طارق ماما (مدرب في ألعاب القوى) لـ’’المساء ":
تهميش الكفاءات وراء تقهقر مستوى الفرع
- 699
طارق ماما، تقني سامي في رياضة ألعاب القوى، التي يمتهن فيها التدريب منذ سنوات طويلة، بعد تخرجه من معهد الرياضة، قاد عدة أندية عاصمية في شتى اختصاصات هذا الفرع الرياضي، وساهم في تكوين رياضيين برزوا في السابق على المستويين الوطني والدولي. شغل ماما، بعض المهمات في اتحادية الفرع، وبعد ذلك، أنشأ نادي "أولمبيك بن عكنون" لألعاب القوى، الذي يسيره منذ سنة، فضلا عن إشرافه حاليا على فريق ألعاب القوى لمؤسسة "كوسيدار".
وافق ماما بصدر رحب، على إجراء حوار مع "المساء"، تطرق فيه لواقع رياضة ألعاب القوى في الوقت الراهن، مشددا بشكل خاص، على الإسراع في إعادة النظر في تسيير اختصاصاتها، منبها أيضا إلى ضرورة الاهتمام أكثر بمستقبل الفريق الوطني والأندية على حد سواء، حيث قال في هذا الشأن، إن القائمين على شؤون الهيئة الفدرالية للفرع مجبرون، أكثر من أي وقت مضى، على إيجاد حلول استعجالية، للنهوض بهذه الرياضة، منها الكف عن تهميش الكفاءات الحقيقية للفرع، والشروع في إطلاق مشاريع رياضية واضحة المعالم.
❊ بداية، كيف يقيّم التقني ماما واقع ألعاب القوى في الجزائر؟
❊ متأسف جدا من واقعه المزري، الذي همش الكفاءات الجزائرية لهذا الفرع، ما أثر سلبا على المستوى العام لأم الرياضات، التي فقدت منذ عدة سنوات بريقها الدولي، لاسيما في ظل غياب التتويجات في أكبر تظاهرات عالمية، منها دورات الألعاب الأولمبية، بعدما دأبت الجزائر على البروز فيها بامتياز لسنوات عدة، لاسيما في سباقات 1500م، بفضل ذهبيات حسيبة بولمرقة ونور الدين مرسلي ونورية بنيدة مراح وتوفيق مخلوفي.... وعلى العموم، الواقع الحالي لألعاب القوى الجزائرية لا يبشر بالخير، في ظل غياب إنجازات نوعية على المستوى الدولي، نتحسر كثيرا على هذا الوضع، كون الهيئة الفدرالية تشهد حاليا، فشلا ذريعا في مجال تسيير الأموال الباهظة، التي تتلقاها من الوزارة الوصية.
❊ ما هي، في نظرك، عيوب التسيير التي تجرها رياضة ألعاب القوى؟
❊ تشريح الوضع بلغة حادة، أصبح أمرا ضروريا، بسبب تواجد الفرع في غرفة الإنعاش، وعليه لابد من إيجاد حلول استعجالية في الشقين الفني والإداري، هذه الحالة، سببها تعاقب رؤساء على رأس الهيئة الفدرالية، لهم نظرة ضيقة في مجال اختيار مدربي الفرق الوطنية، حيث يفضلون دوما الاعتماد على تقنيين محدودين في التدريب، يتقاضون أموالا باهظة، دون أن يقدموا الإضافة المرجوة منهم.. أتساءل لماذا لا تعتمد الهيئة الفدرالية على تقنيين ومدربين يصل مشوارهم التدريبي إلى 40 سنة، منهم مثلا، بنيدة مراح وصخري عز الدين وغيرهم من الكفاءات الأخرى، التي تريد وضع تجربتها الطويلة في خدمة رياضة ألعاب القوى.
لقد حان الوقت لكي تمنح لهذه الكفاءات المعروفة في أوساط ألعاب القوى، فرصة قيادة المنتخبات الوطنية بكل اختصاصاتها، وإعطائها الضوء الأخضر في التكفل بتكوين الفئات الشبانية، لكن مع ضرورة منحها المقابل المالي الذي تستحقه، للأسف الشديد، لا زلنا نشاهد ضمن الاتحادية، مسؤولين يواصلون مهامهم بصفة غامضة، وأدى ذلك إلى استمرار البريكولاج الحاصل على جميع الأصعدة، وهو الأمر الذي حال دون الاستفادة من كفاءات هامة، خاصة ما يتعلق بالرياضيين الدوليين السابقين، الذين ذهبوا ضحية عدم منحهم القيمة التي يستحقونها، وحرمانهم من المساهمة في التكوين على أسس سليمة.
