الإعلان عن لقاءات مغاربية ثلاثية دورية
استراتيجية بديلة تستجيب لطموحات الشعوب
- 747
تفتح اللقاءات الثلاثية التي تعتزم الجزائر عقدها مع كل من تونس وليبيا كل ثلاثة أشهر، آمالا واعدة لتحريك عجلة التعاون المشترك شفي المنطقة المغاربية، خاصة في ظل الإنسداد الذي يعيشه الاتحاد المغاربي الذي ظل جامدا لعقود من الزمن بسبب الخلافات المصطنعة من قبل أحد أعضاء الاتحاد، ما أعاق أي تقارب اقتصادي بين دول هذا التكتل يساوق المعطيات الاقليمية الراهنة.
تعكس المبادرة التي أعلن عنها رئيس الجمهورية، على هامش اجتماع منتدى الغاز الذي احتضنته الجزائر في لقاء جمع الدول الثلاث، الرؤية الاستراتيجية التي تسعى الجزائر لإرسائها في سياق “سد الفراغ” الذي تعيشه المنطقة المغاربية لسنوات طويلة، والتي على الرغم من ثقلها الاقتصادي والسياسي والأمني، إلا أنها ماتزال بعيدة عن طموحات شعوبها، بسبب عدم تكيّفها مع التحديات الاقليمية و الدولية التي تفرضها التكتلات الاقتصادية التي تميز النظام العالمي.
وبما أن الاتحاد المغاربي مازال منغمسا في سباته، كان لزاما التفكير في بدائل أخرى لا ترهن طموحات الشعوب المغاربية بالنظر إلى التحديات الأمنية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها العالم، والتي ألقت بظلالها على هذه المنطقة، فضلا عن دخول كيان دخيل على المنطقة لا يتوافق مع العقيدة السياسية المغاربية بشكل عام.
والواقع أن التفكير في هذه الصيغة الجديدة لا يتعارض والروح المغاربية عموما، من منطلق أن الرؤية البراغماتية الصحيحة تفرض تجاوز العوامل المعرقلة التي تحول دون تحقيق الاهداف المرجوة، حيث لا يمكن لأي طرف في أي تكتل أن يكبح جماح أي انطلاقة أو يعيق نشاطات المجموعة كلها .
ولعل انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي والسوق الأوروبية عام 2020، بعد عضوية دامت 50 عاما أفضل مثال على استمرار السير العادي لأي اتحاد، حيث لم يكن لذلك أي تأثير على باقي الدول الأعضاء، مما يستدعي استلهام هذا النموذج في الحالة المغاربية.
وسبق للمغرب الذي ظل يشكّل الحجر العثرة لانطلاق الاتحاد المغاربي لأسباب واهية وحجج غير واقعية، أن التحق بتجمعات اقليمية أخرى بعيدة جغرافيا عن المنطقة المغاربية، على غرار انضمامه إلى مجلس التعاون الخليجي عام 2011، في إطار عمل انفرادي خارج عن الإطار المغاربي.
وتأتي مبادرة الجزائر في الوقت الذي تواجه فيه المنطقة تحديات حساسة تشهدها منطقة الساحل، ما يجعل مثل هذه الاجتماعات أكثر من حتمية بالنظر إلى إفرازات هشاشة الأوضاع هناك، خاصة وأن الجزائر وليبيا معنيان بذلك، كونهما تطلان على هذا الشريط الذي مازال يعيش على صفيح ساخن.
وفي انتظار التحاق مرتقب لموريتانيا بهذه الاجتماعات، ستسعى هذه الدول بلا شك لتكييف استراتيجية عملها مع المعطيات الاقتصادية الجديدة، في ظل الاهتمام الذي توليه الجزائر لتعميق التعاون مع الدول الإفريقية في إطار رؤية استراتيجية بعيدة المدى وبديلة عن سياسة الاتحاد المغاربي التي كانت تركز على الضفة الشمالية .
كما يستشف من هذه الخطوة سعي الجزائر إلى توحيد دول المغرب العربي، تفاديا لأخطاء الماضي والتي كانت ضحيتها ليبيا، التي مازالت تعيش أوضاعا سياسية غير مستقرة بعد سقوط نظام القذافي، وتعدد الأجندات الأجنبية التي تحول دون التوصل إلى اتفاق نهائي للأزمة، فضلا عن دعم اقتصادات الدول المغاربية لبعضها بعض في ظل الظروف العالمية الصعبة التي أفرزتها جائحة كورونا والحرب الروسية ـ الأوكرانية.
وباعتبارها أكبر وأقوى دولة في المنطقة، فإن الآمال معقودة على الجزائر للم الشمل المغاربي وتوحيد سياساته واقتصادياته بما يعود بالنفع على شعوب هذه الدول، حيث يشهد لها خلال الفترات السابقة وقوفها إلى جانب جيرانها في مختلف الظروف.