مسرحية "العائدون" لمسرح أم البواقي

رحلة في أعماق التحديات النفسية بعد الحرب

رحلة في أعماق التحديات النفسية بعد الحرب
  • 158
دليلة مالك دليلة مالك

عُرضت مسرحية "العائدون من الحرب "من إنتاج مسرح أم البواقي، ضمن المنافسة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح المحترف 17 من إخراج لحسن شيبة، وتأليف خير الدين بلقادي. وتطرح المسرحية قضايا معقّدة تتعلق بالذاكرة الجماعية، والعدالة، والمصالحة الوطنية، في سياق يعكس التحديات النفسية والاجتماعية التي تواجه الأفراد والمجتمعات في مرحلة ما بعد الحرب.

تبدأ المسرحية في صالون الجنرال موسى، ضابط سابق، يبدو أنه قد تكيّف مع مرحلة السلام التي أُرسيت بعد الحرب، إلاّ أن هذا التوازن الظاهري يتزعزع سريعا مع ظهور « أبوفارس »، وهو محارب قديم آخر، يشكّك في مصداقية هذا السلام، ويَعده سطحياً وزائفاً. هذه البداية تضع المسرحية في سياق يظلّ فيه التوتر بين الذاكرة والمصالحة والعدالة، حاضرًا بقوّة؛ ما يسلّط الضوء على الانقسامات التي خلّفها الماضي القريب. ويستعرض النصّ آثار الحروب ليس فقط على الأجساد، ولكن أيضا على الأرواح والمجتمعات. 

وشخصية موسى التي يؤديها عبد اللطيف خُمري تمثل السلطة القمعية، والمناطق المظلمة في المجتمع، الذي يسعى إلى إعادة البناء بعد النزاع. إلى جانبه، نجد شخصيات مثل جودي الخادم المخلص الذي يكرس نفسه حتى حد الطمع، لتجسيد الاستسلام، والجشع المصلحي. 

وتعارض هذه الشخصيات بطلًا غائبا لكنه حاضر في كل مكان، هو بلاتونوف، الذي سقط في المعركة. وتُعد وفاته رمزاً لمصير الأبطال في أنظمة تغشاها الخيانة والمناورات. من جهة أخرى، تقدم زينب وجهة نظر مختلفة، مليئة بالحزن النفسي؛ بسبب فقدان زوجها. وكان زوجها أخبرها قبل موته أن كل شخص يخوض حربه بطريقته الخاصة، وهو ما يطاردها ويلاحقها طوال الوقت. وتجد زينب في موسى شخصية مرشدة. وتحاول إعادة بناء حياتها، واستعادة شكل من أشكال الصمود.  ومع تقدم الأحداث يظهر بوضوح أن زينب تسعى إلى هدف شخصي لا يلين، وهو الانتقام لموت زوجها. ويتحقق انتقامها في النهاية، ولكن في نهاية مأساوية، تختلط فيها آلام الخسارة مع شعور مرير بالرضا.

المسرحية لا تقدم صورا نمطية لشخصياتها، بل تدفع المشاهد إلى التفكير في التحديات المرتبطة بإعادة البناء بعد الحرب، والتنازلات الضرورية من أجل سلام هش، والمآزق الأخلاقية التي تظهر في سياق المصالحة الوطنية؛ من خلال تقديم شخصيات معقدة تتراوح بين الضحايا والمستفيدين. وتفتح المسرحية المجال لتأملات أعمق حول تأثيرات الحروب على النفس البشرية والمجتمع؛ حيث تُركت جروح عميقة لا تظهر بالضرورة، لكنها تبقى موجودة دائما.