كتاب جديد للدكتور عبد القادر فيدوح

سردية السياسة في الرواية العربية

سردية السياسة في الرواية العربية
  • القراءات: 1136
 لطيفة داريب لطيفة داريب

كشف الدكتور عبد القادر فيدوح لـ "المساء" ، صدور كتابه الجديد (سردية السياسة في الرواية العربية) عن دار نشر صفحات (سوريا)، الذي سيشارك به في مختلف المعارض الدولية للكتاب.
ورد في مقدمة كتاب (سردية السياسة في الرواية العربية) للدكتور عبد القادر فيدوح، أن مصفوفة الدراسات الثقافية تقوم على ظاهرة التمثيل الثقافي؛ من خلال مستويات العملية التواصلية بين الواقع والتمثيلات النمطية التي تجسِّدها مؤسسات السلطة بكل أشكالها الشمولية، حين تضع المجتمع تحت تأثير التابع، وفاعلية تأييده القسري؛ ابتغاء اقترانه بقوة النفوذ المتمادي في الغواية؛ سعيًا إلى التحكم في تجليات الأنساق الثقافية والاجتماعية بحضور تمثيلي.
وأضاف الكاتب في مقدمته: " غالبا ما تكون هذه الأنساق تحت طائلة الانصياع للصلاحية، التي تتخذ من الوعي الاجتماعي بكلياته، موضوعا للاحتواء والاستئثار، وهو ما أفرز حضور الضمير الواعي، أو ما يمكن أن نطلق عليه بالمثقف المُمانع، الذي يعهد إليه حمل التساؤل؛ لمواجهة استحكام هذا النفوذ، أو هو "المثقف الفاعل"، الذي يقوم بدور تنوير الوعي، وتمكين المرء من إدراك ذاته؛ حتى يكون ممثلَ المجتمع ثقافيا، وموجهَه الفكري؛ لمُناكَفَة نفوذ الفعل السياسي؛ لما له من سمات ثقافية متماثلة في الأنساق المضمرة، بوصفها نقدا ثقافيا سياسيا، مرتبطا بالنسق الكلي لأي إيديولوجية ".
وتابع أن هذا المثقف الذي من شأنه أن يعرِّيَ المؤسسات الدَّعِيَّة بخاصة تلك التي تتجاذب فيها المصالح، ما يشكل بالنسبة للفنان على وجه العموم، وضعاً قلقًا من شأنه أن يستثيره، ويدفع به إلى تحمُّل عبء مسؤولية الضمير الحي، الذي يبحث فيه عن المصير المشترك، ولن يكون في وسعه سوى مخالفة قواعد الأنظمة الجائرة، التي عوّدت المجتمع على الامتثال، والانقياد.
أما الروائي فيبحث في ما هو موجود في الوجود؛ ليتطلع به إلى استشراف المعالي، ملتمساً السعي إلى تعرية القواعد الصُّورية التي تجيزها قواعد السلطة، ومتطلعًا - بمبتغاه هذا - إلى رؤية مسبقة، رؤيا استشرافية، تسلط الضوء على الرغبات التوَّاقة إلى السموّ؛ وإذ ذاك يدافع الروائي على البُغْية المشتركة، كما لو أنه يدافع عن مصيره، أو ينافح عن مبتغى ما ينتظره الضمير الجمعي منه، على النحو الذي يمليه الشرط الإنساني.

سبل صناعة سردية السياسة

كما تُعد سبل "صناعة سردية السياسة" - حسب الدكتور - نمط تأديةٍ ثقافيةٍ مخصبةٍ بما تمليه الخيارات القيادية بالروابط المجدية، المعَدَّة بإحكام؛ رغبة في الوصول إلى مواقف رشيدة، على وَفق القيم والمعايير الوجيهة.
وتبعا لذلك، فإن الانتهاج الأمثل لوجهة "صناعة سردية السياسة"، يكمن في محاولة خلق الانسجام مع الأوضاع التي تجول بالواقع، وتطوف بمخيلة المبدعين؛ من باب التأثر والتأثير؛ الأمر الذي يكسب مدوّنتهم الفنية مضامين اجتماعية، وثقافية، وسياسية؛ إضمارًا أو إبانة.
وأضاف مجددا أن موضوعة [تيمة] سردية السياسة – في هذه المدونة - تضعنا أمام مفارقة المتناقضين؛ تأسيساً على ما تمليه أرضية الواقع المتضارب بين ما هو اجتماعي، وما هو سياسي، على الرغم من أن كلاًّ من المسارين يسعى إلى إرساء قواعد مجدية، تتحقق فيها مقومات الخلاص الإنساني المكتفي، والانكشاف السياسي الأوفر، بعيدا عن أطياف الصراعات المتباينة، والاختلاجات المتعاظمة، أو بكل ما تتضمنه من معنى المعارضة، أو الاحتجاج بين خصوصية السرد وانفراد السلطة بالمواقف، ضمن تجليات الثقافة السياسية، بوصفها تمثلاتٍ نمطيةً، تختزل [الثقافة/ سياسة]، وتحكمها مجموعة من القيم والضوابط، من شأنها أن تساهم – بدافع التأثير – في إنتاج موضوعات فنية وفكرية.
وعلى هدي ما سبق، تبدو "موضوعة" صناعة ثقافة السرديات السياسية، وتسليعها، منتشرة عبر وسائل التواصل، التي يتم من خلالها انتقال المعلومة بشتى السبل، حسب طبيعة الاتصال أو التواصل، وغالبا ما تقع تحت تأثير ضغوط السلطة، وإكراهات السياسة العسِفة؛ بالنظر إلى ما تمنح المتلقي من دوافع الاختلاف، ليصبح الوعي بجميع أشكاله منقسمًا إلى نمطين متعارضين، وأن كلاّ منهما يُثابِر على تأكيد ما يمتلكه من ناصية سبيل الصواب؛ حيث يعتقد كل طرف أنه على هداية، في مقابل أن كلاّ منهما يتجاهل رشد الآخر، أو غضاضته، على الرغم من اعتماد الطرفين وسائل الاستدلال، وبهذا المعنى كانت المفارقة بين ما هو ثقافي وما هو سياسي، متذمرة. وفي هذا ما قد يوضح أهمية التباين والاختلاف لإعادة رسم الواقع، حين يريد النظام أن يعيد نفسه بجميع مكونات السلطة، على خلاف ما يراه الطرف الثاني؛ بربط الإنسان النهضوي بالفاعلية التواصلية "المشتركة"، التي تجعل من الوعي سؤالا مفتوحا يقوم في العقل، الذي ينكر أسطورة الاقتداء بالصلاحية المتمادية؛ "بقول الشيء والإيحاء بقول نقيضه".
ويبقى السؤال الملحّ على طلب الصواب: هل تعبّر الرؤية السردية – بوصفها ديوان مواجع العرب – عن الوضع الاجتماعي بما يكفي؟ وهل يمكن المجتمع أن يطمئن إلى المخيال السردي؛ بما يؤهل الروائيين لأن يُعربوا عن استجابة الوعي الثقافي، وتمثيله على نحو ما هو مطلوب، وجريا على سياق إضاءة المصالح بعقلانية، والارتقاء بالشراكة المجتمعية، وتعزيز الانتماء؟ وهل ثمة تطلُّع واضح للرؤية السردية في مواجهة السلطة المتلاعبة بالوعي؟ يتساءل فيدوح.