سعيد الجامة يقدّم تجربة 5 عقود من الإبداع

سحر الفرجة بتجليات الأنوار والألوان

سحر الفرجة بتجليات الأنوار والألوان
الفنان العالمي المغترب سعيد الجامة
  • 405
مريم. ن مريم. ن

يقيم الفنان العالمي المغترب سعيد الجامة، معرضه التشكيلي بالمركز الثقافي الفرنسي بالعاصمة، إلى غاية 24 أكتوبر الجاري، مقدّما فيه تجربة أكثر من 50 سنة إبداعاً. هذا الفنان الذي حطّت أعماله في كبريات أروقة الفن عبر العالم. وشهد له النقّاد بالتجديد والاختلاف، والبحث الذي جعله يتفادى الاستنساخ والرائج.

التقت "المساء" بالجامة في معرضه الذي يبهر كلّ داخل إليه؛ حيث يتجلى الاحتراف والخبرة، ويسطع الأسلوب التجريدي في أرقى تصويراته التي تختلف عما يقدَّم الآن في الساحة.
وسألت "المساء" الفنان عن غياب عنوان لهذا المعرض، فرد بأنّ التزامه غالبا ما يكون مع الأسلوب التجريدي وليس على موضوع أو مضمون ما، وهو اختيار أصبح سائدا اليوم في أوروبا مثلا؛ فالمعارض تقنيات، وفنيات، وتجديد، وإبداع أكثر منها تقديم مواضيع، أو إشكاليات ما. لكنه استطرد قائلا: "قد ألتزم بعنوان للمعرض في حال كانت اللوحات، مثلا، عن الربيع، ورُسمت فيه الأزهار؛ ذلك ممكن. أما غير ذلك فلا أحصر نفسي في عنوان مُعيَّن للمعرض".

وأضاف الجامة أنّ لكل لوحة من لوحاته فكرة ما، تأتيه حين يرسم وليس قبل ذلك، ويشبّهه بـ"المكتوب" ؛ ما يعكس استقلالية كلّ لوحة عن الأخرى. وهنا يوضح: "مثلا، عندما أعرض في فرنسا يقوم الزائر بالسعي بين اللوحات عدّة مرات ذهابا وإيابا، ليتساءل: يا ترى، هل هذه اللوحات رسمها فنان واحد؟ ". وهذا الاختيار، حسبه، يعطي المشاهدَ حرية قراءة اللوحة، فيزداد، بذلك، إحساسه بها، وبتثمينها.

وعن الأسلوب التجريدي قال إنّه إحساس عميق من دواخل النفس، يترجم الأفكار، ويأخذ الفنان والمشاهد إلى بعيد عبر مسافات لا تحدّها العناوين والمواضيع، بل تحتاج، فقط، للوسائل والتقنيات. وأكّد الفنان أنه يعتمد على كل ما هو مرئي، ولا يلتفت كثيرا للمسموع (سماه الضجيج)؛ لذلك جاء هذا الانبهار ليس فقط في الجزائر، بل في عدّة عواصم عالمية.
ويضمّ المعرض لوحات رُسمت بالأسود، تشبه الفن الآسيوي. وحين سألته "المساء" عنها قال: "إنّ الكثيرين يعتقدون حين مشاهدتها، أنّني فنان ياباني، لكني لم أقم بتقليد هذا الأسلوب؛ لكوني، ببساطة، أمقت الاستنساخ والتقليد، بل أفضّل إحساسي، ورؤيتي، وريشتي الخاصة".

وعن الاستنساخ والتكرار الذي يمقته، أبدى الفنان سعيد الجامة تذمّره مما يُعرض، اليوم، عندنا؛ حيث تتكرّر نفس المشاهد بشكل أوتوماتيكي، لنجد في كل معرض لوحات عن الطبيعة الميتة، وعن القصبة، والواجهة البحرية، وبورتريهات المشاهير وغيرها، وبالتالي تترسّخ فكرة التكرار، علما أنّ بعض الفنانين الجزائريين مفروض عليهم ذلك؛ كي يبيعوا لوحاتهم.
ويرى الفنان الجامة أنّ الانغلاق والتشبّث بمواضيع مكرّرة وفي اتّجاه واحد، يقتل الإبداع والتجديد، لتسود المحدودية في البحث، والعرض، والدوران في نفس الفلك.
للإشارة، يعتمد هذا الفنان العالمي الذي عرض في نيويورك ولندن وباريس، وفي جنوب إفريقيا واليابان وهولندا وألمانيا وغيرها، في لوحاته، الأناقة، والفرجة، والسحر، وسرعان ما يكتشف المشاهد أنّ لوحاته لم يسبق أن رآها من قبل عندنا؛ لأنّها، فعلا، مختلفة.

وقد ثمّن الفنان، بالمناسبة، سينوغرافيا المعرض، الذي رآها مهمة جدّا في أيّ عرض فني.
ويضم المعرض 30 لوحة، نصفها من الحجم الكبير (بعضها يشبه الجداريات)، تتزاحم فيها الألوان، والأشكال، والدلالات، والظلال، والأنوار البصرية، التي تجعل الواقف أمامها يطيل التأمل والاستمتاع.