"المساء" تواكب التحضيرات المتواصلة بالقاعة البيضاوية

"روح الجزائر".. وقائع تاريخية ركائزها الفرجة والإبداع

"روح الجزائر".. وقائع تاريخية ركائزها الفرجة والإبداع
  • 479
دليلة مالك دليلة مالك

* استعمال أحدث ما أنتجته التكنولوجيا.. "الإسقاط الضوئي"

* 1000 من خيرة الفنانين والتقنيّين

* نظرة عربية بعيون المحبة والتقدير

* ديكورات ثقيلة والإبداع عنوان السينوغرافيا

ستشهد الجزائر احتفالا ضخما بمناسبة سبعينية ثورة نوفمبر المجيدة، بتقديم عرض فني تاريخي عنوانه "روح الجزائر" للمخرج أحمد رزاق، تحضره شخصيات سياسية، وتاريخية، وصديقة. ويحتضنه المركّب الرياضي الأولمبي "محمد بوضياف" في العاصمة، وتحديدا بالقاعة البيضاوية التي حوّلها صُنّاع العمل إلى خشبة عملاقة، وفي ذلك استعمال لمؤثّرات سمعية بصرية من أحدث ما أنتجته التكنولوجيا، المعروف باسم "الإسقاط الضوئي" ؛ حتى يكون الاحتفال في أبهى صورة، تليق بتاريخ الجزائر العريق، وشعبه الأبيّ.

في تجربة أخرى يخوضها المخرج المسرحي أحمد رزاق مع وزارة المجاهدين وذوي الحقوق في إخراج أعمال ملحمية لمناسبات وطنية، يرتكز العمل الفني التاريخي "روح الجزائر"، على لوحات كوريغرافية تترجم فترات من تاريخ الجزائر، من زمن نوميديا، ثم الوندال، والفتح الإسلامي، والاحتلال الفرنسي، ثم الاستقلال، فضلا عن مشاهد تمثيلية تعزّز هذا الغرض الدرامي، بمشاركة واسعة من الفنانين من كلّ ربوع الوطن. وللوظيفة نفسها، يشارك مغنون في أداء الأشعار المقترحة، وبعض الأناشيد المعروفة، التي تم استغلالها منطقيا، حسب ما وقفت عليه "المساء"، التي تابعت التحضيرات النهائية.

تجربة بتحديات فنية أكبر

تجربة أحمد رزاق، هذه المرة، تضمّ جمالية أخرى، وذهب بعيدا في خياله؛ حيث سيستخدم تقنية "المابينغ" أو "الإسقاط الضوئي" داخل القاعة البيضاوية؛ بتشكيل ديكورات بصرية على جدرانها ضمن حيز 360 درجة، ليتمكّن الجميع من مشاهدة العرض، مع استعمال تقنيات الصوت الحديثة، وبجودة عالية جدا. ويستند العمل على وقائع تاريخية، لكنه لا يغفل الخيال من أجل الفرجة والإبداع؛ خدمةً للجوانب الفنية لهذا المنجز الكبير.

ودعا المخرج لإنجاح هذا العرض وليكون الأضخم في تاريخ الجزائر الاحتفالي، قرابة 1000 شخص من خيرة الفنانين والتقنيين الجزائريين، و16 ممثلا عربيا، يمثلون مصر، وتونس، وليبيا، والأردن، وسلطنة عُمان، والبحرين، واليمن، والعراق، وسوريا، ولبنان، وموريتانيا وفلسطين.

أما المشاركة الشرفية للأسماء الفنية العربية، فتتمثل في لوحة تعبّر عن عميق مشاعر حبّهم للجزائر، عنوانها "احكيلي على الجزائر"، سيقفون على خشبة القاعة البيضاوية لتقاسم أفراح الجزائر في عيد الثورة المجيد؛ إذ سنلمس من المشاركة العربية الشرفية في هذا الاحتفال الرسمي، نظرتهم إلى الجزائر بعيون المحبة، في مشهدية تمثيلية تعكس، بحق، مكانة الجزائر القديرة بين الأمم، حضورهم سيخلق روحا تضفي على "روح الجزائر" جماليات فنية أخرى.

نص يروي مراحل هامة من تاريخ الجزائر

من ناحية النصّ الذي أشرف عليه الشاعر إبراهيم صديقي، فإنّ فكرته تستند على "الروح التي تنبعث منذ الأزل"، ويتوارثها الناس جيلا بعد جيل.
والمقصود بالروح في هذا السياق الفنيّ والتاريخيّ، هو مجمل الصفات التي تلازم الخلود؛ كالإرادة، والعزيمة، والشجاعة، والمروءة، والتضحية، باعتبارها قيما لازمتْ تاريخَنا القديمَ والحديث، وكانت حاسمةً في محطّات الحفاظ على الحرية والسيادة، وملهمةً لجزائر ما بعد الاستقلال، ولأجيالها المتعاقبة.

