حسين أبو النجا يقرأ شعر مفدي زكريا عن فلسطين

غزة والراهن العربي المشؤوم

غزة والراهن العربي المشؤوم
  • القراءات: 672
مريم. ن مريم. ن

استقبل فضاء منتوري بالعاصمة، أول أمس، الشاعر والباحث الفلسطيني المعروف الدكتور حسين أبو النجا، لتقديم محاضرة بعنوان "القضية الفلسطينية في شعر مفدي زكريا"، بدا فيها متأثرا بعدما فقد 73 من أقربائه في غزة جراء القصف، ليسهب، بعدها، في الحديث عن مدينته غزة، وعن الراهن العربي اليوم، مع الوقوف عند مآثر الثورة الجزائرية، التي لاتزال درسا يتعلمه الثوار والأحرار.

في تقديمه الضيف، أشارت منشطة اللقاء فوزية لارادي إلى أن الدكتور أبوالنجا من مواليد سنة 1946، وهو من عرب القبيبة بأولاد شاهين بمحافظة الرملة. تعلّم بوكالة اللاجئين في رفح، ثم بثانوية خان يونس. وتخصص في التاريخ القديم. ومنذ سنة 1967 استقر في الجزائر، والتحق بكلية الآداب بجامعة وهران، ثم بجامعة العاصمة تخصص أدب عربي، ثم تحصّل على دكتوراه دولة في الأدب المقارن، علما أنه قبلها، مارس التدريس بعدة ولايات من الوطن. كما ساير الحركة الأدبية في الجزائر. واحتك بالكثير من رموزها. وكتب في الصحافة. وأنتج الكتب. وتحصّل على الجوائز التقديرية. وقد أحضر الضيف بالمناسبة، آخر إصداراته، وهو عبارة عن دراسة في الأدب الجزائري بعنوان "من غيض ومن فيض".

"أتألم لأني فقدت 73 من أفراد عائلتي بغزة "

في بداية تدخله قال الدكتور أبوالنجا إنه يتألم لفقدان 73 فردا من عائلة أبوالنجا بغزة نتيجة القصف الإسرائيلي، وبالتالي لم يعد قادرا على هكذا لقاءات، ومع ذلك فقد لبى دعوة بيت الشعر، الذي سبق أن كرمه؛ قال:  " الكلام في زمن الموت والإبادة ملهاة، تستدعي البكاء ". كما أكد مدى ارتباطه وإعجابه بالراحل مفدي زكريا في قصائده عن فلسطين والعرب؛ وكأنه كتبها في حرب غزة الحالية، وهذا من شيم الشعراء الملتزمين، المناضلين، العارفين بشؤون التاريخ والقارئين لمعالم المستقبل.

وقال المتحدث إنه اختار مفدي زكريا من بين كثير من شعراء الجزائر الذين كتبوا ولايزالون يكتبون عن فلسطين، منوها بقصائد شاعر الثورة الجزائرية التي تتزاحم فيها معاني الجهاد، والبناء الشعري المميز، وكان يشير إلى القضية كلما توفرت له السوانح؛ بحيث تجده يلتفت إليها هنا وهناك في هذه القصيدة أو تلك ولو من خلال البيت أو البيتين مهما كان الغرض، ومهما كان الموضوع.

لمفدي زكريا قصيدتان طويلتان، إحداهما البائية التي وردت في ديوانه الأول "اللهب المقدس" بعنوان "فلسطين على الصليب "، كُتبت بمناسبة الذكرى 13 عن تقسيم فلسطين. ولاقت الاهتمام في كثير من البحوث. وهناك قصيدة أخرى رائية جاءت في ديوانه "من وحي الأطلس ". وهناك أيضا "تحت ظلال الزينون".

وفي "فلسطين على الصليب" ذات 31 بيتا، ينادي مفدي فلسطين وسط القصف والوغى والجماجم، ويقول في مطلعها:

أناديك في الصرصر العاتية       وبين قواصفها الذارية

وأدعوك بين أزيز الوعي         وبين جماجمها الجاثية

أشار المحاضر إلى أن الملاحظ هنا أن الشاعر يستعين بتكرار النداء حتى في بناء القصيدة أفقيا، وفي الصدر والعجز. واللافت للنظر في هذه القصيدة، أن فلسطين ليست قبلة العرب الثانية، وإنما القِبلة الأولى من باب التقديس؛ حيث كان الحاج الجزائري قديما وهو خارج من مكة بعد انتهاء المناسك، يتوجه، دائما، إلى القدس سيرا، أو في أقل الأحوال، يتمنى الذهاب إلى هناك، ومن ثمة فإن للقدس والجزائر صلات قوية وموغلة في التاريخ؛ فقد كان لهم فيها حارة بجانب حائط البراق منذ أيام صلاح الدين محرر القدس من الصليبيين، بمشاركة أبناء الجزائر والغوث شعيب بن مدين.

العرب لم يكفّروا بعد عن غدرهم لفلسطين

خاطبت فلسطين مفدي زكريا كما خاطبها وقالت:

أيا شاعر العرب، ذكرتني         وهجت جراحي الدامية

لقد كان لي سبب للبقاء            فقطع قومي أسبابية

ورحت أباع وأشترى، كما        تباع لجزارها الماشية

وأشنق في حبل مستعمري        وأصلب في كف جلادية

ويسلبني عزتي غاصبي          وتنهب داري قطاعية

كما توقف المحاضر عند الموقف العربي الذي فرط في فلسطين وتركها تواجه الاحتلال، ساردا بعض المواقف المخزية؛ وكأنه يتحدث عن الراهن المعيش، ومؤكدا أن العرب كما يقول مفدي زكريا، لم يكفّروا بعد عن خذلانهم وغدرهم، علما أن القضية لاتزال حية في الوجدان العربي على المستوى الشعبي طبعا، ومن ذلك الجزائر، التي لاتزال حجر الزاوية. كما جاء في قصائد مفدي زكريا. وأشار الشاعر الراحل إلى أن النصر يصنعه الرشاش المدوي لا الخطابة، وأن فلسطين هي في واد، والعرب في واد آخر، موضحا أيضا أن الانتصارات يصنعها الشعب كما كانت حال الجزائر وليس السادة المترفين اللاهين.

وشهدت المناقشة عدة تدخلات من مثقفين وكتاب معروفين، منهم الدكتور عاشور فني رئيس بيت الشعر، الذي ثمّن الدراسات التي قام بها أبو النجا عن الشعر الجزائري. وقال إن مفدي لم يكن شاعرا فحسب، بل كان مناضلا ومسؤولا سياسيا، مشيرا إلى أن العالم اليوم، يدعم غزة ومقاومتها، وبالتالي عادت القضية للضمير العالمي.

الجزائر تتكفل بشعراء فلسطين لتقديمهم للعالم

صرح الدكتور عاشور فني بأن بيت الشعر سيتكفل رسميا، بطبع دواوين بعض الشعراء الفلسطينيين ونشرها. كما سيقوم بترجمتها إلى عدة لغات، وإطلاقها للعالم، علما أن حركة الشعر العالمية كانت طلبت منه مؤخرا، أسماء ودواوين للشعراء الفلسطينيين ليقرأها العالم. وسيتكفل عاشور فني بترجمة بعضها، تماما كما قال الأستاذ لبتر في ذات اللقاء، إنه ترجم إلى الفرنسية العديد من قصائد الشعراء الفلسطينيين.