بوعمامة يقدم كتابه حول الهجرة بمكتبة "الاجتهاد":

مغالطات بالجملة حول المهاجرين الجزائريّين بفرنسا

مغالطات بالجملة حول المهاجرين الجزائريّين بفرنسا
الكاتب سعيد بوعمامة
  • القراءات: 467
لطيفة داريب لطيفة داريب

أشار الكاتب سعيد بوعمامة إلى تضاعف الهجوم على المهاجرين الجزائريين وأبنائهم في الآونة الأخيرة بفرنسا، وإلصاق التهم عليهم عبر ترديد عبارات مثل "يسرقون وظائفنا" ، و"إنهم يستنزفون خزائن الدولة" ، و"إنهم لا يرغبون في التكيّف مع قوانين بلدنا " ، و"لا يحبون تعلّم لغتنا" ، وغيرها بشكل فظيع.

أضاف بوعمامة في الندوة التي نشطها بمكتبة "الاجتهاد"، مؤخرا، حول كتابه "دليل الهجرة" ، أنّ تهمة استنزاف المهاجرين سواء النظاميين أو الذين لا يملكون وثائق رسمية لخزينة الضمان الاجتماعي، باطلة تماما، بل عكس ذلك؛ فالكثير منهم تكوّنوا في بلدهم الأصلي، ويعود أغلبهم إليه بعد التقاعد. كما يدفعون اشتراكاتهم في فترات إنتاجهم. وتابع أنّ شيطنة المهاجرين سياسة تقوم بها السلطات الفرنسية؛ حتى تستغل المهاجرين بشكل كبير، مشيرا إلى تسليطها الضوء على عدّة قضايا وهمية؛ مثل خطر الإسلام والحجاب حينما يُراد تضليل الرأي العام الذي تخفى عنه العديد من الحقائق المتعلّقة بالمهاجرين. كما خصّصت شرطة متمرنة لبعض الأحياء الشعبية؛ ما أسفر عن مقتل 500 شاب من المهاجرين أو أبنائهم في فترة تجاوزت ثلاثين سنة.

وفي إجابته عن سؤال "المساء" حول تنامي العنصرية تجاه المسلمين وبالأخص الجزائريين في فرنسا، ردّ بوعمامة بأنّ "الإسلاموفوبيا" ظهرت في العالم لإيجاد حجة للنهل من ثروات بعض الدول؛ مثل العراق. أما في داخل فرنسا فقد تزامنت مع ثورات أحدثها الشباب المهاجرون، أشهرها عام 2005 والتي دامت 28 يوما، مضيفا: " في كل مرة تريد السلطات الفرنسية مواجهة موضوع حسّاس، تخلق مشكلة وهمية تتعلّق بالمهاجرين "، ممثلا بالإضرابات الكبيرة التي عرفها قطاع التعليم عام 1984؛ حيث استطاعت السلطات صرف النظر عنها بقضية وهمية، تتمثل في مساس الحجاب بالعلمانية. وقد تكرّر الأمر بقانون التقاعد، الذي أُلصقت به مسألة أخرى تتعلّق بلباس النساء المسلمات.

وفي رده عن سؤال ثان لـ"المساء" حول ندرة ساسة فرنسيين من أصول جزائرية للدفاع عن حقوق جاليتنا، قال المحاضر إنّ هذا الأمر صحيح، لكنّ هناك أمورا تغيّرت بالفعل، من الناحية الإيجابية؛ فلم يكن من الممكن التحدّث عن الإسلاموفوبيا منذ عشر سنوات؛ عكس ما يحدث اليوم؛ حيث خاض حزب "فرنسا الأبية" (لافرونس أنسوميز)، معركة الانتخابات التشريعية بالحديث عن الإسلاموفوبيا، وعن الحرب في فلسطين، والعديد من المواضيع التي تمسّ المهاجرين؛ ما ساهم في فوزها بالانتخابات؛ حيث نالت حصة كبيرة من أصوات أبناء وأحفاد المهاجرين.

