"وشائج الطبيعة والتراث" برواق "عائشة حداد"
الحفاظ على الطبيعة مسألة تراثية أيضا
- 125
يقدّم الفنان نور الدين قيشو دعوة مفتوحة للجمهور كي يتنسّم الطبيعة ويستمتع بالتراث المعماري بعيدا عن التلوّث والضجيج والفوضى، محاولا من وراء ذلك تبيان العلاقة العضوية المتينة بين إبداع الإنسان وبين الطبيعة النقية فهما متلازمان لا يفترقان وأيّ خلل في أحدهما يؤثّر على الآخر.
يقيم الفنان التشكيلي نور الدين قيشو معرضه "وشائج الطبيعة والتراث" برواق "عائشة حداد" إلى غاية 4 نوفمبر الداخل، مجسّدا من خلاله الترابط العميق بين الطبيعة والتراث، ويعكس التداخل المتين بين هذين العنصرين في تشكيل الهوية الإنسانية
تدل كلمة "الوشائج" على الترابط بين الأشياء بشكل لا يقبل الانفصال أو التفكّك حتى بالنسبة للعلاقات الروحية والثقافية وغيرها، وبالتالي ركّز الفنان على هذه العلاقة بين التراث والطبيعة محاولا التأكيد بأنّهما غير قابلين للانفصال، فكلاهما شاهد على وجود الإنسان عبر الزمن.
أشار الفنان في منشور عرضه بالرواق إلى أنّ العنوان يوحي بأنّ الهوية الإنسانية لا تنبثق من الطبيعة أو التراث وحده، بل من التفاعل العميق بينهما، وكيف تأثّرت المجتمعات البشرية بالبيئة الطبيعية وكيف تركت تلك المجتمعات أثرها على تلك البيئة عبر التراث والعمران والفنون، كما أنّ الطبيعة ليست، حسبه، مجرّد عنصر ثابت بل هي عنصر حيّ ومتغيّر، كذلك الحال بالنسبة للتراث الذي يحمل منظورا متجدّدا.
من ضمن ما جاء في المنشور أيضا "في ظلّ التحديات البيئية المعاصرة، يمكن أن يفهم هذا العنوان أيضا على أنّه دعوة للحفاظ على التراث والطبيعة معا، حيث أنّ كليهما جزء من استدامة الحياة، والحفاظ على الطبيعة مسألة تراثية أيضا، فالعادات القديمة والطرق التقليدية في العيش كانت تحترم الطبيعة وتعمل في انسجام معها".
أغلب لوحات المعرض ذات أسلوب واقعي يعكس مناظر الطبيعة في أبهى صورة، حيث ترتمي البيوت القديمة وكذلك القرى المتراصة في حضن الطبيعة في تناغم كامل، وتبرز من بعيد أسقف البيوت القرميدية وكذلك مآذن المساجد التي تضاهي الجبال في علوها، علما أنّ قيشو حريص على رسم التفاصيل كما هي في الواقع، محاولا أن يُعرّف بالبيئة الجزائرية خاصة بمسقط رأسه أولاد عيسى بولاية سطيف وتقع على حدود جيجل وبجاية، ومن ضمن ما قدّمه شلال وادي البارد والقرية المجاورة له ، فهناك العديد من اللوحات الأخرى الجميلة التي تعكس طبيعة وتراث سطيف.
استعمل الفنان تقنية الرسم الزيتي الملائم لهذا الأسلوب الكلاسيكي، ليجسّد جبال البابور وتراكم الثلوج بأعالي بني ورتيلان، وما يلاحظ في هذه اللوحات غياب الإنسان، ربما لأنّه عدوّ للطبيعة خاصة في الزمن الحاضر. ويتعزّز حضور الطبيعة والعمران في باقي اللوحات بعضها ينشر الانتعاش مثل تساقط الثلوج على القرى الشاهقة، وكذا لوحات الخريف حيث تتناثر الأوراق على طول المسالك المؤدية إلى الحرية والمضي نحو رحاب الطبيعة التي لا حواجز فيها، ثم يطل الربيع بألوانه وأنواره في مشاهد تسبي العيون، ناهيك عن الألوان من كلّ الدرجات منها ألوان السماء الزرقاء التي بها قطع من السحب التي تشبه اللؤلؤ المعلّق في عقد ثمين.
خصّص الفنان ركنا للوحاته التجريدية، غلبت عليها الألوان المتناقضة منها القاتمة والفاتحة، واختلطت فيها الأشكال الهندسية، برز فيها نوع من الغموض، وبجانبها كان هناك لوحات شبه تجريدية، كلوحة المسجد العتيق بسطيف العالي .
الفنان مختص أيضا في الديكور والنحت، وأنجز عدّة مشاريع منها شلالات اصطناعية، ونافورات وجداريات من الإسمنت، ومن ضمن ما أنجز جداريات عموشة بالوادي البارد، ومدخل "حديقة الأمير عبد القادر" بسطيف ومشاريع أخرى عبر الوطن.
نور الدين قيشو من مواليد 1974 بعموشة بسطيف، فنان تشكيلي عصامي ورئيس جمعية "ألوان للفن والتراث" بعموشة وعضو جمعية "الرشد" الثقافية، تخصّص في الديكور، وظفر بعدّة جوائز من بينها الجائزة الأولى في الفنون التشكيلية، تقنية قلم الرصاص في الطبعة الثالثة للمسابقة الولائية للنشاطات الثقافية والعلمية، والجائزة الأولى للآداب والفنون بسطيف سنة 2011، والجائزة الأولى وطنيا لأحسن رمز للذكرى الخمسين لعيدي الاستقلال والشباب 2013،كما أقام معارضه بتونس وتركيا والأردن وسلطنة عمان .