الدكتور ياسين بن عبيد لـ "المساء":

أنا من أنصار الكتابة الأخلاقية وكتابتي عن التصوّف بديهية

أنا من أنصار الكتابة الأخلاقية وكتابتي عن التصوّف بديهية
الدكتور ياسين بن عبيد مؤلف ومترجم وشاعر وناقد
  • 819
حاورته: لطيفة داريب حاورته: لطيفة داريب

❊ ناقشت في كتابي الأخير الأطروحة الحداثية في تناولها المقدس

❊ كيف لي أن لا أكتب عن التصوف الذي تعرّض للظلم ومواقف سلبية!

❊ كل من وظّف معجما غير لائق في قضية "هوارية" أدعوه  لسحبه وترك الاختلاف حيث هو

❊ ترجمت الكثير من الشعر الصوفي إلى الفرنسية

❊على الكاتب أن لا ينحاز إلا لعدم الانحياز

الدكتور ياسين بن عبيد مؤلف ومترجم وشاعر وناقد. يترأس، حاليا، المركز الثقافي بـ"جامع الجزائر". صدرت له عدّة أعمال، آخرها "ثابت في الحقيقة ومتغير النظر في الفكر الديني المعاصر"، وهو بصدد إتمام كتاب جديد بعنوان "التصوّف الناطق.. دور الشعر في تأطير التجربة الروحية مقاربة تأويلية".. "المساء" تواصلت مع الدكتور، وطرحت عليه أسئلة حول كتبه وتخصصه في التصوف، وكذا عن الضجة التي طالت فوز "هوارية" بجائزة آسيا جبار، فكان هذا الحوار.

❊  حدّثنا عن كتابك الصادر حديثا.

❊ كتابي الأخير الموسوم بـ"ثابت في الحقيقة ومتغيّر النظر في الفكر الديني المعاصر"، يدخل في سياق مناقشة الأطروحة الحداثية في تناولها المقدّس؛ أي الموضوع الديني؛ إذ إنّ هناك توجهات في الكتابة العربية تشكل امتدادات للمدارس الغربية في تعاطيها مع المقدس؛ بغية تهديمه. وقد أعينَ هؤلاء الكتاب على الكتابة والنشر؛ لهذا كان يجب التعجيل بإيجاد بدائل لهذه الخطابات على نفس الأسس الأكاديمية، وهو ما حاولت فعله، خاصة أنني أتابع هذه الأقلام منذ مدة طويلة؛ مثل أركون، ونصر حامد أبو زيد، والجابري، الذين لديهم مشكلة مع الدين وليس مع الصبغة الروحانية الموجودة فيه.
أقول إنني إذا أحسنت إليهم الظن دون التغلغل في "أهدافهم الحقيقية"، فإنهم حمّلوا الروحانية مسؤولية التراجع الفكري والحضاري وما إلى ذلك، وأساءوا كثيرا إلى رموز الروحانية الإسلامية بمن فيهم الغزالي، وابن عربي؛ لهذا ناقشت في هذا الكتاب، مرجعية هؤلاء، وتحديدا نصر حامد أبو زيد والخطابات التي نسجوها، وهي في الحقيقة، ليست أصيلة، بل تشكل امتدادات غيرهم، ومناقشتهم في فكرة وجود بدائل في مواضيع لا تستحق البدائل.
والكتاب صدر عن مخبر المثاقفة بجامعة سطيف، وهو موجود في الجامعات، على أن يكون في المكتبات لاحقا.

❊  في خضمّ تأليفك هذا الكتاب، كتبت مؤلفا آخر عن نفس الموضوع؛ أليس كذلك؟

❊ نعم، هذا الكتاب كان سببا في كتابة كتاب آخر حينما مُسّ الإمام الغزالي؛ حيث تناول نصر حامد أبو زيد قضايا من المفروض أن الزمن قتلها مثل قضية الاعتزال، وسماها بالنقد الديني. وأبعد من ذلك، فقد تطرّق لها بشكل غير متحضر، وغير أخلاقي؛ لهذا ارتأيت أن أؤلف كتابا عن الغزالي بعنوان "الإمام الغزالي بين معراج العقل وشرعية الروح" . وقد أتممته قبل كتابي الأخير. وصدر في طبعة جزائرية عن دار "خيال" . وعُرض على دار الكتب العلمية ببيروت، على أن يكون حاضرا في الطبعة المقبلة للصالون الدولي للكتاب، علما أنني طبقت هذه المرة أطروحة الجابري. وقد أؤلف إذا توفر الوقت، كتابا آخر، وهذه المرة عن أركون.