وتُجسَّد هذه الفكرة عبر المشاهد المتتالية للاستعراض، باعتماد أقوى أساليب التعبير، وتقنياته الفنية؛ من لغة الشعر، والغناء، والحوار، إلى التجسيد المسرحيّ باستخدام أحدث المؤثرات الصوتية والبصرية، في ارتكازها، أساسا، على الفنّ والإبداع لدى تعاطيها مع التاريخ برؤية خلاّقة ومبدعة خلافا للأعمال الفنية التوثيقية، التي عجزت عن تقديم إضافة نوعية للرصيد الإبداعيّ الملتزم لبلادنا.
ويتكأ العمل الاستعراضي على أربع مراحل تاريخية، هي الفترة النوميدية، والفتح الإسلامي، والغزو الفرنسي الاستعماري، واستقلال الجزائر.

وعرفت نوميديا قبل الغزو الونداليّ الوحشيّ والهمجيّ، عدّة صراعات في مسار توحيد قبائلها. وتبرز الملحمة على حدّ سواء، أهمّ ملوكها التاريخيين (صيفاكس/ ماسينيسا/ يوغرطة). وتمّ تسليط الضوء على الغزو الونداليّ الهمجيّ الشنيع للمنطقة، وتنكيلهم بأهلها الآمنين، وغزو (هيبون)، مع إبراز مأساة قتل صوت الحكمة "أوغسطين" بكلّ دلالاته الرمزية، وانتمائه إلى هذه الأرض، وصولا إلى ثورة السكان على هذه الهمجية، واندلاع معركتهم الكبرى بإحراز النّصر في عام 483 م.

وفي هذا الانتقاء والاختيار، تأكيد على أنّ القيادة والزعامة في نوميديا عبر كلّ مراحلها، كانت بعنوان الجماعة ولم تكن أبدا بتخصيص الفرد. هذه الروح الجماعية تظهر في كلّ مسارات الملحمة، إلى لحظة الذروة التي تجسّدها ثورة التحرير الكبرى، وهي بنفس الاشتعال والإلهام في ذكراها السبعين.
وخلافا للمقاومات والحروب التي خاضها الجزائريون القدامى في التاريخ ضدّ الغزاة والمعتدين، فقد وجدوا في تعاليم الدين الإسلاميّ الحنيف ما ينسجم وواقع حالهم، وما يعزّز جنوحهم للسلم؛ لذلك لم تكن مقاومات هذا المدّ ذات دلالات في التاريخ، وسرعان ما خفتت وفتحت المجال لانتشار مظاهر الازدهار والعمارة والتجارة، إلى ظهور الدويلات المتعاقبة حتى أصبحت قوّة ذات سيادة على البحر الأبيض المتوسّط، جلب لها أطماع أوروبا (ورثة الرومان والوندال والبيزنطيين)، فكان التحالف الطبيعي مع العثمانيين للحماية؛ باعتبار رابطة الدين المقدّسة. واستمرّ لقرون حتى دبّ الضعف في المملكة، وتحطّم الأسطول العثمانيّ في معركة "نافارين" الشهيرة، وبدأ عصر جديد (الاستعمار الفرنسيّ).

ويركّز الاستعراض، استنادا لوقائع ثابتة في السردية التاريخية، على حادثة المروحة لافتتاح مشهد الغزو الفرنسي، وما رافقه من صور وحشية، وإهانة للإنسان، واغتصاب للأرض. لكنّ روح نوميديا لم تخفت، وعينها من خلف ستار التاريخ وعرضه الملحميّ على الرّكح، ظلّت بالمرصاد، لتظهر المقاومات الشعبية بكلّ أشكالها ودلالاتها التاريخية والمناطقية؛ تمهيدا لميلاد الحركة الوطنية، وتبلور فكرة الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية، ومجازر الثامن ماي 1945 التي أحدثت شروخا عميقة، وشكّلت وعيا جديدا في مسار تفجير إحدى أكبر ثورات التحرير في العالم الحديث، هي ثورة الفاتح نوفمبر الخالدة والملهمة.
ويستعرض العمل الفني في هذه المرحلة الحاسمة، أهمّ الأحداث والوقائع التي سبقت لحظة انتزاع الاستقلال، وغيّرت مجرى التاريخ، وتسبّبت في تحرير شعوب مجاورة ومتاخمة، وأخرى بعيدة. (مجموعة الـ 22. مجموعة الـ 6. مفاوضات إيفيان).

