"المساء" تحاور الصحفي وائل الدحدوح بعد 5 أيام من اغتيال عائلته:
لا وقت للحزن.. وعودتي للعمل وفاء لدم الشهداء
- 780
❊ مأساتي جزء من مآسي غزة.. وقوّتي أستمدها من الله وكلمة الحق
❊ فقداني عائلتي جرح يدمي ووجع لن يصمت لكننا سنكمل الطريق
❊ عهد ما قبل العدوان على القطاع لن يكون أبدا كما بعده
❊ الوضع كارثي والمساعدات لا تغطي حتى 1 % من الاحتياجات
"لا وقت للحزن ولا للعويل، ولا وقت للغوص كثيرا في تفاصيل الفاجعة"، هكذا ردّ مراسل قناة الجزيرة القطرية الصحفي الفلسطيني، وائل الدحدوح، الذي لم يعد مجرد اسم لصحفي ينقل جرائم الكيان الصهيوني، بعد المجزرة التي ارتكبها الكيان الصهيوني في حق عائلته، بل بات وجها آخرا للمقاومة من أجل قضية عادلة دوّخت العدو الصهيوني برباطة جأش أبنائها وصلابتهم، فلا دبابات الكيان المحتل ولا طائراته نجحت في إحجامهم عن مواقفهم ومحو القناعة التي توارثوها من جيل لآخر، عبر "حبل سري" مازالوا يرتوون منه قيم النضال والحرية وحبّ الانتماء للأرض المقدسة.
وائل الدحدوح الذي لم يبخل عن التواصل مع "المساء"، صنع هو أيضا الاستثناء من قلب المعركة، مثلما صنعه "طوفان الأقصى" يوم السابع من أكتوبر الماضي، والذي لم يكن مجرد رسالة للعدو الصهيوني فحسب بل أيضا للأمة العربية حتى تنفض عن نفسها غبار الهوان.
فكان للمشاهد التي تناقلتها وسائل الإعلام عن ما لحق بعائلة الصحفي الفلسطيني من قصف غاشم، أثر بالغ في نفوس المشاهدين، حيث لم تكن المشاهد والمآسي في الحقيقة سوى عيّنة من آلام شعب بأكمله.
وبغض النظر عن كل ذلك فقد أبهر وائل الدحدوح الجميع بشجاعته وهو الذي سلم أمره لإرادة الله، معطيا بذلك النموذج الحقيقي للمقاوم الفلسطيني على كافة الجبهات، وهو الذي شدّ انتباه الجميع بإرادته القوية في مواصلة رسالته الإعلامية النبيلة.
ولم يكن أمام وائل سوى العيش لحظات الفراق فور سماعه وقع الفاجعة وهو الذي كان ينقل حيثيات العدوان الغاشم على المباشر، حيث سارع بعدها إلى عين المكان الذي دمر عن آخره، ليجد زوجته وابنته وابنه وحفيده جثثا هامدة .
وودع وائل الزوج والأب والجد عائلته، نازعا خوذته الصحفية لينحني من أجل تفحص وجوههم للمرة الأخيرة طابعا على جبين الحفيد "أصغر شهيد" قبلة الوداع وعيناه تذرفان دموعا تشربت غبار آثار القصف الذي كسى تقاسيم وجهه المفجوع بهذه المصيبة.
وبما أن القوة تقاس بقدرة التسليم لأمر الله، فقد نجح وائل في إعطاء صورة المقاوم الفلسطيني الفحل الذي عايش أصعب اللحظات، مستجمعا قواه من أجل مواصلة النضال بالكلمة وكشف جرائم العدو الصهيوني ونقلها بدقة متناهية.
مأساتي ما هي إلا جزء من مآسي أهلنا في غزة
استرعانا موقف وائل الشجاع خاصة وأنه عاد إلى عمله النبيل بعد يوم واحد فقط من وقوع الكارثة، قناعة منه بأن مأساته ما هي إلا جزء من مآسي أهلنا في غزة، رغم إصرار العالم صم أذنيه وإدارة ظهره لها.