❊ في إطار آخر تماما، صدر لك كتاب عن رحلة ابنتك مع المرض؛ ماذا عنه؟

❊ لا أدري كيف أصف كتابي "نور العبور نحو الأمل"، ولا كيف أرصد مسار ابنتي المريضة منذ لحظة ميلادها إلى الآن، ولا عن تجربتها المريرة مع المرض.. المرض الفيزيائي ومعضلة عدم وجود حلول.
لما تعيّن إجراء عملية جراحية خطرة جدا لها، لم تجد الإسعاف في البلد، فشاء الله أن تتم الأمور خارج الوطن. ولأنّ الوسط الطبي وشبه الطبي والإداري هناك تعاطف معها بشكل كبير، كتبت هذا الكتاب لأشكرهم. واخترت في ذلك اللغة الفرنسية، في انتظار ترجمة العمل إلى اللغة العربية. وقد نُشر هذا الكتاب بدار النشر "البدر الساطع" . وهو يلمّ تفاصيل حياة ابنتي، التي أشعرتني أنها سعيدة؛ لأنها عاشت حياتها بشكل مختلف عن طريق هذا الكتاب؛ ابنتي الصبورة، والذكية، والمؤمنة بالحياة.

❊ كتبت مقدّمة كتاب الفيلسوف الأخضر قويدري "ابن عربي على شواطئ العرفان الأكبري" ؛ ماذا تمثّل لك هذه التجربة؟

❊ أشكر الفيلسوف الأخضر قويدري على إشراكي في مشروعه حول الأكبري؛ أي محيي الدين ابن عربي. وأقول إن الكون الأكبري غامض وصعب وغير متاح لأكثرية من الناس حتى للمتخصصين.
فضيلة هذا الكتاب الذي صدر عن المكتبة الفلسفية الصوفية، أنه استطاع أن يُنزل الكثير من المعاني العالية والبعيدة، إلى ثقافة اليوم، وجيل اليوم بلغة بسيطة.
كما لم يقل صاحب الكتاب إنه عبّر عن الحقائق الصوفية، لكنه كتب عن تقريبات يحتاج إليها المتخصص في الصوفية، وحتى الفضولي بلغة تسهّل الاقتراب من هذا الكون.

❊ آخر ديوان شعر نشرته كان "حدائق المعنى" ، هل سيكتب بن عبيد الشعر مجدّدا؟

❊ "في ظني أن "حدائق المعنى" الصادر عن دار "الوطن اليوم"، هو آخر العنقود.
لم يعد لديّ استعداد لأن أكتب المزيد من الشعر؛ يعزّ عليّ أن أفارق هذه المنصة التي كانت منبري إلى الكثير من الأوساط في موضوع يختزل، بدوره، مواضيع كثيرة؛ نعم هو لسان الروح. شيء يقول لي إنّ ما يجب أن أقوله قلته.

❊ كتاب آخر صدر لكم بحجم صغير هو أيضا عن تجربة عائلية، ممكن معلومات عنه؟

❊ كتابي "فارس في مملكة الغيم" يُعدّ تجربة معيّنة في الكتابة، ما كنت أحسب أنني أكتبها. رافقت ابني إلى العلاج، ولم يسمح لي بالبقاء معه، فتواردت إلى  ذهني خواطر استغربتها، وسارت على الورق بشكل يختلف عن أسلوبي في الكتابة، فوجدت نفسي أكتب سيرتي، أو يكتب غيري سيرتي؛ وكأن الكاتب الحقيقي كان ابني، وأنا سكرتيره. والمتوجّع كان أنا. والكاتب كان غيري.

