بعد أشهر من العدوان الصهيوني الدامي ومساع دبلوماسية حثيثة
وقف إطلاق النّار يدخل حيّز التنفيذ في لبنان
- 123
تنفّس اللبنانيون الصعداء مع دخول وقف إطلاق النّار حيّز التنفيذ فجر أمس، بعد أشهر طويلة من العدوان الصهيوني الجائر على بلادهم والذي خلّف في حصيلة جد دامية ما لا يقل عن 4 آلاف شهيد وآلاف الجرحى، وتسبّب في موجة نزوح مسّت أكثر من مليون شخص اضطروا لترك منازلهم وأراضيهم هربا من آلة الدمار الصهيونية.
ومع دخول وقف إطلاق النّار حيّز التنفيذ رحب رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، بالاتفاق المتوصل إليه أول أمس، بين "حزب الله" وحكومة الاحتلال، وقال إن "هذا القرار يعد خطوة أساسية نحو بسط الهدوء والاستقرار في لبنان وعودة النازحين إلى قراهم ومدنهم، كما أنه يساعد على إرساء الاستقرار الإقليمي".
وجدّد ميقاتي، تأكيد التزام الحكومة بتطبيق القرار الدولي رقم 1701، وتعزيز حضور الجيش اللبناني في جنوب البلاد والتعاون مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، داعيا "دول العالم والمؤسسات الدولية المعنية إلى تحمّل مسؤولياتها في هذا الصدد".وبمقابل الترحيب اللبناني راح رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، يحذّر من أن مدة وقف إطلاق النّار ستعتمد "على ما يحدث في لبنان"، قائلا "نحتفظ بالحرية الكاملة للعمل العسكري" في لبنان، ومهددا أنه "إذا انتهك حزب الله الاتفاق وحاول إعادة التسلّح فسنهاجم".
وينص اتفاق وقف إطلاق النّار بين "حزب الله" والكيان الصهيوني بانسحاب جيش الاحتلال من جنوب لبنان خلال 60 يوما، مقابل الانسحاب الكامل لـ"حزب الله" إلى شمال نهر الليطاني الذي يبعد 30 كلم عن الحدود مع شمال فلسطين المحتل. ومع انسحاب "حزب الله" والجيش الإسرائيلي بشكل تدريجي، سيبدأ الجيش اللبناني انتشارا تدريجيا أيضا في جنوب لبنان، وفقا لبنود الاتفاق الذي سيخضع إلى إشراف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث من المتوقع أن يصبح اتفاقا دائما بعد فترة الستين يوما.
ورغم أن كلا الطرفين لم ينشرا بنود الاتفاق رسميا، إلا أن تقارير إعلامية كشفت مسودة النّص الذي تضمن 13 بندا أبرزها أن "حزب الله" وجميع الجماعات المسلّحة الأخرى في الأراضي اللبنانية، لن تقوم بأي عمل هجومي ضد إسرائيل، التي بدورها لن تنفذ أي عملية عسكرية هجومية ضد أهداف في لبنان بما في ذلك من البر والجو والبحر.وبينما يعترف كل من لبنان واسرائيل بأهمية قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، يحتفظ الطرفان بحق الدفاع الذاتي ضمن أطر المواثيق الدولية.ومن بين البنود أيضا أن تكون القوات الأمنية والعسكرية الرسمية اللبنانية، الجهة المسلّحة الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح أو استخدام القوات في جنوب لبنان.
غير أن هذه البنود وأخرى من التي يتّضح من مضمونها أنها تهدف لتشديد الخناق من حول "حزب الله" بخصوص استخدام سلاحه، تطرح العديد من التساؤلات حول ما إذا كان هذا الاتفاق سينهي القتال الذي دام أكثر من عام عبر الحدود، والذي قتلت القوات الإسرائيلية خلاله أكثر من 3700 شخص في لبنان غالبيتهم مدنيون، ودفعت أكثر من 1.2 مليون لبناني للنزوح من منازلهم؟
وبينما يجمع مراقبون، على أن الاتفاق قد يهدئ بشكل مؤقت التوترات التي أشعلت المنطقة، إلا أنهم يعتقدون بأنه قد لا يساهم بشكل كبير ومباشر في احتواء الحرب الأكثر دموية التي اندلعت في قطاع غزّة منذ السابع أكتوبر من العام الماضي، وهناك من يعتقد أن وقف إطلاق النّار يوفّر الراحة لكلا الجانبين، كونه يمنح من جهة جيش الاحتلال المنهك استراحة، ويسمح لقادة "حزب الله" أيضا بإعادة ترتيب صفوفهم والظهور بمظهر المحافظ على أراضيهم.