الهجرة.. مفهومها ونتائجها

بالمقابل، تحدّث بوعمامة عن سبب كتابته مؤلَّفا حول الهجرة، فقال إنه فعل ذلك بغية تقديم معلومات عن هذا الموضوع الشائك، خاصة للأجيال الحالية والقادمة، والتي تعاني من قطيعة مع من سبقوها، وبالتالي قد تتلقى معلومات مغلوطة، مضيفا أن خلال عشر سنوات ماضية، حدث تدهور كبير في فقدان الأسس الثقافية والاجتماعية والسياسية التي نعتمد عليها في حياتنا.
كما تطرّق المحاضر لمفهوم الهجرة معتبرا أنّه مفهوم حديث؛ ففي السابق لم يكن الفرد يترك بلده ليعيش في منطقة أخرى إلاّ في حال حدوث كوارث طبيعية، تجبر شعبا بأكمله على التنقل إلى بلد آخر، آخذين معهم ثقافتهم وحتى هويتهم. بعدها ومع ظهور الرأسمالية وحاجة الدول الغربية ومن بينها فرنسا، إلى اليد العاملة، تم استقطاب عدد مهم من المهاجرين.
وأضاف بوعمامة: " قبل الحديث عن الهجرة إلى فرنسا حدثت هجرة داخلية؛ حيث غادر الفلاحون قراهم نحو المدن؛ للبحث عن العيش الرغد. وقد تعرضوا لنفس خطابات الكراهية التي نسمعها اليوم تجاه المهاجرين الجزائريين وغيرهم ".

ويرى المتحدث أنّ عاملين اثنين أثرا على سياسة الهجرة بفرنسا؛ الأول مخلّفات الثورة الفرنسية التي لم تهتم، فقط، برأس السلطان، بل بتقسيم الأراضي؛ أي الثروة بين المواطنين وبالأخص منهم الريفيين، وهو ما جعل من فرنسا بلدا ريفيا إلى غاية نهاية الحرب العالمية الثانية، عكس بريطانيا التي زحفت نحو التمدن ابتداء من نهاية القرن التاسع عشر. أما العامل الثاني فهو بطء النمو الديموغرافي بفرنسا.
وأشار سعيد بوعمامة إلى تزامن ظهور كل من الرأسمالية والكولونيالية والعنصرية في وقت واحد، معتبرا أن العنصرية ظهرت أولا، في شكلها البيولوجي؛ أي بإقصاء كلّ شخص مختلف (صاحب بشرة سوداء مثلا)، لتضطهد الحرب العالمية الثانية هذا الاعتقاد حينما حارب البِيض بِيضا آخرين، وادّعوا تفوّقهم على الجميع؛ لأنهم ألمان فقط.
وذكر المتحدث نوعا آخر من العنصرية، أطلق عليها تسمية "العنصرية الحضارية".

وقال بوعمامة إن سنوات ما بعد استقلال الجزائر كانت مثمرة، لكن ظهور الأزمة الاقتصادية في سنوات التسعينات أثّر عليها، وهو ما دفع إلى تنامي الهجرة من الجزائر إلى فرنسا، والتي لم تعد تمس، فقط، الفئات الكادحة، بل حتى الطبقة المتوسطة بمن فيهم الأطباء والمهندسون وغيرهم، ليتحسر على استقبال فرنسا أطباء مكوَّنين في بلدهم الأصلي، لتجدهم فرنسا جاهزين، ومع ذلك لا تضعهم في المناصب التي يستحقونها؛ وهكذا فإن الكثير من الأطباء الجزائريين يعملون في قسم الطوارئ، ويقومون بعمليات جراحية، لكنهم لا يستفيدون من القانون الذي يمس الأطباء الفرنسيين، يؤكد المحاضر. وتابع أنّ قانون الهجرة الفرنسي يتغيّر في كل مرة. وفي الماضي كان كل من يعمل يمكنه أن يستفيد من وثائق قانونية تسمح له بالمكوث في فرنسا، إلا أنّ الأمر تغير، وأصبح تعديل الوضعية المتعلقة بالإقامة صعبا جدا، مؤكدا أن فرنسا تفضل أن يظل المهاجر دون وثائق رسمية؛ حتى تستغله أشد استغلال، وتدفع به إلى العمل في وظائف متردية، علاوة على رغبتها في سرقة الأدمغة من دون دفع تكاليف تكوينها، كما ورد ذلك سابقا.