رفعت راية الأخلاق الأولمبية
خليف تنتصر لشرفها وتثبت أحقيتها بالذهب
- 490
دوّنت الملاكمة إيمان خليف اسمها بأحرف من ذهب في تاريخ الأولمبياد؛ بوصفها أول جزائرية وعربية تتوَّج بالميدالية الذهبية في الملاكمة لوزن 66 كلغ، بفوزها في المنازلة النهائية على الملاكمة الصينية، يانغ لي، بإجماع الحكّام، لتهدي الجزائر ميداليتها الذهبية في الأولمبياد، وتنتصر لشرفها وكرامتها بعد كل ما تعرّضت له خلال دورة باريس 2024.
بهذا الإنجاز التاريخي تكون الملاكمة إيمان خليف انتصرت لشرفها وكرامتها خلال أولمبياد باريس 2024، بأبعاد عالمية وتاريخية، خاصة أنه سبق لها أن أدلت بتصريحات قوية بعد منازلتها النهائية، عندما وجّهت رسالة أخلاقية، تضمّنت دعوة إلى وقف الإهانات التي يتعرّض لها الرياضيون في المنافسات الدولية؛ في رسالة مؤثرة تحمل كل قيم الميثاق الأولمبي، والمبادئ السامية للرياضة.
وأبانت خليف عن تفوّق كبير على كل منافساتها في وزن 66 كلغ. وفازت بكل منازلاتها بإجماع الحكام؛ ما يؤكد نجوميتها وقوّتها الكبيرتين خلال أولمبياد باريس، واستحقاقها هذا الذهب الأولمبي؛ عطفا على مسيرتها الملهمة.
وامتلأت قاعة ملعب "فيليب شارتيي" برولان غاروس، بآلاف الجزائريين، الذين تنقّلوا بقوة لمساندة خليف، خاصة من أفراد الجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا، كما حدث منذ انطلاق أول شرارات الكراهية والعنصرية ضدّها.
وتحولت إيمان خليف (25 عاما) رغما عنها، إلى موضوع الجدل الأول خلال أولمبياد باريس. ولاقت هجوما قاسيا وخارجا عن النّص من طرف العديد من المشاهير والهيئات والسياسيين، إلى درجة لامس فيها ذلك الهجوم حدود العنصرية المقيتة، والتمييز الصارخ والتنمر، بعد أن تمّ التشكيك في أهليّتها للتنافس مع السيدات.
وحبست الجزائر أنفاسها على وقع نبضات قلب الملاكمة إيمان خليف؛ إذ تابع الملايين منهم منازلتها النهائية وسط أجواء قريبة جدا من أجواء ملاعب كرة القدم الجنونية؛ حيث نُصّبت العديد من الشاشات العملاقة في الأحياء وبعض الساحات؛ لمتابعة البطلة الأولمبية. والبداية كانت من قريتها الصغيرة بيبان مصباح بولاية تيارت، التي تابع أهلها منازلة ابنتهم ورمزهم بشغف وحماس كبيرين.
ولم يسبق أن وصلت درجة الشغف والحماس والمتابعة لرياضة معيّنة من الجماهير الجزائرية، تلك التي وصلت إليها منازلة الملاكمة إيمان خليف. وشبّهها كثير من الجزائريين بما يحدث عندما يتعلق الأمر بمتابعة المباريات المصيرية لمنتخب الجزائر الأول لكرة القدم؛ ما يؤكد الزخم الذي تَسبّب فيه الهجوم القاسي على إيمان خليف، ووحّد الجزائريين خلف الملاكمة المكافحة.
رابع رياضية جزائرية تتوَّج بالذهب
باتت الملاكمة إيمان خليف رابع امرأة ورياضية جزائرية تتوَّج بالميدالية الذهبية في الأولمبياد، لتدخل بذلك اللائحة الضيّقة للبطلات الجزائريات في الأولمبياد. وهي الرياضية الثانية التي تنال هذا الشرف في أولمبياد باريس بعد الجمبازية كيليا نمور، التي تُوّجت قبل أيام، بميدالية جهاز المتوازي مختلف الارتفاعات.
