حرب الإبادة تُفضح وقوافل الشهداء ترتقي

مثقّفو الجزائر يناصرون "غزة الصمود"

مثقّفو الجزائر يناصرون "غزة الصمود"
  • القراءات: 209
نوال جاوت نوال جاوت

لم يتوان الوسط الثقافي والفني الوطني في التعبير عن تضامنه اللامشروط مع غزة الجريحة، التي تواجه الإرهاب الصهيوني وحربه العرقية بصمود ومقاومة، وتقدّم كل يوم، دروسا في التضحية، والتشبث بالأرض، وتعطي البشرية أسمى صور الإيمان، مفوّضين أمرهم لله؛ فرغم القصف الممنهج ضد المدنيين رضّعا، وأطفالا، ونساء وشيوخا، مسلمين ومسيحيين، يتحلى الغزاويون بإيمان كبير بـ "ألا إنّ نصر الله قريب"، و"اصبر لحكم ربّك فإنّك بأعيننا"؛ فكل مولود مشروعُ شهيد، وكلّ خطوة هي في سبيل الله، كيّفوا حياتهم على أساس أنهم للشهادة سائرون، وعلى الأرض محافظون، ولراية الإسلام حاملون، وللقدس عائدون. 

الموقف الجزائري الرسمي والشعبي ثابت من القضية الفلسطينية و"لو بعد آلاف السنين"، مثل ما أكد الرئيس الراحل هواري بومدين، فمثل ما كانت الجزائر السباقة لتعليق كل النشاطات الاحتفالية التي كانت مبرمجة وتأجيلها إلى وقت لاحق؛ "تعبيرا عن التضامن الكامل مع الإخوة الفلسطينيين وعائلات الشهداء"، تبعه قرار رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، إلغاء كل التحضيرات المتعلقة بالاحتفالات المخلدة لذكرى أول نوفمبر المجيدة لهذه السنة، وكل مظاهر الاحتفال المرتبطة بهذه الذكرى"؛ "تعبيرا عن تضامن الشعب الجزائري والدولة الجزائرية مع أهلنا وأشقائنا الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصَر، الذين يواجهون عدوانا غاصبا، ووابلا من الجرائم والمجازر المرتكبة في حقهم من قبل المحتل الصهيوني".

تأجيل مهرجاني عنابة وسيدي بلعباس

كما قررت وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي، تأجيل تنظيم الطبعة الرابعة لمهرجان عنابة للفيلم المتوسطي، الذي كان من المقرر تنظيمها من 3 إلى 9 نوفمبر القادم، إلى وقت لاحق؛ تضامنا مع الشعب الفلسطيني.

وتم تأجيل المهرجان، وفق بيان للوزارة؛ "نظرا لتصاعد الاعتداءات العدوانية الغاشمة على الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة، وغيرها من المدن الفلسطينية الصامدة، وبعد المجزرة الرهيبة التي تعرّض لها مئات الأطفال والنساء والشيوخ العزل، إثر القصف الصهيوني الهمجي الأعمى على مستشفى المعمداني، وتبعا لقرار تعليق كل النشاطات الاحتفالية، وتأجيلها، وتأكيدا على التضامن المطلق مع أهالينا في فلسطين الجريحة الصامدة".

كما تَقرّر تأجيل الطبعة 13 للمهرجان الثقافي المحلي للمسرح المحترف بسيدي بلعباس إلى أجل غير مسمى؛ "تضامنا مع الشعب الفلسطيني، ونظرا للأوضاع المأساوية التي يعيشها جراء جرائم الكيان الصهيوني".

الموقف الشعبي يتجسد يوميا في شوارع وبيوت الجزائريين في أقوالهم وأفعالهم؛ ففلسطين في قلب كل أبيٍّ، يفتح عينيه على "زهرة المدائن"، ويُنشئ أبناءه على قدسية "مسرى الرسول"، وعلى تبجيل انتفاضة "أطفال الحجارة"، وما المسيرات المليونية التي قادها أحرار بلد المليون ونصف مليون شهيد، الخميس الماضي بكل مشاربهم الفكرية والإيديولوجية، وبجميع أعمارهم وانتماءاتهم، إلا ومضة عن مكانة فلسطين في الوجدان الجزائري.

إبادة عرّت المطبّعين

ولم يختلف المثقف الجزائري عن أخيه في الروافد المجتمعية الأخرى، وأعلن موقفه بكل حزم وثقة، فكيف "يقف شاهدا على حرب إبادة وحشية يتعرّض لها أشقاؤنا الفلسطينيون في قطاع غزة منذ أيام، وإرهاب يفوق كلّ تعبير، يمارسه الكيان الصهيوني بدون هوادة، غير مبال بالقوانين الدولية، ونداءات الشرفاء، الداعية إلى توقيف هذه المجازر الشنيعة في حق أهلنا الصامدين المقاومين"، مثل ما أعلنت عنه الاتحادية الجزائرية للثقافة والفنون.

