الأديب رابح خدوسي يُصدر أربعة كتب عن البليدة ويصرّح لـ "المساء":
الكتابة عن التاريخ المحلي ضرورة والبليدة ظلمها التاريخ
- 818
اتصلت "المساء" بالأديب رابح خدوسي بعد صدور أربعة كتب له عن البليدة دفعة واحدة، وهي: "علماء وأدباء"، و«مدينة الورود والبارود"، و«في عيون الرحالة وقصائد الشعراء" و"أسماء ومعالم"، فكان هذا الموضوع.
قال الأديب رابح خدوسي لـ "المساء" إن اشتغاله على الذاكرة الثقافية للمدن ليس وليد الساعة، بل يعود إلى زمن إعداده موسوعة العلماء والأدباء الجزائريين، التي احتوت على سير وتراجم لأكثر من 3000 عالم وأديب جزائري لمختلف العصور والنواحي؛ أي بدون إقصاء فترة زمنية أو منطقة وطنية. وأضاف أن هذه الموسوعة التي صدرت في مجلدين ضخمين، لقيت استحسانا كبيرا من قبل القراء. بعدها فكر المتحدث رفقة الأستاذ المرحوم سهيل الخالدي، في انشاء موسوعة حول المدن الجزائرية الثقافية، لكن هذا المشروع لم يتجسد في الواقع.
مدن بكنوز من الذاكرة الثقافية
تابع خدوسي أنه منذ سنوات شرع في البحث والتنقيب حول بعض المدن الجزائرية، لتكون البداية بمدينة مليانة، التي أنجز حولها كتابين، أولهما كتيّب صغير حول معالم مليانة. والثاني حول علمائها وأدبائها عبر فترات زمنية مختلفة، مؤكدا أن مليانة مدينة حافلة بالمعالم والآثار والأحداث التاريخية التي صنعها الأبطال. وتابع مجددا أنه انتقل في مرحلة ثانية، إلى الكتابة عن مدينة البليدة، وتحديدا أطلسها؛ فصدر له كتاب من الحجم الكبير حول منطقة ميسرة، والأطلس البلدي، والمتيجة باعتبار أن هذه المنطقة حكمتها قبيلة تمتد من بلدية عُمارية في ولاية المدية إلى ساحة الشهداء بالجزائر العاصمة، وقدّمت أروع البطولات خلال المقاومة الشعبية وثورة التحرير الجزائرية، وعُرفت بامتلاكها تراثا ثقافيا ماديا ولا ماديا ثريا.
وقبل أن ينتقل إلى الكتابة عن عمق مدينة البليدة، كتب خدوسي عن التنس التابعة لولاية الشلف، والتي قال عنها لـ "المساء"، مدينة الحافظ التنسي، وأولياء الله الصالحين، وكذا مدينة الثقافة والمثقفين والعلماء والأدباء، مضيفا أنه للعام الثاني زارها صيفا، بمناسبة الاحتفاء باليوم الوطني للشعر؛ إذ قدّم العام الماضي مداخلة حول علماء وأدباء مدينة التنس. أما هذه السنة فقدم مداخلة حول "ثقافة الطفل في الجزائر، الأزمة والحل". وذكر الأستاذ أن تنس تحتوي على كنوز من الذاكرة الثقافية. ومعالمها ماتزال شاهدة إلى حد الآن. ونفس الأمر بالنسبة لمليانة والبليدة، لهذا كتب عن هذه المدن؛ حتى يبعث ويغذي الوعي بتاريخ وثقافة المكان، وروعة الزمان الذي عاشه العلماء والأدباء في زمنهم. واعتبر أن اهتمامه، أساسا، هو بثقافة وأدب الطفل؛ أي الوعي بالمستقبل من خلال تحضير الناشئة للمستقبل، لكن لا مستقبل بدون ذاكرة وبدون تاريخ، مؤكدا أن الذاكرة الثقافية للمكان فيها رحيق الماضي، وعبق الزمان، وهو ما يدفعنا في الحاضر إلى الشعور بالانتماء أكثر لوطننا الجزائر؛ من خلال اكتشاف أسرار المكان، والذين عاشوا فيه، وبنوا هذا المجد.
