أرملة وابنة الفنان التشكيلي الراحل لزهر حكار لـ’’المساء":

دعوة لردّ الاعتبار لفنانٍ رسم الأحداثَ الكبرى للجزائر

دعوة لردّ الاعتبار لفنانٍ رسم الأحداثَ الكبرى للجزائر
الفنان التشكيلي الراحل لزهر حكار
  • القراءات: 646
لطيفة داريب لطيفة داريب

❊ الوحيد القادر على ملء متحف بجزء من لوحاته بكلّ يسر

❊ فنان يستحق تكريما أفضل وتقديرا أكبر وعرفانا أوسع

❊ 90 عملا للفنان الراحل بمتحف الفنون الجميلة إلى غاية 31 أوت الجاري

دعت أرملة وابنة الفنان التشكيلي المرموق الراحل لزهر حكار، إلى رد الاعتبار لهذا الفنان، الذي كان باستطاعته ملء متحف بأكمله؛ بعرض جزء، فقط، من لوحاته. كما إن اسمه مذكور في القاموس العالمي للفنانين التشكيليين، علاوة على كونه الفنان التشكيلي الذي رسم كل الأحداث الكبرى التي عرفتها الجزائر.

تحدثت السيدة نوال ابنة الفنان التشكيلي الراحل لزهر حكار إلـى "المساء" ، عن أثر والدها الذي خلّفه بعد رحيله عن دنيانا، فقالت: "لقد كان والدي فنانا فذّا؛ فهو الوحيد الذي كان قادرا على ملء متحف بجزء من لوحاته بكل يسر. كما يحتفظ القاموس العالمي للفنانين التشكيليين، باسمه" . وأضافت أن والدها رسم الأحداث الكبرى التي عرفتها الجزائر سواء التاريخية منها، خاصة المتعلقة بالحرب التحريرية، أو حتى الشعبية، التي مست المجتمع الجزائري في صميمه، وأخرى متعلقة بتراثنا الأشم، وغيرها، فكان، بالفعل، شاهدا أمينا على التطورات الحاصلة في البلد، وهو ما رأته "أمرا استثنائيا". ولهذا دعت رفقة والدتها عبر منبر المساء"، مؤسسات الدولة، إلى اقتناء أعمال والدها، خاصة اللوحات كبيرة الحجم؛ حتى لا تموت في البيت العائلي أو ورشة والدها، أو حتى عند الخواص، مؤكدة ضرورة أن تبقى هذه اللوحات حية، وشاهدة على الأحداث الكبرى التي عرفتها الجزائر؛ مثل مظاهرات 8 ماي 1945، والتجارب النووية في رقان، وفيضانات باب الواد، وزلزال بومرداس.
وتحسرت المتحدثة لقلة الاهتمام بالمعرض المنظم حاليا بمتحف الفنون الجميلة لأعمال أبيها لزهر حكار، علما أن هذه الفعالية من تنظيم وزارة الثقافة عبر المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر، لتتذكر أيام تنظيم والدها معارضه، التي كانت تستقطب السلطات المختصة والجمهور بشكل كبير.  وفي هذا قالت إن والدها يستحق تكريما أفضل، وتقديرا أكبر، وعرفانا أوسع مما عليه الآن، حتى إنها لم تشعر باختلاف بين وجود اللوحات في المعرض، أو حينما كانت مخبأة في البيت العائلي. وأكدت بكل تواضع، أن والدها يُعدّ علَما من أعلام الجزائر، وأنها ستعمل جاهدة على نقل المعرض هذا إلى قصر الثقافة لتقديم المزيد من الإضاءة للوحات والدها. وبالمقابل، قالت أرملة الفنان لـ«المساء" إنّها تُعنى بلوحات زوجها الراحل، لتضيف ابنتها أنّ ذلك ليس بالأمر السهل، لتطالبا معا الدولة بشراء لوحات لزهر حتى يطول عمرها، وتُعرض أمام الغير، علاوة على كونها ترجمة لمختلف الأحداث التي عرفتها الجزائر، وكذا للتأكيد على قيمتها الفنية العالية.
وتُعرض بالمعرض أقل من ثلث لوحات لزهر، حسب تصريح نوال حكار، التي استرجعت ذكريات الماضي حينما تخلى والدها عن عمله المنتظم لصالح الفن، وكيف أن هذا القرار ترتّبت عنه نتائج مسّت جميع أفراد العائلة. كما تحدثت عن التهديد الذي طال والدها من طرف الإرهاب .
ويُعرض بمتحف الفنون الجميلة أكثر من 90 عملا للفنان الراحل لزهر حكار، اختلفت مواضيعها، وأحجام لوحاتها، وحتى التقنيات المستعملة فيها؛ مثل لوحة "خنشلة ليلة 54"، و" ماي 1945"، و"خنشلة محاطة بالأسلاك الشائكة"، و"فترة عصيبة"، و"وصول إلى سيدي بوسعيد"، و"الموجة"، و"شجرة الحياة"، و"أفق ضبابي"، و"بصمة"، و"رسائل لحيزية"، و"خيالات متمردة"، و"ذاكرة الأطفال"، و" أسطورة نسوية"، و"لحاء الذاكرة59"، و "حرق الوقت"، و"ألم".
كما يُعرض في هذا المعرض الذي تدوم فعالياته إلى غاية 31 أوت المقبل، رسومات حكار، وكتبه، ومنحوتاته، وصوره.

