الفنانة التشكيلية زهية قاسي لـ"المساء":

الرسم ملاذي حينما أتوجّع

الرسم ملاذي حينما أتوجّع
  • 100
لطيفة داريب لطيفة داريب

في كلّ مرة ينقبض قلبها بشدّة من الألم تلجأ الفنانة التشكيلية زهية قاسي، إلى الرسم؛ للتعبير عن خوالجها بكل قوّة وعمق. كما تهتم بتحويل كلّ ما هو قبيح إلى جميل؛ لأنّ الفن، أيضا، عنوان للحسن، وانعكاس لما يحرّك الوجدان.

عرضت الفنانة التشكيلية زهية قاسي، مجموعة من اللوحات القديمة والجديدة بمتحف الفنون الجميلة، في إطار تظاهرة "كناكس 2024" التي احتضنتها الجزائر في الفترة الأخيرة، فتنوّعت اللوحات، ورسمت بعضها بالأسلوب التجريدي، وأخرى بالواقعي. كما استعملت مختلف تدرّجات الألوان الفاترة منها والغامقة، علاوة على اعتمادها في بعض الأعمال، على تقنية اللصق، في حين تعدّدت مواضيع اللوحات وإن جاءت أغلبها معبّرة عن محطات من حياة الفنانة غير اليسيرة.

وتوقّفت قاسي مطوّلا عند لوحتها "تأمّل" ، وقالت لـ"المساء" إنّها حلمت بحلم ربما هو كابوس؛ إذ أرادت عمّتها المتوفاة أن تأخذها إلى مكان لم تعرفه، وجدت فيه نوراً على هيئة رجل، يطلب منها أن لا تخاف، وقال إنها ستكون بخير، لكنها بعد يومين فقدت زوجها الذي اغتيل من طرف إرهابيين، لتشعر بفاجعة لم تخفت وطأتها إلى اللحظة.

لوحة أخرى بعنوان "أمومة" رسمتها الفنانة في اليوم الأوّل من التحاقها بمدرسة الفنون الجميلة؛ حيث تركت والدتها المريضة تُرضع أخاها الصغير. ومع ذلك طلبت منها أن تذهب إلى وجهتها، وأن لا تأبه بها، فما كان من زهية إلاّ أن تطيعها، وترسمها مباشرة بعد التحاقها بالمدرسة، وتسلّط الضوء على وجهها الشاحب.

وكانت التشكيلية زارت القصبة، وصادف ذلك اليوم أن شاهدت بأم عينيها سقوط دويرة منها، فشعرت بألم شديد أمام انهيار البهجة المتواصل، لترسم بعد عودتها إلى المنزل، لوحة عن امرأتين ترتديان الحايك، وتديران ظهرهما عنا؛ لأنّهما تشعران بالحزن والغضب تجاه ما يحدث للمحروسة. ورسمت في هذا العمل أيضا، جدرانا متشقّقة، وفي نفس الوقت نافذة؛ كرمز للأمل رغم كلّ شيء. نعم، لكلّ لوحة قصة معيّنة؛ مثل لوحة "غزة" التي غمرتها الفنانة بالأحمر؛ لون الدم، ووضعت فيها ملصقات لصور ومقالات جرائد تناولت غزة الجريحة. 

لوحة أخرى بعنوان "أم شجاعة"، رسمت فيها أوجه بشر دون ملامح، وكذا العلَم الجزائري. وفي هذا قالت: "أنا من مواليد 1947، كنت أذهب رفقة عائلتي في السيارة محملة بالمؤونة وحتى الوثائق الخاصة بالمجاهدين، لننقلها إلى الثوّار في فترة الاستعمار. ولأنّني الكبيرة وأحسن اللغة الفرنسية كنت أتبادل الحديث مع الفرنسيين دون خوف، خاصة أنّني كنت أخفي الوثائق التي تُعنى بمناضلينا. وكان والدي شرطيا، يستغل مهنته لمساعدة المجاهدين أيضا".

ولأنّها رقيقة، تشعر زهية قاسي بتضحيات فنانينا في جميع المجالات، خاصة الذين تعرّضوا للتجاهل وويلات المرض، فرسمت لوحة أزهار مختلفة الألوان على خلفية خضراء. كما حوّلت النفايات التي يجدها الغطّاسون في أعماق البحار، إلى أشكال جميلة، تزيّن لوحات طويلة بسمك صغير بعنوان "سلسلة حول البيئة" ؛ لأنّ الفن أيضا، يعبّر عن الجمال وليس عن الألم فقط.

ورسمت الفنانة لوحات أخرى؛ مثل لوحة عن يناير، ألصقت فيها ملاعق من الحطب، والقليل من "البركوكس"، بالإضافة إلى رسمها هيئات أشخاص، ورموزا أمازيغية. 

ولوحة عن الصحراء التي انبهرت بها، وعبّرت فيها عن تضاريسها، وكذا حكمة شيوخها.  ولوحةٌ رسمت فيها هيئتين؛ إحداهما ماتت جراء حريق منطقة القبائل، والأخرى استطاعت النجاة. 

وعملٌ آخر بعنوان "أوقفوا المجازر" ؛ عن المآسي التي عاشها الشعب الجزائري في فترة الاستعمار.

ولوحة "متسوّلات" ، التي عبّرت فيها عن حزنها وهي ترى نساء يحملن أطفالهن، وأحيانا رضّعاً؛ للتسوّل، علاوة على لوحات "القصبة امرأة بالحايك1" ، و"القصبة امرأة بالحايك2" ، و"ناجٍ من حريق مركّب سكيكدة" ، و"حلم فتاة" ، و"مكان التعذيب" ، و"المكفوفون".