أيام قرطاج السينمائية
4 أفلام جزائرية في الدورة 35
- 273
تسجل السينما الجزائرية حضورا لافتا، في الدورة 35 لأيام قرطاج السينمائية، المرتقب أن تجري أطوارها من 14 إلى 21 ديسمبر المقبل في تونس، من خلال مشاركة أربعة أفلام، ويتعلق الأمر بكل من فيلم "من دونكم" لنجيب أولبصير و«وراء الشمس" لريان مسيردي، في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة، و"الاختفاء" لكريم موساوي و«فرانتز فانون" لعبد النور زحزاح في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة.
تعتبر مشاركة هذه الأفلام الجزائرية في الدورة 35 من أيام قرطاج السينمائية، خطوة مهمة نحو تثبيت حضور السينما الجزائرية على الساحة الدولية. فالأعمال المقدمة في هذه الدورة، تعكس تنوع الرؤى والأساليب، إذ تتراوح المواضيع، من التأملات النفسية العميقة إلى التحليلات الاجتماعية والسياسية، مما يعكس الثراء الفكري والوجداني للسينما الجزائرية المعاصرة.
تعكس هذه المشاركات أيضا، تحول السينما الجزائرية من مجرد سرد للأحداث، إلى فضاء للتأمل النقدي والمساهمة في الحوارات الثقافية العالمية. ولعل هذا التنوع في المواضيع والأساليب، يجعل من السينما الجزائرية محط أنظار جمهور أفلام المهرجانات الدولية، وهو ما من شأنه تعزيز مكانتها في صناعة السينما العالمية.
بالنسبة لفيلم "من دونكم"، الذي يشارك في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية القصيرة، للمخرج نجيب أولبصير، فإنه يجسد حكاية مؤثرة عن غياب المحبوب، وكيف يمكن أن يؤثر هذا الغياب على الشخص الذي يعاني من الوحدة والفراغ العاطفي.
من خلال أسلوب سردي، يعتمد على لحظات حميمية وتفاصيل دقيقة، يعكس أولبصير ببراعة، تأثير الفقدان على النفس البشرية، مستعرضا مشاعر الشوق والتعذيب النفسي الناتج عن غياب الآخر. وبفضل أسلوبه السينمائي المميز، الذي يمزج بين التأملات الذاتية والحركة الفنية، استطاع المخرج أن يخلق تجربة سينمائية تأسر الحواس، وتعكس الصراع الداخلي للشخصيات بطريقة مؤثرة.
في القسم نفسه، نجد فيلم "وراء الشمس" للمخرج ريان مسيردي، الذي يقدم تجربة سينمائية تسلط الضوء على حالة نفسية معقدة. من خلال سرد درامي يدمج بين الواقعي والفانتازي، يحاول الفيلم أن يبرز الصراع الداخلي للشخصية الرئيسية في مواجهة تحديات الحياة والمجهول.
في هذا العمل، يتعامل مسيردي مع قضايا تتعلق بالتحولات النفسية، التي يمر بها الأفراد في لحظات أزمة أو قلق وجودي، باستخدام أسلوب سينمائي مميز، يدمج بين الضوء والظلام، وبين الواقع والخيال. يُعتبر هذا الفيلم إضافة مهمة للسينما الجزائرية في مجال الأفلام القصيرة، بما يقدم من جديد في معالجة الموضوعات النفسية والإنسانية.
أما في قسم الأفلام الروائية الطويلة، سيشارك "THE VANISHING" أو "الاختفاء" للمخرج كريم موساوي، الذي يقدم رؤية جديدة للسينما الجزائرية، من خلال فيلم مفعم بالرمزية والتشويق. هذا الفيلم الذي يعكس واقعا يعبر عن التوترات النفسية والوجودية، يُعتبر من بين أبرز الأعمال السينمائية التي تسلط الضوء على التحديات الإنسانية المعاصرة. العمل عبارة عن رحلة فلسفية تغمر المشاهد، في عالم متداخل بين الحلم والواقع، بين الماضي والحاضر، حيث تتنقل الشخصيات بين حالة من الغموض والتشويش حول ما هو حقيقي وما هو خيالي. يحمل الفيلم أسئلة وجودية عميقة، تتعلق بالهوية والذاكرة، مما يجعله فيلما يشد انتباه الجمهور ويدعوهم للتفكير في المفاهيم المتعلقة بالوجود والواقع. وبفضل التصوير السينمائي الرائع والإيقاع المحكم، استطاع موساوي أن يخلق تجربة بصرية وفكرية، تلعب على التوترات النفسية وتضع المشاهد في مواجهة مع نفسه.
وفيما يخص فيلم "فرانتز فانون" للمخرج عبد النور زحزاح، فهو يقدم لمحة عن شخصية فكرية بارزة في تاريخ الجزائر والعالم العربي. فرانتز فانون، المفكر والطبيب النفسي، الذي كان له دور كبير في تحليل تأثير الاستعمار على الفرد والمجتمع، يعد من الأيقونات التي شكلت فكر المقاومة والتحرر. في هذا الفيلم، يقدم زحزاح عملا سينمائيا يوثق جزءا من حياة فانون، وتفكيره حول الهوية والحرية والاضطهاد. بفضل الأسلوب السردي الوثائقي، الذي يمزج بين المعطيات التاريخية والتحليل النفسي، يحاول المخرج أن يروي قصة هذا المفكر بطريقة تنسجم مع قضايا الساعة، وتطرح أسئلة حول دور المثقف في ظل الصراعات الاجتماعية والسياسية. يعد هذا الفيلم بمثابة دعوة للتفكير في كيفية تأثير التاريخ على تشكيل الهويات الفردية والجماعية.