بعد التجربة القاسية لوباء كورونا
تعزيز الثقافة الوقائية وتقوية المنظومة الصحية كفيلان بالتصدي للجوائح
- 163
يحتفل المجتمع الدولي في 27 ديسمبر من كلّ سنة، باليوم الدولي للتأهّب للأوبئة، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2020، خلال انتشار وباء كورونا. وجاء لتشديد التحسيس والتوعية بأهمية الوقاية، ومنع انتشار الفيروسات وتحوّلها إلى حالات وباء وجائحة، قد تضرب العالم كافة، وتعيق حركته، وتمسّ باقتصاداته واستقراره عامة. ويهدف هذا اليوم إلى تسليط الضوء على مخاطر الأوبئة، وخاصة توضيح ـ بعد تجربة مريرة ـ سبل الاستعداد لها بطريقة صحيحة، تراعي الشراكة في مواجهتها لحلول أفضل، وأسرع، وأكثر فعالية؛ لتفادي وقف حركة العالم مرة أخرى.
عن هذا الموضوع حدّثت المختصة في الأمراض المعدية والطب الوقائي الدكتورة سامية بن شريف، "المساء" ، قائلة: "إنّ جائحة كورونا أعطت درسا "قويا" للعالم كافة. وعدم استخلاص التجارب من تلك المرحلة أمر مستحيل. وأهم ما يمكن خبراءَ الصحة والمهتمين أن يستنبطوه من تلك الأزمة، طرق التأهّب للوباء، وعدم انتظار مفاجأة جديدة من وباء جديد قد يضرب العالم مرة أخرى؛ إذ إنّ الوقاية من تردّدات تلك الفيروسات، تبدأ في مرحلة أولى، بالتأهّب للجائحة كمرحلة أولية وأساسية، لأخذ جميع التدابير اللازمة؛ لتخفيف أثر تلك الأوبئة عن الصحة العمومية من جهة، وعن جميع القطاعات الأخرى من جهة أخرى.
وأضافت المختصة أنّ جائحة "كورونا" غيّرت منظومة مكافحة العدوى، والتأهّب للأوبئة في العالم؛ فالتجارب المريرة التي عاشتها الدول والنقائص التي تمّ تسجيلها والفجوات الكبيرة في القطاع الصحي، كلّها كانت أمورا لا بد أن تُأخذ بعين الاعتبار؛ تحسّبا لهذا النوع من الأزمات الصحية. وتلك التجربة الكبيرة والطويلة ـ تضيف الدكتورة ـ لقّنت درسا عميقا في سبل التأهّب للأوبئة، خاصة ضرورة التفكير والتأهّب لجميع الاحتمالات التي قد تصيب الصحة العمومية، والتفكير في أكثرها تعقيدا وأشدّها خطورة، وهذا ما يجعل القطاع الصحي والعاملين في المجال، يتأهبون لتلك الأزمات.
وأكدت الطبيبة أنّ منذ تعرّض العالم لجائحة "كوفيد 19" ، شهدت المنظومة الصحية تغيّرات عديدة في جميع دول العالم. وتسبّبت الأزمة في هشاشة كبيرة، وأضعفت القطاع بشكل عام. ودفعت بالدول إلى مساعدة بعضها البعض لتخطي الوباء، إلاّ أن القطاع بعد ذلك، تمكّن من أن يصبح أقوى من خلال وضع أسس جديدة لمكافحة العدوى أو الجوانب التشخيصية والعلاجية والوقائية قبل تحوّل الفيروس إلى وباء.
وفي هذا الصدد، دعت المتحدثة إلى "تبنّي التفكير الوقائي للمجتمع كافة" قالت "إنّ استعداد القطاع الصحي والمنظومة عامة، ووضعها للدرع الدفاعي، لا يكفي وحده للسيطرة على الفيروسات في حالة انتشارها، بل يجب على المجتمع كافة أن يكون له التفكير "الوقائي" وأن يتبنى السلوكيات التي من شأنها حمايته من هذا النوع من الفيروسات، خاصة وقف العدوى التي يمكن أن تنتشر كالنار في الهشيم بين الناس، لاسيما وأنّ الجميع اليوم على دراية تامة بسبل الوقاية وحماية الصحة، والحديث عنها لا يكون كافيا أبدا، بل لابدّ من إدراجها كمواد تعليمية وتدريسية ضمن المنظومة التربوية، لنقلها للأجيال، وجعلها سلوكيات طبيعية مطبّقة دائما وليس فقط في حال انتشار فيروسات.
وأضافت الدكتورة أنّ جهود الاحتفال بالأيام الصحية، مثل اليوم العالمي للتأهّب للوباء، تهدف إلى الوصول لفهم أفضل للأوبئة وسلوكياتها، للحدّ من توسّعها، عبر التحليل المستمر والدائم للبيانات الوبائية، وعدم التهاون مع أيّ حالات، والعمل على فهم انتقال الفيروس وسلوكياته، إلى جانب الترصّد، والتنبؤ، والتشخيص، والرعاية السريرية والعلاج، لتحديد الفيروس وإدارته والحدّ من انتقاله.
في الختام، أوضحت الطبيبة أنّ الأوبئة تعدّ تحديا كبيرا، لسرعة انتشارها وانتقالها بين القارات، فلا حدود لنشاطها، لذا يعدّ من الضروري معرفة سبل التحكّم فيها، خاصة بالطريقة السريعة والفعّالة، قبل أن تتسبّب في إفشال أو إضعاف القطاع الصحي والتسبّب في هشاشته، مؤكّدة أنّه إلى جانب تسبّب الجوائح والأوبئة في تهديد حياة البشر، فإنّها تهدّد أيضا النظم الصحية والاجتماعية والاقتصادية كافة، لاسيما في البلدان التي تعاني بالأساس من بعض المشاكل في هذه القطاعات.