الحفاظ على التراث والذاكرة
لا فرار من الرقمنة واللوغاريتميات تحصين لهويتنا الثورية
- 499
ناقشت ندوة “دور الرقمنة في الحفاظ على التراث والذاكرة، فرص وتحديات”، بفضاء الرقمنة، في صالون الكتاب، أهمية الوسائل الرقمية في انتشار المادة التاريخية ووصولها لخارج الجزائر، مع حفظها والتصدي لأطروحات الآخر المشوهة لتاريخنا الوطني، وتم بالمناسبة، عرض بعض التجارب التي تؤسس لهذه السبل الجديدة، التي أصبحت لغة العصر وأداته.
قدم الأستاذ فاتح بوزاوية، من جامعة “امحمد بوقرة” ببومرداس، تجربته مع مكتبة وزارة المجاهدين، ثم رقمنة التراث وكل ما يتعلق بالثورة والمجاهدين، وأكد أن المتعلم والقارئ الالكتروني يختلف عن نظيره الورقي، وبينهما فجوة كبيرة، فالأول يتصفح البيانات ويصل للمعلومة في وقت وجيز، بفضل الوسائل الرقمية، في حين يأخذ المتعلم الورقي، خاصة إذا كان باحثا أو طالبا، زمنا طويلا للحصول على الوثيقة أو المطبوعة، ويجد نفسه يمر بالضرورة، من المكتبة، لمؤسسات بحث أخرى، وأحيانا إلى مؤسسات بالخارج، وعندما يكون الرد بعد زمن طويل، قد يتفاجأ المعني أن ذلك ليس هو المطلوب، وغير مطابق تماما، ليعيد الكرة، بالتالي فإن الوعي الرقمي اليوم مطلوب وضروري.
كما أوضح المتحدث، أن للرقمنة دوره المهم في حفظ ذاكرتنا الوطنية وتبليغها للأجيال، بل أيضا الولوج عن طريقها للفضاءات الرقمية، للدفاع عنها ونشر قواعد البيانات العلمية المتضمنة بكل ما يخص تاريخ الجزائر، وما فيه من مئات الكتب والوثائق والمقالات والأفلام وغيرها.
الندية الرقمنة تحمي الذاكرة
ذكر الأستاذ بوزاوية أن بعض الكتب ممنوعة من دخول الجزائر، لكننا نجدها متوفرة على المواقع الالكترونية، وقد يتم استغلالها، ما يتطلب الرقابة والتصدي، وأعطى مثالا عن كتب تصف رائد المقاومة الشعبية بوعمامة بأنه مغربي ورمز للمخزن، وهناك أيضا مثال آخر لاستبيان باحث فرنسي، يستجوب فيه أبناء الحركى، لضرب الجزائر بشهادات مغرضة، ما يتطلب كسب رهان الندية الرقمية من طرف قطاعات مختصة، منها وزارة المجاهدين وذوي الحقوق، بالتالي إنتاج محتويات للرد وتنوير الرأي العام، خاصة أن العالم يبحث عن تاريخنا، ويطلب مادة تاريخية دسمة مطلوب منا إيصالها.
عن وزارة المجاهدين، قال إن هناك محاولات لرقمنة الذاكرة، من خلال التسيير الالكتروني للوثائق، منها مثلا المطبوعات والشهادات والمذكرات وغيرها، وتم إنشاء موقع “غلوريوس” المختص في تاريخ الجزائر منذ 1830 حتى 1962، وكذلك تطبيق “تاريخ الجزائر” على الهواتف، مع رقمنة مكتبة الوزارة، ومعها رقمنة الفهارس والملخصات وتحميل الكتب وبرنامج “سنجاب” بالجامعات وغيرها، كتدوين 8 آلاف عنوان بفهرسة آلية، يتم تفحصها عن بعد، كما يتم أيضا تحميل الكتب.
من جهة أخرى، دعا المتدخل إلى ضرورة مراجعة قانون الشهيد والمجاهد وتطويره، لإعطاء مجال أوسع لعملية الرقمنة والذاكرة، علما أنه يتم رقمنة الشهادات الحية ومصادر التوثيق التاريخية، وحاليا نجد 36 ألف شهادة حية مسجلة بوزارة المجاهدين ومختلف المتاحف .
لكل عصر وجيل لغته
عرض الخبير مهدي بن بوبكر، المقيم بكندا، تجربته في هذا المضمار، مبديا اهتمامه بمجال التاريخ والتراث، خاصة أنه ابن عائلة ثورية، يهمه أن يكون تاريخ الجزائر محفوظا ومتاحا في نفس الوقت، مؤكدا أن تجاربه الرقمية تعود إلى عقود في كندا، ابتداء من منطقة الكيبك، حيث العمل على التحول الرقمي، وفي 2015، كان مشروع “الربيع الرقمي” في مونريال، امتد إلى بلجيكا وفرنسا والسنغال ودول أخرى، تعزز هذا البعد الرقمي في فترة “الكوفيد”، حيث توقف النشاط الثقافي وأغلقت المتاحف، تماما كما حدث في الجزائر، وبدأت المتاحف في كندا وبعض الدول، تعرض مجموعاتها بتكنولوجيا وتجربة جديدة مختلفة، فزاد روادها افتراضيا، أكثر من الزيارات التي كانت في الواقع، وامتد زوارها حتى خارج الحدود.
أكد المتحدث، أن التاريخ أصبح يروج بالتكنولوجيا وبمضامين وتقنيات اليوغاريتميات، وبدون ذلك يترسخ الغياب وتسود صورة وكلمة الآخر القوي في هذا المجال، كما هو الحال مع حرب غزة، حيث يتم الحديث بالآلة وحدها، التي تقرأ وتجيب على المتصفح، وهنا حث على أن تكون كتاباتنا التاريخية رائجة في العالم وتصل إليه، خاصة أن العالم يريد المزيد عن تاريخنا، بالتالي “يتعين علينا أن نؤسس مواقع وأرضيات باللوغاريتميات، وقيل إن التاريخ يكتبه المنتصر، لكن اليوم قد تنقلب الآية مع الذي يعي خطورة التكنولوجيا كسلاح فعال”.
بالمقابل، أشار إلى أن التكنولوجيا ليست لعبة، وليست هدفا في حد ذاتها، بل أداة توظف حسب الأهداف والاستراتيجيات، وتستلزم إبداعا ما، مثلا كوضع المادة المراد نشرها مع توابع، كأن نضع نصا تاريخيا مع ملاحق ومع صور ولقطات وغيرها، فمثلا متحف المجاهد ينتشر عبر العالم بمحتوياته، ويقول إن الجزائر بها كنوز، لكن لا تصل للآخر.