معرض "تباين" لمريم شعوان

ألوان وقيم وتهذيب للوجدان

ألوان وقيم وتهذيب للوجدان
  • القراءات: 666
مريم. ن مريم. ن

يحتضن رواق "عائشة حداد"، إلى غاية 22 أوت الجاري، معرض "تباين" للفنانة مريم شعوان، صاحبة الريشة الفيلسوفة، بأفكارها الإنسانية الشاملة، وحسها المرهف الذي يحتاجه الإنسان اليوم أكثر من أي وقت مضى، مع بعض من الذكريات والجماليات التي تهذب النفس والوجدان.

كتبت الفنانة في مدخل معرضها، أنها دخلت هذا العالم الجميل، بفضل عائلتها الفنية متأثرة في بداياتها، وهي طفلة بوالدها الفنان شعوان، وكانت غالبا ما تضيف بعض اللمسات الأخيرة، بدافع عشقها اللامتناهي للريشة والألوان، وفي وقت مبكر، اندمجت مع هذا الفن الراقي، لتنتقل بعدها من الرسم البسيط إلى الفن التشكيلي، وتطلق العنان لأحاسيسها ولمختلف المواقف وحالات النفس التي تعيشها، لتختار عن قناعة، المواضيع الملتزمة المتعلق بقضايا الإنسان والمجتمع.

تستخدم هذه الفنانة كل التقنيات، منها الرسم بالألوان المائية والرسم بالأكريليك والألوان الزيتية، لتترجم نيابة عنها، بنات أفكارها التي تسعى إلى أن تشاركها مع الجمهور، وهي في بعض اللوحات، تقف عند الطبيعة بكل تجلياتها برا وبحرا والضوء، معتمدة على الأسلوب التصويري، متنقلة أيضا عبر مظاهر التراث العريق في أبسط صوره الملامسة للواقع المعاش، بعيدا عن الخيال المفرط، دونما التفريط في قيمته التاريخية والاجتماعية.

ما يلاحظ في هذا المعرض؛ قوة تصميم اللوحات والاستثمار في تقنيات الرسم الحديثة، وتوظيفها في شتى المواضيع، علما أن جل الألوان داكنة، كما أن الظلال والأنوار خافتة، وتسود اللوحات الألوان الزيتية التي تعكس التمكن والاحترافية.  من جهة أخرى، تحاول الفنانة مريم جلب الجمهور بمواضيعها الهادفة والإنسانية، دون خطاب مباشر جاف، ولا تهمل في كل ذلك، طرح الجانب الجمالي المريح والممتع، كي لا تبدو اللوحة مجرد شكوى أو نقل للواقع، كما هو دون لمستها الفنية، ورغم أنها تعرض عدة أساليب فنية، لكن الغالب عندها هو الأسلوب التصويري، الذي يعطيها مجالا للحضور والتعليق، وفق رؤيتها للأمور.

كما قدمت الفنانة في هذا المعرض، لوحة من الحجم الكبير، تتسع للمدعوين إلى عرس تقليدي جزائري، وفي قلبها سيدة، على اعتبار أن كل التحضيرات والمهام غالبا ما تتكفل بها المرأة. في لوحة غير بعيدة، هناك السيدة ذات المظلة، أعطت للمعرض انتعاشا في ظل الحرارة التي تزامنت وفترة إقامة المعرض، وتلك السيدة مغمضة العينين ترتوي بروحها من المطر الغزير، الذي يبدو جليا من خلال مظلتها الشفافة.

في أجواء البرد أيضا، وفي مساء غائم، يبدو الجالسون في المقهى (مقهى اكسبرس) يرتشفون القهوة باستمتاع ورقي، ويتبادلون شجون الحديث، وصورة أخرى عن السماء الرمادية التي تسلط لونها على البحر، ليثور بدوره ويهيج، ولوحة عن شارع ديدوش مراد تحت وقع المطر، وما خلف ذلك من ازدحام بين المارة والسيارات. لوحات أخرى عن التراث، كرحلات قوافل الجمال عبر الصحراء الجزائرية الشاسعة، وكذا جلسات الشاي تحت ضوء القمر بين التوارق، وكذا حلقات النسيج النسوية في عز الشتاء، وبورتريهات لراقصة الباليه بلباس الدونتال، وآخر لطفل يكتب ذكرياته في لوحة واحدة، نصفها العلوي ملون يصوره، وهو يلعب بسعادة، والآخر سفلي بالأبيض والأسود، ناهيك عن لوحات تجسد وقفة الفرس الرشيقة، وطلة الإبل سفينة الصحراء، فيما كانت لوحات أخرى للطبيعة الميتة، ولغلال الجزائر عبر مواسم الجني والحصاد.