لزهر حكار.. الفنان شاهد على الأحداث الكبرى للجزائر

يرحل الفنان من الدنيا مثل كل إنسان، لكنّه يترك خلفه أعمالا تخلّده وتجعله حيا إلى أن يأذن الله بيوم البعث، وهكذا توفي الفنان التشكيلي لزهر حكار عام 2013 عن عمر ناهز 67سنة وفي جعبته كمّ هائل من المشاريع الفنية، التي كان مقرّرا تجسيدها في الواقع، علاوة على كل المعارض التي نظمها في حياته، والتي كانت تجلب الحضور الغفير؛ سواء من الجمهور، أو حتى من السلطات المختصة في الثقافة.
لزهر حكار كان صرح لـ«المساء" على هامش آخر معرض فني نظّمه بالمتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر، عن رغبته في تنظيم معرض بعقر دار فرنسا؛ حتى يبرز لها من خلال لوحاته، مدى بشاعة جرائم المحتل الفرنسي في حق الجزائريين، لكنه مات قبل تحقيق هذا الحلم. ولم يشأ لزهر حكار أن يكون مثل أيّ فنان تشكيلي يرسم مواضيع محددة بأساليب فنية معيّنة، بل ارتأى أن يكون فنانا يرسم كل حدث كبير عاشه شعب بلده؛ سواء كان مفرحا أو حزينا؛ لأنّه إنسان أمين، وفنان صادق، أراد أن يرفع راية بلده عاليا، وقد حقّق هذه الغاية. وتخلى عن عمله في المصنع بعد عودته من تنظيم معرض بموسكو عام 1986، حينما شاهد بأم عينه تكريس الفنانين الروس حياتهم للفن والصمود أمام كلّ الصعوبات، فقرّر أن يرسم وفقط ... تحديدا كل ما يتعلّق بشخصيتنا، وأصلنا، وقضيتنا لتقديمه للثقافة العالمية. حكار كان صرح لـ«المساء" بأنّ العالمية تبدأ من أنفسنا. كما طالب بالاهتمام بثقافتنا، وسيتحقّق ذلك من خلال بذل جهد معتبر ومتواصل حتى لا نخطئ الهدف ولا نندم .
وحاول حكار من خلال أعماله، نقل الماضي العتيق إلى المستقبل الوشيك، معتبرا نفسه الجسر الذي يصل الماضي بالمستقبل؛ فهو جسر متحرّك، يأخذ من رموز وأشكال تراثنا الأصيل، ويزيّن به حاضرنا الصعب، ليعطي نفحات من الأمل لحياة الغد.
نعم.. علِم حكار أنّ الفن قضية جادة، وجادة جدا. وكلّ عمل يقوم به هو جزء من ذاته؛ من جذوره الشاوية ومن أعماقه؛ من ثقافته، ومن قيمته، مؤكّدا أن المستقبل للثقافة، وهو منير لا شكّ في ذلك.

الرسم... رسالة

لقد اتّجه لزهر إلى الفن، ولم يتوقف عن الرسم إلى آخر يوم من حياته. كان يرى في الرسم رسالة عليه أن يؤديها، وقد صرح بذلك في أكثر من حوار أجرته معه "المساء" ؛ فكأنه في مهمة لا بدّ له من تأديتها بشكل متقن وعميق. ولم يتوقّف عن الرسم حتى حينما عاش عشر سنوات في سيدي بوسعيد (تونس)؛ لقد عانى، فعلا، من تبعات الإرهاب.
لقد رسم لزهر رقان، وحيزية، وتراث الشاوية، وأحداثا تاريخية، وأخرى عن الكوارث الطبيعية التي عرفتها الجزائر. ورسم، بالأخص، الإنسان؛ عن كمية العذاب التي تتغلغل فيه، وكذا اللامبالاة التي يمكن أن تصيبه تجاه أخيه الغارق في الهم.. نعم رسم حقيقة الإنسان، متجاوزا واجهته، ومتغلغلا في أعماقه.