معرض "الريشات الثلاث" بمؤسسة "عسلة"

قرمي وباش سايس وخماشو.. الحياة بعدة أوجه

قرمي وباش سايس وخماشو.. الحياة بعدة أوجه
  • القراءات: 487
لطيفة داريب لطيفة داريب

للحياة عدة أوجه مليحة، من بينها التحولات التي يمكن أن تُحدثها في الإنسان الذي يتغير قدره بشكل لم يكن يتوقعه بالمرة، فيجد نفسه في مسار مختلف عن سابقه، قد يكون أفضل بكثير مما كان متعودا عليه. هو حال الفنانات مليكة قرمي وفريدة باش سايس وخماشو جميلة، اللواتي يعرضن لوحاتهن حاليا بمؤسسة "عسلة" إلى غاية الخامس من أكتوبر المقبل، تحت شعار: "الريشات الثلاث".

كانت مليكة قرمي تعمل في الإدارة، وفجأة أصابها اضطراب في السمع، أجبرها على التخلي عن هذا العمل الذي كان روتينا بالنسبة لها، ولم تكن تجد راحتها فيه. ولأنها لم تكن تريد المكوث في البيت في سن الثلاثين، وبعد عدة عمليات جراحية على مستوى الأذن، توجهت إلى جمعية الفنون الجميلة التي لم يكن مقرها بعيدا عن سكناها، والتحقت بقسم الرسم، وهي التي لم تكن تعرف حتى كيف تمسك القلم، لتتدرج في تعلم تقنيات الرسم، وتتحول من امرأة لم تكن لها علاقة مباشرة بالرسم، إلى فنانة تشكيلية، ترسم بمختلف التقنيات وتعرض أعمالها أمام الجمهور.
هي مسيرة فنية تجاوزت 23 سنة، قصتها على "المساء، الفنانة مليكة قرمي، التي تعرض لوحاتها بمختلف التقنيات في مؤسسة "عسلة"، من لوحات زيتية تشكل بداياتها في الرسم، وأخرى منجزة بتقنية الباستال وثالثة بالأكريليك، وبالأخص تلك التي تعتبرها تخصصها الحالي والمشكلة من المنمنمات والخط العربي التي أعدتها بتقنيتي الأكوارال ولاقواش.
عرفت مليكة" المساء"، بعض التقنيات التي اعتمدت عليها في إنجاز هذه اللوحات، مثل لوحة "الطبيعة الصامتة" التي رسمتها بالباستيل، وأخرى حول باقة من زهرة الميموزا، أنجزتها بتنقية الأكريليك، إلا أنها توقفت مطولا عند لوحاتها الثلاث في فن المنمنمات، من بينها لوحة عن احتفالات غرداية، رسمت فيها شخصيات قزمة بعلو لا يزيد على سنتيمترين أو ثلاثة، ولا يمكن رؤية ملامحها بدقة إلا باستعمال العدسة المكبرة.
وفي هذا قالت مليكة، إنها حينما زارت غرداية، انبهرت بحدائقها الغناء التي لا تظهر خارج أسوار المدينة، خاصة أزهارها الفواحة وفواكهها اللذيذة، وقد استعملت تقنية الأكوارال في رسم الحديقة وتقنية لاقواش في رسم الشخصيات.
كما تعرض الفنانة في هذا المعرض، أكثر من لوحة في الخط العربي، الذي تريد أن تتخصص فيه، تحديدا في الخط المغربي، علاوة على مواصلتها رسم المنمنمات التي تعشقها أيضا، مضيفة أنها تستعمل في الخط العربي، الورق المقهر الذي تصنعه بنفسها، وهو عبارة عن ورق "كانسون"، تضع عليه عبر مراحل، القهوة والنشاء وبياض البيض والشب، حتى يصبح أملسا، لكي تتمكن من الكتابة عليه بكل سهولة، مع رسم حركات معينة عليه، تفي بموضوع اللوحة.
لم تعتقد مليكة بأنها قادرة على تقديم أعمال في الخط العربي، لكن من خلال مشاركاتها في تنظيم مهرجانات خاصة بهذا الفن، وتعلمها تقنياته من طرف الأستاذ الراحل مشطة، خاضت هذا المجال الصعب الذي تريد التخصص فيه رفقة فن المنمنمات، بعد أن مارست مختلف التقنيات، حيث بدأت بالفن الزيتي، فالباستال والأكريليك والأكوارال ولاقواش، كما كانت ترسم في بداياتها أيضا، التراث الجزائري والطبيعة التي قالت إنها لم تكن تدرك تفاصيلها المبهرة في الجزائر، إلا بعد أن أصبحت فنانة.
وابتغت مليكة في أن تعرف "المساء" بأعمال صديقتها الفنانة جميلة خماشو، التي لم تتمكن من الالتحاق بفضاء العرض، حينما زارته "المساء"، فقالت إن جميلة مثلها التحقت بجمعية الفنون الجميلة، إلا أنها كانت ترسم قبل ذلك، وتعلمت مختلف تقنيات الرسم، وتعرض في هذه التظاهرة، لوحات مختلفة التقنيات والمواضيع، مثل لوحة حول متحف باردو وثانية حول طفل رسمتها بالقلم ولوحات في فن المنمنمات ولوحة في الخط الكوفي، بالإضافة إلى لوحات زيتية متعددة.