❊ كتبت أكثر من مؤلَّف عن المتصوّفة؛ هل بغرض إبراز فكر البعض منهم، خاصة الذين رفضوا الكتابة عن أفكارهم؟

❊ ظاهرة العزوف عن الكتابة عند المتصوفة ليست ظاهرة شاملة؛ بعضهم لم يكتب ولكن لم يرفض أن يكتب تراثه، وقد كُتب.
عن جلال الدين الرومي مثلا، ما نقرأه من مثنوي وأدبيات الطريقة المولوية لم يكتبه هو، وإنما تكفّل به ابنه؛ لهذا أؤكد أن المتصوفة ليس لهم مشكلة مع الكتابة.
وبالمقابل، انغمست في التجربة الصوفية إلى حد الاستغراق منذ المراهقة. حبّ هذا الكون والاستغراق فيه أثمر قضية الكتابة. وأنا لست دخيلا عن هذه التجربة. وقد كتبت في مواضيع متعدّدة؛ فكيف لي أن لا أكتب عن التصوّف الذي تعرّض للظلم، ومواقف سلبية نتيجة سوء الفهم والتقدير؛ لهذا دافعت عن انتمائي، وعن أناس أحببتهم وسرت في مسارهم. كما إنّ الكثير من الناس يطالبون بالحقيقة، ووجدوها في هذا الفضاء.

❊  حدثت ضجة كبيرة حول رواية "هوارية" لإنعام بيوض بعد فوزها بجائزة آسيا جبار. بحكم أنكم كتبتم في النقد الأدبي، هل تعتقدون أن ما حدث "ظاهرة صحية"؟

❊ الاختلاف في الآراء ظاهرة صحية، لكن إذا انجرّ إلى الفوضى والشتم واستعمال الألفاظ النابية مثل تلك التي ضمتها رواية "هوارية" ، يصبح ممنوعا.
الاختلاف طبيعي، ويستمد قوّته من ذاته، لكن ممنوع تجاوز العتبة الأخلاقية؛ لأنّ الكتابة فيها ميثاق شرف؛ لهذا أدعو إلى مسؤولية كلّ من وظّف معجما غير لائق، إلى سحبه، وترك الاختلاف حيث هو.

❊ ما تقييمك للرواية؟

❊ قرأت الرواية. أنا من أنصار الكتابة الأخلاقية؛ يجب أن يكون النقد أخلاقي. ونفس الأمر بالنسبة للمنجز الإبداعي.
أكذوبة كبيرة من يتبع مقولة الأصمعي التي يقول فيها: "إنّ الشعر كلما حسن موضوعه سقط فنيا"، أو من يقول إن بودلار الشاعر الذي أحدث نهضة في شعر فرنسا، كان يكتب، فقط، شعرا غير أخلاقي؛ غير صحيح. فالناقد هنا يجب عليه أن يلم بتفصيلات التجارب، وأن لا ينحاز إلاّ لعدم الانحياز. كما إن الموقف المسبق والركض حول الشاهد الجزئي لتبرير المواقف السيئة، غير مقبول؛ فالكاتب الكبير هو من ينقل الواقع بلغة مهذّبة. مشكلتي أنا مع اللفظ وليس مع الواقع. وما حاجتنا في تعرية واقع هو في الأصل معرَّى؟! وبالمقابل، لماذا أجازت اللجنة المشكّلة من أسماء محترمة، هذه الرواية؛ هل كان ذلك بدافع إيديولوجي؟ لا أعتقد ذلك؛ لأنّ الكثير من الأعمال والكتّاب لهم مشاركة في هذه الإيديولوجية. هل كان ذلك بدافع اجتماعي؟ أرى أنّ المجتمع الجزائري على مرأى الجميع بمن فيهم المسؤولون، الذين يدركون النقائص، وليسوا بحاجة لأن يُكتب عنها.

❊ لك العديد من الترجمات؛ كيف كانت الانطلاقة من هذا الباب؟


❊ الانطلاقة كانت من دراستي في جامعة فرنسا بعد حصولي على الليسانس بجامعة سطيف. وقد كانت حول ترجمة الأدب الصوفي الجزائري، وتحديدا الشعر الصوفي الفصيح من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية.
وقد أشرف على مشروعي المستشرق الكبير لوك دوفالز، الذي درست عنده في معهد اللغات والحضارات الشرقية. وحتى مذكرة التخرج كانت نشيطة جدا، وموازية للآفاق الأخرى التي تُعنى بالقراءة، والتلخيص، والمراجعة، وتشكيل الآراء والمواقف؛ فالترجمة حاضرة في هذا الجزء من التراث الصوفي الجزائري، الذي ترجمته إلى اللغة الفرنسية من هذه البوابة.