وكانت أسطورة ألعاب القوى الجزائرية حسيبة بولمرقة، أول رياضية جزائرية تتوَّج بالذهب الأولمبي، وكان ذلك في سباق 1500 متر في دورة برشلونة 1992، قبل أن تكرّر العدّاءة بنيدة نورية مراح نفس الإنجاز وفي نفس الاختصاص، خلال دورة سيدني 2000.
الاتحاد الدولي يسقط بالضربة القاضية
يرى متابعون أن رغبة اللجنة الأولمبية الدولية في إنشاء اتحاد ملاكمة جديد، بمثابة انتصار للملاكمة الجزائرية إيمان خليف، التي أسقطت اتحاد الملاكمة الدولي الحالي بالضربة القاضية، بعد تتويجها بالذهب داخل الحلبة، وأمام بطلة العالم الصينية يانغ لي، بتزكية جماعية من الطاقم التحكيمي.
وتسلّحت الملاكمة الجزائرية بإرادة من حديد وإصرار شديد؛ من أجل الردّ على حملة الظلم والتنمّر التي تعرّضت لها منذ بداية الأولمبياد، والتي تسبّبت في ذرفها الدموع خلال مواجهتها الملاكِمة المجرية لوكا هاموري في الدور ربع النهائي؛ إذ لم تتقبّل خليف كل العبارات العنصرية المغلّفة بخطاب الكراهية والتنمّر، التي طالتها في منصات التواصل الاجتماعي، والتشكيك السياسي والإعلامي فيها.
وتشهد العلاقة بين اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي للملاكمة، توترا كبيرا منذ سنوات، ازداد بعد الصراع الروسي الأوكراني في فيفري 2022؛ لتجرّد اللجنة الأولمبية الاتحاد الدولي للملاكمة من أهليته كهيئة عالمية حاكمة للعبة؛ بسبب قضايا تتعلق بالحوكمة والتمويل، لتتولى اللجنة إدارة منافسات الملاكمة في أولمبياد باريس 2024.
وكان الاتحاد الدولي للملاكمة قال على لسان الدكتور فيليباتوس، إنّ إيمان خليف ولين يو-تينغ ليستا أنثيَين من الناحية البيولوجية. ووجّه انتقادا للجنة الأولمبية الدولية؛ لاعتمادها على جوازات السفر في تحديد الجنس.
وسبق وأقصى الاتحاد الدولي للملاكمة إيمان خليف من بطولة العالم في العام الماضي؛ لمزاعم واهية.
وقال الروسي عمر كريمليف، رئيس الاتحاد الدولي للملاكمة، خلال مؤتمر صحفي، "السماح لخليف بالمشاركة في البطولة يمثل نهاية الملاكمة النسائية، ويكرّس مفهوم عدم المساواة.. وهذه الأشياء حدثت خلال وجود السيد توماس باخ على رأس اللجنة الأولمبية الدولية".
دعم قويّ ..دولةً وشعبا
حظيت إيمان خليف بدعم جزائري رسمي وشعبي منقطع النظير؛ حيث التفّ حولها كل الجزائريين من أجل دعمها. ودافعوا عنها ضد كل المشكّكين، وحوّلوا منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، إلى ميدان لردّ الاعتبار لها، منتصرين لشرفها وكرامتها كسيدة جزائرية، كافحت للوصول إلى أعلى درجة في الألعاب الأولمبية.
وحوّلت نائب بطلة العالم لعام 2022 هذا الدعم إلى مصدر قوّة وإصرار شديدين على تقديم أفضل ما لديها داخل الحلبة، وهو ما اعترفت به إيمان خليف خلال تصريحاتها المختلفة منذ بداية الأولمبياد، عندما أكّدت أن دعم الجزائريين لها يزيدها قوّة وإرادة وقتالية، وأنّ هدفها هو إسعادهم، وإدخال البهجة إلى قلوبهم.