من الموسيقى وتصميم الملابس إلى الزخرفة

من جهتها، تحدثت الفنانة فريدة باش سايس لـ"المساء"، عن قرارها في التحول من عالم الموسيقى الأندلسية، كأساتذة في جمعية الفنون الجميلة لأكثر من 25 سنة، إلى متربصة بقسم الرسم، حيث كانت منبهرة بكل الرسومات التي كانت تنجز على مستوى هذا القسم، لتأخذ ورقة وترسم فيها وتأخذها إلى رئيس الجمعية، الذي طلب منها الالتحاق بفن الرسم مباشرة.
لم ترغب فريدة في بداية تكوينها، أن تحترم سلم تعليم الرسم، من كيفية مسك القلم إلى الرسم به، ثم رسم اللوحات الزيتية، إلخ،  بل ولأنها تدرك ما تريده، انطلقت من باب الزخرفة مباشرة، التقنية الأصعب في مجال فن الرسم، حسبها.
لم تتوقف فريدة في رسم الزخرفة لمدة 16سنة كاملة، كانت تستلهم أعمالها من رسومات بن دباغ وراسم، ولكنها انطلقت في هذا التخصص فعليا، حينما استفادت من تربصات نُظمت في إطار المهرجان الدولي الثقافي للمنمنمات وفنون الزخرفة بالجزائر، حيث تعلمت على يدي المختصين الإيرانيين والأتراك، القواعد الصحيحة للفن الإسلامي. حتى أنها تحصلت على الجائزة الثانية في طبعة من طبعات هذا المهرجان، بعد سبع سنوات من ممارسة الزخرفة بلوحة "المروحة".
وكشفت فريدة لـ«المساء"، عن تفاصيل، بعد لوحاتها المعروضة بـ«عسلة"، مثل اللوحة التي رسمتها عن الطاووس، الحيوان الذي تحبه كثيرا، وكانت تستمع بمشاهدته في حديقة التجارب، حينما كانت صغيرة، وقد رسمت تفاصيله بدقة واستعملت في هذه اللوحة، الزخرفة النباتية بشكل مبهر.
رسمت الفنانة أيضا لوحة "العاصمية" بتقنية الزخرفة دائما، من خلال امرأة تقابل مرآة وتضع الكحل على عينيها، استعملت في الرسومات المحيطة بالمرأة، تقنية "اليد المرفوعة"، أي أن ترسم بدون أن ترفع يدها. كما رسمت أيضا "المكيحلات" (قارورة الكحل) رمز لتراثنا، بحكم أن فريدة تحب دائما رسم كل ما له علاقة بتراث بلدنا، بالإضافة إلى رسمها لتفاصيل زي العاصمية، لأن فريدة خياطة أيضا ومختصة في تصميم الأزياء.
تعرض فريدة أيضا لوحة "الحايك" التي رسمت فيها امراة من القصبة ترتدي "الحايك"، وتستعمل الفنانة في لوحاتها عدة تقنيات متعلقة بالزخرفة، مثل الهركال، وهو ما يحيط باللوحة، والأصل أن يكون من الذهب، وكذا الشرفات، وهي الزخرفات المحيطة باللوحة أيضا، لكنها موجهة للخارج.
وعن استعمال الذهب في اللوحات، قالت فريدة، إنها استعملته في لوحة واحدة معروضة بـ"عسلة"، لصعوبة الحصول عليه، وهو عبارة عن 25 ورقة من الذهب الخالص، يقوم الفنان بطحنها بواسطة حجرة الصماغ العربي، ثم يحكها بيديه لمدة قد تصل إلى ساعتين من الزمن، ثم يبلل بالماء ويترك لليلة كاملة، بعدها يتم تصفيته ويغطى الذهب بورقة السيلوفان، إلى غاية استعماله في اللوحة، ومن ثم، يتم حكه بالعقيق حتى يلمع، وهكذا يحافظ هذا الذهب على اللوحة لمدة تزيد عن قرن.
بالمقابل، أرادت فريدة أن تجرب الرسم بتقنية الأكريليك، وكعادتها، سلطت الضوء على التراث الجزائري، من خلال رسم "مهراس" و"بشكير"، وهو منشفة طويلة من القماش تستعمل في المناسبات وغيرها.