات الاقليمية الجديدة ،التي تنذر بأخطار محدقة، يستوجب تطويقها حتى لا تكون لها انعكاسات على الأمن القومي الوطني.
وقد أكسب الجزائر ذلك وزنا استراتيجيا في المنطقة ككل مما جعل الكثير من الشركاء والفاعلين الدوليين يولون أهمية خاصة لدورها في ضمان استقرار المنطقة، حيث نستشف ذلك من المكالمة الهاتفية التي تلقاها وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف من الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل حول التطوّرات المقلقة في جمهورية النيجر.
ويشاطر الاتحاد الاوروبي رؤية الجزائر بخصوص ضرورة العودة إلى النظام الدستوري في نيامي، باعتبار أن أي اخلال بالأمن في هذه المنطقة قد يدخلها في ما لا يحمد عقباه، حيث كثيرا ما تستدل الجزائر بالانفلاتات الأمنية التي عاشتها دول الجوار، على غرار مالي وليبيا بسبب التدخل الأجنبي الذي لم يزد الأوضاع سوى المزيد من التعقيد.
وروّجت الجزائر رؤيتها بهذا الخصوص على مستوى كافة التجمعات الدولية، على غرار المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا "إيكواس" التي يترأسها حاليا الرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو، حيث أبلغت مبعوثه الخاص رفضها لاستخدام القوة ضد قادة الانقلاب العسكري في النيجر، لما لذلك من أخطار على منطقة الساحل الصحراوي برمتها.
وأرست الجزائر في هذا الصدد استراتيجيتها، من خلال تقديم مقاربة أمنية تنموية بالمنطقة التي عادة ما تستيقظ على وقع أعمال عنف تفاقم من تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، خاصة بعد أن تحوّلت أجزاء واسعة منها إلى ملاذات آمنة للجماعات الإرهابية المسلحة وشبكات الجريمة المنظمة.
فقد صنفت تقارير حديثة لمؤشر الإرهاب العالمي بلدان مالي وبوركينا فاسو والنيجر، في مقدمة دول منطقة الساحل الإفريقي التي شهدت خلال الفترة بين 2014 و2022، تصاعدا لافتا لأعمال العنف، وأدت في مرات عدة إلى صراعات مع حكومات دول المنطقة، ما أفرز وضعا متوترا، أسهم في حدوث انقلابات عسكرية مثل الذي شهدته دولة مالي خلال عامي 2020 – 2021، ثم بوركينا فاسو عام 2022، إلى جانب المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد رئيس النيجر محمد بازوم في 31 مارس 2021 قبل ساعات من تنصيبه رئيسا للبلاد، ليتجدد هذا الانقلاب مرة أخرى في الفترة الاخيرة.
ومن هذا المنطلق، تسابق الجزائر التي لها حدود واسعة مع المنطقة، الزمن من أجل تهدئة الأوضاع، ومواجهة خطر الجماعات الإرهابية، وتنامي نفوذ بعض القوى الدولية، حيث سبق للرئيس تبون أن حذر، من خطر تحويل منطقة الساحل إلى بؤرة إرهاب جديدة لا سيما في ظل سهولة التغذي من روافد الجريمة المنظمة كالتهريب والاتجار في السلاح والبشر.
كما أكد بأن مساعي الجزائر قائمة أساسا على مبدأ رفض التدخل الأجنبي وتشجيع الحوار الداخلي والحفاظ على الوحدة الترابية والانسجام الوطني للدول.
وقامت الجزائر بجهود كبيرة من أجل منع حدوث انزلاقات أمنية في هذه المنطقة على غرار ما حصل في مالي، بعد أن تمكنت من إقناع مختلف الأطراف المالية المسلحة وحكومة باماكو بالتوقيع على اتفاق السلم والمصالحة في 2015، فضلا عن اتفاق الجيشين الجزائري والنيجري على تنظيم دوريات عسكرية لمراقبة الحدود بين البلدين الممتدة على طول 951 كيلومتر، والذي يندرج في سياق التوجس الاستباقي للجزائر من تدهور مرتقب في المنطقة.
وانطلاقا من قناعتها بضرورة تشجيع التنمية كأهم محرك للتصدي لحالات اللاأمن كثفت الجزائر من زيارات مسؤوليها إلى هذه المنطقة، على غرار رئيس الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج أحمد عطاف الذي كانت منطقة الساحل أول محطة له في زياراته الخارجية فور استلامه حقيبة الدبلوماسية.
ونقل الوزير في هذا الصدد إلى هذه الدول رغبة الجزائر في وضع مقاربة التنمية والأمن موضع التنفيذ، في محاولة لإعطاء دفع لاتفاق السلم والمصالحة من جهة، ومنع انفراد أطراف أجنبية بالمنطقة من جهة أخرى.
وتنبع قناعة الجزائر بهذا الخصوص من أن مفهوم الأمن تجاوز البعد العسكري الكلاسيكي ليشمل أبعادا أوسع وأشمل بكثير، منها الاقتصادي والاجتماعي، ما جعلها تسعى لتحقيق الأمن في منطقة الساحل الإفريقي عبر مجموعة من الآليات والميكانيزمات الأمنية والسياسية الديبلوماسية التي تجتمع كلها في إطار مقاربتها بعيدة المدى.