وقالت الاتحادية في بيان لها: "نحن الموقّعون على هذا البيان من كتّاب وفنانين ونقاد ورؤساء جمعيات ثقافية وفنية، نعلن كامل دعمنا لأشقائنا الأبطال في غزة المقاوِمة الأبية، ونعبّر عن إدانتنا بدون تردّد، لسياسة الكيان الصهيوني، وممارساته المُمعِنة في الدموية والسادية، وإزهاق أرواح الأبرياء". وأضافت أن حرب الإبادة هذه، عرّت قرارات التطبيع التي هرولت إليها بعض الدول العربية وغير العربية مع الكيان الصهيوني. وبات من الواجب دعوة هؤلاء المطبّعين إلى مراجعة قراراتهم التي لا تتوافق مع إرادة الشعوب في أن تتحرر فلسطين من ربقة الاحتلال الصهيوني الغاشم.

مبادرات أدبية وتضامنية ميدانية

وقال الموقّعون على البيان: "إننا في الجزائر نشارك، وندعو إلى المشاركة بقوة في المسيرات الشعبية المناهضة للعدوان الإسرائيلي على إخواننا في غزة. ونقترح ونبادر بالتنسيق مع كل الجهات الفاعلة في بلادنا، إلى التعبير عن تضامن شعبنا مع الشعب الفلسطيني الشقيق. وسيظل الباب مفتوحا أمام كل الفعاليات الأدبية والفنية، للتنسيق معنا في الاتحادية الجزائرية للثقافة والفنون؛ للقيام بمبادرات أدبية وتضامنية ميدانية، يمكنها أن تعكس - كما كانت من قبل - علاقة الأخوة المتجذرة التي تربطنا بالإخوة الفلسطينيين".

وبعد أن ثمّنت قرار وزارة الثقافة والفنون تعليق كل مظاهر الاحتفال في مختلف التظاهرات الثقافية والفنية، اقترحت الاتحادية على السلطات العليا، العمل على إطلاق "قافلة المثقفين والفنانين الجزائريين"، التي تحمل التبرعات بالأدوية نحو قطاع غزة، والعمل على تنظيم "حملة وطنية للتبرع بالدم"، وكذا تنظيم حملة وطنية واسعة لجمع التبرعات والمساعدات "تيليطون"، عبر شاشة التلفزيون العمومي؛ لجمع التبرعات لفائدة المنكوبين في غزة.

ووقّع البيان عددا معتبرا من الأسماء الثقافية الجزائرية الوازنة؛ على غرار محمد الصالح الصديق، ومحمد العربي زبيري، ورشيد بوجدرة، وبوداود عمير، وإدريس بوذيبة، وإبراهيم صديقي، وعبد الله حمادي، وسعيد بوطاجين، وبشير خلف، وسميرة حاج جيلاني، وحسين عبروس، وسعيد بن زرقة، وبوزيد حرز الله، وعادل صياد، وأبوبكر زمال، وبوبكر سكيني، فضلا عن أحمد عبد الكريم، وجميلة زنير، وعلي مغازي، ومحمد الأمين سعيدي، ومحمد بوطغان، والطيب لسلوس وغيرهم.

تواطؤ واضح ومساندة علنية للجرائم الصهيونية

من جهتها، أدانت النقابة الوطنية لناشري الكتب، "جهنمية العدوان" الصهيوني على الشعب الفلسطيني، و"خطوات التطهير العرقي المسلّط على أهل غزة خاصة، وأهل فلسطين عامة". واعتبرت النقابة في بيان لها، "أن الكيان الصهيوني "تمادى في عنجهيته وعدوانه الوحشي على الشعب الفلسطيني، وممارسته الإبادة الجماعية، وارتكابه جرائم ضد الإنسانية"، منددة في هذا السياق، بـ "الصمت الرهيب لما يسمى بالمجتمع الدولي، الذي يقترب من مستوى التواطؤ"، و"الدعم والمساندة العلنية لجرائم الكيان الصهيوني من طرف الدول الغربية".

كما ثمّنت النقابة، من جهة أخرى، قرار اتحاد الناشرين العرب، القاضي بمقاطعة معرض فرانكفورت للكتاب بألمانيا، "بعدما تجرأت إدارته على الانحياز غير الإنساني، لجرائم الكيان الصهيوني، مسقطة كل الادعاءات الغربية الزائفة، المتشدقة بقاموس حقوق الإنسان".

واتخذت النقابة عدة مبادرات ثقافية تضامنية لمساندة الشعب الفلسطيني؛ كتنظيم يوم تضامني ثقافي مع الشعب الفلسطيني خلال صالون الجزائر الدولي للكتاب، وإطلاق مشروع "مكتبة غزة"؛ من خلال فتح باب التبرع بالكتب للمواطنين والمؤلفين والناشرين، يتم جمعها بجناح النقابة بالصالون، وكذا فتح مجال المساهمة للشعراء الجزائريين، لطبع كتاب حول غزة.