البليدة مدينة لم يُكتب عنها
وعن الكتب الأربعة الصادرة حديثا عن جمعية الذاكرة والتراث الثقافية لولاية البليدة، قال خدوسي إن البليدة مدينة الفن والأدب والجمال الطبيعي والتراث والأصالة، متأسفا في السياق ذاته، لظلم التاريخ لهذه الحاضرة الثقافية؛ فلم يُكتب عنها كثيرا، بل لم يكتب عنها أحد، وهذا منذ أن كتب عنها الضابط الفرنسي تريملي عام 1883.
وأكد خدوسي أن هذه المدينة التي ظلمها التاريخ، شهدت أول مقاومة جزائرية ضد الاستعمار الفرنسي. كما ركع على أسوارها وأبوابها أكثر من عشرة جنرلات فرنسيين، حتى إن الاستعمار الفرنسي لم يستطع احتلالها إلا بعد عشر سنوات من احتلاله الجزائر العاصمة التي سقطت في غضون 19يوما، يضيف المتحدث.
معلومات تُكتب لأول مرة عن البليدة
كما أشار خدوسي إلى احتياج البليدة لمصنفات وبحوث، ليحقق هذا المطلب بكتابة أول إصدار بعنوان: "البليدة مدينة الورود والبارود"، الذي قال إنه عبارة عن بحث موثق حول تاريخ مدينة البليدة منذ تأسيسها مرورا بالمقاومة الشعبية، وكذا الثورة التحريرية، ووصولا إلى الاستقلال.
أما الكتاب الثاني فمعنون بـ "البليدة علماء وأدباء"، بينما ضم الكتاب الثالث ما قاله الرحالة والشعراء عن هذه المدينة، التي وصفها خدوسي بالساحرة والفاتنة، وهذا في كتاب "البليدة في عيون الرحالة وقصائد الشعراء"، في حين الكتاب الرابع عنوانه: "البليدة أسماء ومعالم" تناول فيه رابح الآثار الموجودة في المدينة، وأقطابها السياحية والثقافية. كما أضفى فيه صفحات ناصعة ومجهولة عن مقاومة السكان الأصليين للمحتل الفرنسي، وكذا مقاومة جيش الأمير عبد القادر لمتيجة.
وقد اعتمد الأستاذ في كتابته هذه المؤلفات حول مدينة الورود، على مراجع وكتب تستنطق الشواهد التاريخية، ليدرجها في طبق جديد انطلاقا من رؤية وطنية، مضيفا: "نحتاج إلى التحرر من الفكر الكولونيالي والمدرسة الكولونيالية اللذين نتج عنهما كثير من الكتابات عن تاريخ الجزائر، وأن نكتب تاريخنا بأقلام وطنية". ولهذا سيجد القارئ معلومات تُكتب لأول مرة عن تاريخ البليدة.
وبالمقابل، اختار خدوسي أن يكتب عن البليدة في عدة مؤلفات بدل أن يجمع عصارة أبحاثه في مجلد واحد؛ لأن الموضوعات التي كتب عنها مختلفة؛ منها الثقافي، ومنها ما هو تاريخي، وحتى شعري، علاوة على أن الكتاب الكبير يخوّف القارئ، يؤكد خدوسي، ويضيف أن القارئ لا يُقبل على الكتاب الضخم سواء من ناحية ثمنه، أو حتى من ناحية عطشه للقراءة؛ فهو يفضل، غالبا، قراءة كتاب خفيف في زمن قصير.
شعور بالغبن تجاه غياب مرافق ثقافية بالبليدة
دعا خدوسي المثقفين إلى الكتابة عن ولاياتهم، معتبرا أن المثقف رهيف الحس؛ لهذا فهو يشعر بالغبن لما تعيشه مدينته ، وهو ما يشعر به خدوسي تجاه مدينة البليدة التي لا تضم دارا للثقافة، ولا حتى مسرحا جهويا، ولا قاعة للمطالعة، وهو ما يثير في نفسه الكثير من الشجن، علما أنه كمثقف، يشعر بالمسؤولية عن وطنه الجزائر ككل، وليس، فقط، عن البليدة. وأضاف أنه يعتبر نفسه رفقة أبناء جيله من أبناء الثورة، جسرا يحمل رسالة الأوائل، وينقلها إلى الجيل الجديد. وفي هذا ذكر مقولة ماوتسي تونغ لجميلة بوحيرد: "اُكتبوا تاريخكم؛ فإن لم تكتبوه سيأتي غيركم يكتبونه"، وكذا وصية الشهيد ديدوش مراد التي قالها في 18 جانفي 1956 : "إذا استشهدنا حافظوا على ذاكرتنا ".