تنفرد بجماليته مدينة تلمسان
الزلّيج "القيراطي".. ممارسة ثقافية وعمرانية
- 527
يشكل الزليج التلمساني تراثا ماديا، تنفرد بجماليته مدينة تلمسان عن باقي أنواع الزليج الأخرى. ويعكس إبداع وموروث العمارة الإسلامية على مر العصور. وقد مرّ تاريخ الزليج في الجزائر بعدة مراحل. ومع العهد الحمادي سنة 1005 الذي تزامن مع بناء قلعة بني حماد، وصل هذا الفن إلى ذروته في الدقة والاحترافية؛ حيث كشفت الحفريات عن استخدامه في تبليط الأرضيات، والجدران، وشبابيك النوافذ.
في القرن 13 عرف هذا الفن ازدهارا كبيرا مع الدولة الزيانية بتلمسان، وفق ما أفادت به محافظة التراث الثقافي ورئيسة قسم البحث والإصدارات والتوثيق بالمتحف العمومي الوطني للآثار الإسلامية بتلمسان، زليخة بن شنافي، وكالةَ الأنباء الجزائرية.
وتتميز هذه القطع الخزفية بتعدد الأشكال والألوان. ويتم تجميعها حسب مخططات دقيقة، تشكل لوحات زخرفية جميلة ذات تصاميم هندسية نباتية أو كتابية. وتُستعمل بشكل أساسي في تبليط الأرضيات، وللأجزاء السفلية للجدران، وأحيانا لتغطية الأعمدة وعتبات الأبواب، استنادا للمتحدثة.
وبغية تثمين هذا الموروث والحفاظ عليه، تنظم مديرية الثقافة والفنون ورشات بالتنسيق مع متاحف الولاية، علاوة على زيارات متكررة إلى الحرفيين ببلديتي ندرومة ومغنية المختصين في صناعة نوع "القيراطي" ، وأيام دراسية حول تاريخ الزليج، وإنجاز كتيّب حوله، حسب المدير الولائي للقطاع.
كما يُرتقب تنظيم ورشات أخرى لتكوين دفعة خاصة من الحرفيين في الزليج، بالمعهد الوطني المتخصص في التكوين المهني والفندقة والسياحة بمنصورة، يضيف المسؤول.
للتذكير، أشار مدير المركز الوطني للأبحاث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ البروفيسور سليمان حاشي، في محاضرة قدمها مؤخرا بالمتحف العمومي الوطني "أحمد زبانة" بوهران في إطار شهر التراث، إلى أن الجزائر قامت خلال شهر أفريل الماضي، بتقديم لليونسكو ملف "فن الزخرفة المعمارية بالزليج"، لإدراجه في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية.
وأوضح أن "الزليج موجود في الجزائر كممارسة ثقافية وعمرانية وفنية في زخرفة المباني. والدليل على ذلك أنه موجود منذ عدة قرون بالمعلم الأثري قلعة بني حماد، التي هي مسجلة كموروث ثقافي مادي في اليونسكو. وموجود أيضا في معالم أثرية أخرى بغرب وشرق البلاد".
وتُعد ورشة صناعة الفخار والزليج التلمساني للحرفي مدلسي جزار سيدي محمد بحي الصفصيف ببلدية تلمسان، من أقدم الورشات التي تهتم بهذا الفن بالمدينة؛ يستغلها هذا المختص لتثمين وتطوير "القيراطي" ، وهو نوع فخم من الزليج.
ويلجأ السيد مدلسي إلى الطريقة التقليدية في صناعة الزليج، معتمدا على عجينة الطين والفرن التقليدي لطهي مربعات الزليج. وقال في تصريحه لوأج إن العائلات التلمسانية أصبحت تطلب كثيرا نماذج تنفرد بها في تزيين بيوتها بالزليج.
وقد ترك هذا الحرفي بصمته في عملية ترميم المسجد الأثري "سيدي إبراهيم" وسط مدينة تلمسان؛ من خلال إعادة بعث الزليج الأصلي "الزمردي" بصورته الأولى، بمادة أولية محلية، وهذا بالتنسيق مع مؤسسة الخزف لمغنية.
ويبقى للزليج مكانة متداولة في الوسط التلمساني؛ إذ يسعى الحرفيون المتخصصون في هذه الحرفة، لتطويره واستحداث نماذج تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتوسيع استخداماته في عملية التزيين مع مؤسسات فندقية بالولاية.