على أمل أن يمتد لينهي حرب الإبادة الصهيونية في غزّة
ترحيب دولي واسع بوقف إطلاق النّار في لبنان
توالت أمس، ردود الفعل الدولية المرحبة بإعلان وقف إطلاق النّار في لبنان، وسط آمال بأن يفتح هذا الاتفاق الباب أمام اتفاق مماثل لإنهاء حرب الإبادة الصهيونية التي قضت على الأخضر واليابس في قطاع غزّة المنكوب.
ص. م
ورحبت معظم العواصم الغربية والعربية بدخول وقف إطلاق النّار المعلن في لبنان، حيّز التنفيذ بداية من الساعات الأولى لفجر أمس، بما يضع حدا لأكثر من عام من العدوان الصهيوني الدامي على هذا البلد العربي المنهك بالأزمات السياسية والاقتصادية.
وكان الموقف واحدا بوصف الإعلان بـ"الخبر الجيّد" الذي يسمح للبنان بانطلاقة جديدة ويعيد الآمال لإنهاء الحرب الدامية الدائرة رحاها في غزّة، وهو ما ذهب إليه الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أعلن أن إدارته ستقود في الأيام القليلة المقبلة، والمتبقية لها من ولايتها جهودا جديدة مع تركيا ومصر وقطر ودول أخرى من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النّار في قطاع غزّة يتضمن تحرير الأسرى.
والأمر نفسه عبّر عنه الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون، الذي شدد على أهمية أن يفتح هذا الإعلان المجال أمام وقف إطلاق نّار طويل الأمد ينهي المعاناة التي لا مثيل لها لسكان غزّة، مشيرا إلى أن "استعادة سيادة لبنان تتطلب انتخابا فوريا لرئيس الجمهورية"، كما رحبت كل من ألمانيا وبريطانيا وسويسرا وهولندا والاتحاد الأوروبي بوقف إطلاق النّار في لبنان.من جانبها حيّت الصين، الإعلان مؤكدة دعمها لكل الجهود الهادفة إلى التخفيف من حدّة التوتر وإرساء السلام، في حين عبّرت تركيا عن أملها في أن يكون وقف اّطلاق النّار دائما، مشيرة إلى أن المجموعة الدولية مطالبة بممارسة ضغوط على اسرائيل لحملها على الاحترام التام لوقف إطلاق النّار، وتعويض الخسائر التي خلّفتها في لبنان، كما أكدت تركيا أنه من أجل ضمان السلام والاستقرار في المنطقة فإنه من الضروري جدا التوصل في القريب العاجل إلى وقف شامل لإطلاق النّار في غزّة.
أما الحليف التقليدي لـ"حزب الله" إيران، فلم تتخلّف هي الأخرى عن الترحيب الدولي بوقف إطلاق النّار في لبنان، مؤكدة في الوقت نفسه مساندتها التامة للحكومة والشعب والمقاومة اللبنانية.وعلى الصعيد العربي كانت السلطة الفلسطينية من السبّاقين للترحيب بالاتفاق، معبّرة عن أملها في أن يساهم في وقف "العنف وعدم الاستقرار" في عموم منطقة الشرق الأوسط.من جانبها أكدت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أنها تتابع مجريات الاتفاق في لبنان، ففي نفس الوقت الذي أعربت فيه عن التزامها بالتعاون مع أي جهود لوقف إطلاق النّار في غزّة، وقالت في بيان لها أمس "نحن معنيون بوقف العدوان على شعبنا ضمن محددات وقف العدوان على غزّة التي توافقنا عليها وطنيا، وهي وقف إطلاق النّار وانسحاب قوات الاحتلال وعودة النازحين وانجاز صفقة تبادل للأسرى حقيقية وكاملة"، كما دعت الحركة، إلى حراك جاد وضاغط على واشنطن والاحتلال لإنهاء حرب الإبادة المتواصلة في قطاع غزّة.