سألنا وائل الدحدوح عن سرّ قوته في مواجهة هذه المأساة، فكانت إجابته "الحمد لله على كل حال ولا نقول إلا ما يرضي الله إنا لله وإنا اليه راجعون"، لم يخف قوة وصعوبة الفاجعة بالطبع لكن يرى "أن قوة الإنسان تستمد من الله تعالى وبعزيمتنا وقوتنا وتوكلنا على الله وحبّنا لهذا الوطن وانتمائنا لهذه المهنة العظيمة الإنسانية النبيلة وإيماننا الراسخ بأن ما نقوم به هو رسالة إنسانية أمضى من السيف في تبيان الحق وما يحدث على الأرض ونقله إلى العالم وبالتالي نصرة للمظلومين وهذا الشعب ولزوجتي وابني وابنتي وحفيدي وأقاربي جميعا الذين استشهدوا بهذه الطريقة الغادرة".
وبالنسبة لوائل فإن سرّ استجماع القوى المشتتة كان بفضل الله تعالى الذي "أفرغ علينا الصبر وربط على قلوبنا"، مضيفا أنه كان لزاما عليه العودة إلى العمل في لحظة وفاء لدماء أقاربه وللوطن وللشعب المكلوم ولصاحبة الجلالة هذه الرسالة الإعلامية الإنسانية النبيلة، آثرا أن يضمد جرحه النازف ويتركه للزمن.
وفي رده على سؤالنا حول ما إذا كان يرى أن استهداف عائلته كان مدبرا من الأجهزة الاستخباراتية الصهيونية كتهديد لقناة الجزيرة كما كان الحال مع اغتيال الصحفية الراحلة شيرين ابو عاقلة، قال إن هناك بعض الصحفيين الإسرائيليين المطلعين الذين تحدثوا عن ذلك، غير أنه أشار إلى أنه حتى لوكان هناك استهدافا مباشرا لأسرته، فإنه يبقى في آخر المطاف على رأس عمله قائلا "سنكمل الطريق بغض النظر عما حصل، هو جرح نازف نعم، ووجع لن يصمت نعم.. لكننا سنواصل هذا الطريق، ما من خيار أمامنا إلا الاستمرار في هذه الرسالة الانسانية النبيلة وفضح جرائم الاحتلال التي ترتكب بحق أهلنا وأناسنا ووطننا وغزة وفلسطين".
وفي رده على سؤال بخصوص الوحشية الصهيونية التي تعدت الحدود بعد استهدافها للمدنيين، وما إذا كانت إسرائيل قد أمضت على شهادة وفاتها رغم الموقف الدولي الفاضح الداعم للكيان الصهيوني، قال وائل الدحدوح إن الحرب على قطاع غزة لن يكون بالتأكيد كما بعدها، غير أنه أشار إلى أن حجم التعاطف من العالم والإسلامي والشعوب الحرة في العالم والتي تتناقض مع مواقف أنظمتها في الغرب، يدل بما لا يدع مجالا للشك أن هذا الالتفاف حول القضية الفلسطينية مهم وخطوة على الطريق.
وبخصوص الوضع الإنساني في القطاع فقد وصفه وائل الدحدوح بالكارثي والصعب جدا في قطاع غزة، مضيفا أن هذه الحرب الشرسة والضاربة على المنطقة يمكن أن تعكس حجم المعاناة خصوصا مع قرار الكيان المحتل بقطع التيار الكهربائي بالكامل عن قطاع غزة، ومنع إدخال الوقود اللازم لتشغيل توليد محطة الكهرباء ومنع تزويد أحياء ومناطق في القطاع بالمياه ومنع إدخال كل المواد التموينية والاحتياجات الإنسانية والمساعدات الطبية القادمة من معبر رفح عبر قصفه، مضيفا أنه حتى تلك الشاحنات 80 التي دخلت بعد التفتيش لم تحمل على متنها سوى بعض المياه والأكفان والمواد الغذائية ومواد طبية لا تسمن ولا تغني من جوع وهي لا تفي حتى بـ1 من المائة ما يحتاجه الشعب الفلسطيني، بعدما كان القطاع يستقبل في السابق نحو 500 شاحنة محملة بكافة الاحتياجات.
وفي تعليقه حول ما إذا كانت المقاومة الفلسطينية قد كسبت أوراقا رابحة بعد عملية طوفان الأقصى وإمكانية تغير موازين القوى في المنطقة، أوضح الدحدوح أنه في كل حرب هناك مكاسب وخسارة ولكن بالنسبة للشعب الفلسطيني ليس لديه الكثير ما يخسره في ظل الاحتلال الإسرائيلي.