ويُعرّج العمل الاستعراضي الملحمي على أبعاد الثورة الجزائرية في العالم، وتأثيرها على الشعوب التواقة إلى الحرية. ويبرز كون الجزائر قِبلة للثوّار من خلال التركيز على زعماء عالميين استلهموا عزائمهم من وهج ثورة نوفمبر، على غرار تشي غيفارا، ونيلسون مانديلا، وياسر عرفات، وغيرهم، مع اهتمام واضح بدورها الريادي في المحافل الدولية، ومرافعتها لحق الشعوب في الحرية والديمقراطية. كما يلتفت هذا العمل إلى إنجازات الجزائر المستقلة.

سينوغرافيا كبيرة تليق بعمل فني ضخم

وكُلّف كل من يوسف عابدي ومراد بوشهير بالجانب السينوغرافي للعرض، مع فريق كبير للتحضير لهذا الموعد الهام. وتم بناء ديكورات ثقيلة في صورة بواخر الأسطول الجزائري، ودبابات ومدافع، وإلى جانبهم فيَلة ضخمة، فضلا عن أكسسوارات خفيفة، كالملابس والبنادق وغيرها، والعمل متواصل بشكل مكثّف حتى يكون العمل جاهزا في موعده.
ووفقا ليوسف عابدي، فإنّ السينوغرافيا تسير في خط متواز ونظرةَ المخرج، مع استعمال النص كدعامة في تشييد الديكورات اللازمة؛ إذ يتناول نص "روح الجزائر" مراحل من تاريخ الجزائر؛ من نوميديا إلى الاستقلال. وفي كلّ مرحلة ينسجم النص مع الديكور والملابس وأكسسوارات أخرى، مع لمسة إبداع من لدن السينوغرافيين.

من هو أحمد رزاق؟

أحمد رزاق ممثل وكاتب مسرحي وتلفزيوني، ومخرج مسرحي، من مواليد 26 فيفري 1967 بالجلفة، خريج المعهد العالي للفنون الدرامية، اختصاص سينوغرافيا، دفعة 1992. تنوعت أعمله بين المسرح، والسينما والتلفزيون، وحاصل على العديد من الجوائز.

وتقمّص العديد من الأدوار في أفلام سينمائية، لكنه اشتغل أكثر في مجال المسرح. اشتهر بسينوغرافيا مختلفة عززت عنصر الدهشة في المسرحيات التي عمِل فيها، ثم سرعان ما تطورت موهبته الفنية، وعبقريته الخلاقة إلى الإخراج المسرحي. وخلق حالة من الحراك المسرحي لما أخرج على سبيل المثال "طرشاقة" في 2016، و "كشرودة" في 2017، و "خاطيني" في 2019، و"شارع المنافقين" في 2020 وغيرها، والتي بها حقق شهرة ورواجا كبيرين في فترة لم تشهد قاعات العرض حضورا جماهيريا بذلك الإقبال، في وقت كانت قاعات المسرح تشهد عزوفا، ثم قام بإخراج أعمال ملحمية واستعراضات كبيرة ناجحة، على غرار "ألا فاشهدوا"، و "آية"، و "قبلة الأحرار"، في عام 1992، كانت أولى تجارب أحمد رزاق في السينوغرافيا والإخراج، من خلال مسرحيتي "حلو" و"رجل النجوم"، ثم توالت.

أما في التلفزيون فكتب أحمد رزاق سيناريو. وأخرج سلسلة "أنا كون جيت أنا" . كما كتب سيناريو وحوار مسلسل "بساتين البرتقال" . وكان مخرجا ومديرا فنيا وممثلا في السلسلة التلفزيونية "كل واحد ودواه" . وكتب أيضا سيناريو وحوار سلسلة "قهوة ميمون"، وسيناريو وحوار بعض حلقات " جمعي فاميلي" للمخرج جعفر قاسم، وسلسلة "جحا 1" للمخرج عمار محسن.
وشارك أحمد رزاق في المعرض الدولي للسينوغرافيين العالميين في براغ بجمهورية تشيكيا، بسينوغرافيا مسرحية "لويزة" للمسرح الجهوي بعنابة. وحلّ ضيف شرف في مهرجان المسرح العربي المنظم من طرف الهيئة العربية، دورة مصر 2015. كما شارك في المهرجان نفسه في دورة بغداد 2024 بالعراق، بمداخلة عنوانها "بين عولمة العرض المسرحي وتبييئه، أين يقف مسار الغد؟".