وبينما دعا العراق إلى مضاعفة الجهود الدولية لتفادي أي تصعيد جديد، وطالب المجموعة الدولية بضرورة اتخاذ إجراءات جادة وعاجلة لوقف المجازر والهجمات الصهيونية ضد الفلسطينيين في قطاع غزّة، عبّرت المملكة العربية السعودية عن أملها في أن يقود وقف إطلاق النّار المعلن في لبنان، إلى المحافظة على سيادة هذا البلد وتطبيق القرار الأممي 1701 الصادر عن مجلس الأمن عام 2006، والذي أنهى حينها الحرب بين "حزب الله" والكيان المحتل. أما قطر التي قادت جهودا حثيثة لإنهاء العدوان الصهيوني على غزّة، فقد عبّرت عن أملها في التوصل إلى اتفاق مماثل يضع حدا للحرب الدامية المتواصلة فصولها في القطاع والهجمات الصهيونية في الضفّة الغربية المحتلّة.
دون "ازدواجية في المعايير"
خبراء أمميون يدعون الدول للامتثال لقرار الجنائية الدولية
دعا خبراء في الأمم المتحدة الدول إلى الامتثال الكامل لمذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية دون أي ازدواجية في المعايير.
جاء ذلك في بيان صادر من مدينة جنيف السويسرية عن أكثر من 40 خبيرًا ومقررًا خاصًا في الأمم المتحدة أبرزهم المقرّرة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا البانيز، والمقرّر الخاص المعني بالحق في الغذاء، مايكل فخري، والمقرّر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، بن شاول.
وأكد الخبراء توثيقهم لعديد الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين بعد عدوان الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية منذ السابع أكتوبر 2023.
وشدّدوا على أن غياب المساءلة المستمر، خاصة فيما يتعلق بالانتهاكات التي تقوم بها قوات الاحتلال الصهيوني كان عاملا أساسيا في تزايد العنف بالمنطقة ما أثر على حياة ومستقبل الفلسطينيين.
وذكر الخبراء الدول بالتزاماتها القانونية والأخلاقية في تنفيذ القانون الدولي ومعاقبة مجرمي الحرب، مشيرين إلى أن مسؤولية تنفيذ مذكرات التوقيف تقع على عاتق الحكومات، كما أكدوا أن الامتثال لمذكرات التوقيف والالتزام بالعدالة أمر حاسم لتجاوز الإفلات من العقاب المستمر وإنهاء الجرائم الجسيمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حاثين المحاكم الوطنية باستعمال اختصاصاتها من أجل الإسهام في جهود محكمة الجنائية الدولية.
بينما رفض الاحتلال 37 محاولة لوصول المساعدات الإنسانية إلى الشمال
"الأونروا" تحذّر من وصول الجوع إلى مستويات حرجة في غزة
حذّرت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، التي طالبت مجدّدا أمس، بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، من تداعيات وصول الجوع في قطاع غزة إلى مستويات حرجة.
وقالت الوكالة الأممية في بيان "وصل الجوع في غزة إلى مستويات حرجة.. مع دخول فصل الشتاء، تتدهور الأوضاع بسرعة ويصبح البقاء مستحيلا دون مساعدات إنسانية عاجلة، يجب وقف إطلاق النار الآن". وقال نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق، أن الأمم المتحدة قامت بـ41 محاولة هذا الشهر للوصول إلى المواطنين المحاصرين في مناطق شمال غزة وإمدادهم بمساعدات منقذة للحياة، لكن الاحتلال الصهيوني منع جميع هذه المحاولات.
وأضاف أن الاحتلال رفض 37 من هذه البعثات، علما بأن تلك التي تمت الموافقة عليها وعددها 4 بعثات، قوبلت بعوائق على الأرض ولم تحقق سوى جزء من مهامها في وقت تخضع فيه أجزاء من شمال غزة للحصار لأكثر من 50 يوما ويتعرض الأهالي لقصف مكثف وهم بحاجة ماسة للمساعدة.من جهته، شدّد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" على أن القانون الدولي الإنساني يفرض حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الحيوية لهم سواءً كانوا داخل مناطقهم المحاصرة أو نزحوا إلى مناطق أخرى.
ويواجه النازحون في أماكن الإيواء المؤقتة في غزة ظروفا مأساوية، حيث يعانون من نقص في الإمدادات والخدمات الأساسية، إضافة إلى الاكتظاظ والمخاطر الصحية بسبب تدهور أوضاع النظافة. ومع قدوم فصل الشتاء، يزداد الخطر على مئات الآلاف من النازحين الذين يعيشون في مخيمات مؤقتة، بما جعل الأمم المتحدة تطالب بزيادة نقاط الدخول إلى غزة لتسهيل توزيع المساعدات وتخفيف معاناة المدنيين الذين يعيشون في ظل ظروف إنسانية بالغة الصعوبة.