❊ حسب كلامك، الاتحادية لم تقم ببعث مشاريع واضحة المعالم، تحت قيادة مسؤولها الحالي، لماذا هذا التقصير؟
❊ من طبيعتي لا أحب توجيه الانتقادات إلى الأشخاص، لكن أكره الممارسات التي تسيء لهذه الرياضة، وهذا للتوضيح فقط، فالعهدة السابقة للاتحادية لم تشهد بعث أي مشروع رياضي واضح المعالم، وهو الأمر الذي خلف فشلا ذريعا في برنامج الهيئة الفدرالية، وهذا ما تُرجم في دورة طوكيو الأولمبية، التي عرفت نتائج صفرية لممثلينا في هذه الرياضة، ولا يمكن للعداء سجاتي، الفائز بالميدالية البرونزية أن يغطي على هذا الفشل، الذي حدث لرياضتنا بصفة عامة في دورة باريس 2024، بالإضافة أيضا إلى تراجع مستوى رياضيينا على المستوى الدولي، بناء على مسارهم وإمكاناتهم الفنية ومحطاتهم التنافسية النوعية، التي شاركوا فيها، فالكل يجمع على أن ما تحقق في دورة باريس الأولمبية، كان بمثابة الشجرة التي تغطي الغابة في ألعاب القوى الجزائرية، مع العلم أن تحضيرات البطل الأولمبي تشرف عليها الرياضة العسكرية.
❊ حدثنا عن مشوار الوفد الرياضي الجزائري لألعاب القوى في دورة باريس؟
❊ في الحقيقة، ما حدث لهذه الرياضة في دورة باريس كان منتظرا، وهو نتيجة حتمية لعدة ممارسات لا مسؤولة، قامت بها أطراف مسؤولة، لم تول اهتماما كبيرا للمنظومة الرياضية الوطنية، وانعكس ذلك سلبا على تحضيرات الرياضيين المتأهلين إلى أكبر تظاهرة رياضية عالمية، التي خرجت منها الجزائر بميدالية برونزية فقط، من إنجاز سجاتي، الذي يعرف استقرارا في التدريبات، وعليه حان الوقت لإحداث ثورة على كافة مستويات الفرع، من أجل تسليم المشعل لكفاءات تملك أفكارا حديثة، وتعمل بعيدا عن "أوامر الهاتف"، حتى نجدد العهد مع العصر الذهبي الذي شهد تتويجات نوعية.
❊ أسلفتم بأن ألعاب القوى الجزائرية أصبحت بعيدة عن التحديات الدولية؟
❊ بالفعل، وأستدل في ذلك، بغياب ممثلي الجزائر في سباق 1500 م، فكان ذلك أمر غير طبيعي بالنسبة لهذا الاختصاص، الذي تعودت العناصر الجزائرية السيطرة عليه في السابق، من خلال التتويج بألقابها بدون منازع، بداية بذهبيات حسيبة بولمرقة ونور الدين مرسلي، مرورا إلى إنجاز نورية بنيدة مراح، وصولا إلى توفيق مخلوفي.. وفي الحقيقة، الجزائر تملك خزانا هائلا في هذا التخصص، بفضل المواهب الشابة التي تثبت في كل منافسة محلية عن مؤهلاتها الواعدة، وهذه الفئة تحتاج فقط إلى العناية والاهتمام، في ظل استغلال المرافقة النوعية التي توليها السلطات العليا في البلاد للرياضة في بلادنا.
❊ كيف تقيّم مشوارك الرياضي في ألعاب القوى؟
❊ لدي مشوار طويل يفوق 40 سنة، تقلدت خلالها مناصب عدة على مستوى الاتحادية، وكذا مدرب لعدة أندية عاصمية، منها مولودية الجزائر، ونادي القبة وأولمبيك بن عكنون، آخرها نادي الشراقة، وحاليا تم اختياري كمسير عام لنادي مؤسسة "كوسيدار"، الذي لم يتوان مسؤولوه عن ربط الاتصال معي، لكي أشرف على العارضة الفنية لفريق ألعاب القوى، وذلك لدرايتهم بالتجربة النوعية التي أتمتع بها، وأستثمرها بطريقة محترفة في التكوين القاعدي، الذي يخص المواهب الشابة، وحتى المدربين المبتدئين.
❊ عادة ما يكون أيضا المستوى الرفيع في حاجة إلى دعم مالي كبير.. أليس كذلك بالنسبة لكل الرياضات؟
❊ فعلا.. الارتقاء بأي تخصص مرهون بالدرجة الأولى، بتوفير الإمكانات المادية، فالرياضة حاليا أصبحت كالعلوم الدقيقة، وهذا لتطور ميكانيزمات اللعب والتدريب والاسترجاع، الآن، السلطات العليا للبلاد تيقنت أن التقدم بأي فرع إلى أفضل مستوياته، تتواجد وراءه المرافقة والمال، وعليه يجب أن تضع هذه المبالغ بين أيادٍ تخدم الفرع وتطور مهارات أبطال الجزائر، لتترجم في المنافسات العالمية والأولمبية.
❊ كيف تختم هذا الحوار؟
❊ أرى أنه من الضروري التحلي بإرادة سياسية رياضية كبيرة ومميزة، للخروج بالقطاع من غرفة الإنعاش، تترجم بتبني منظومة رياضية وطنية واضحة المعالم، وترتكز أولا على نظام الواجب الوطني، كتلك المطبقة في الخدمة العسكرية، مرورا إلى الاعتماد على مراكز التجهيز، لضمان التكوين القاعدي، الذي يضمن خزان النخبة الوطنية، وصولا إلى الاستعانة بأهل الاختصاص لنقل خبراتهم وكفاءاتهم للمواهب الشابة، في ظل تحيين التقنيات الرياضية الحديثة.