الرقمنة لمعرفة حجم الإنتاج ومسار السلع من المصنع إلى الموزّع
كلّ المؤشرات بالأخضر والجزائر تدخل مصاف الدول الناشئة
- 497
❊ التكفّل بانشغالات المصدّرين .. إرادة لترقية الصادرات
❊ لا تلاعب بقوت الجزائريين وجهود لا تنضب لترقية الصادرات
❊ تدابير لتفادي الندرة وولوج الأسواق الخارجية
❊ دعم وتسقيف الأسعار للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن
عرف قطاع التجارة خلال سنة 2024، إجراءات تصبّ في خانة الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن؛ من خلال دعم أسعار المواد واسعة الاستهلاك، التي عرفت ارتفاعا في الأسواق الدولية، لتصل إلى المواطن بأسعار معقولة، مع تفعيل إجراءات الرقابة والردع؛ للتصدي لمحاولات المضاربة والتلاعب بقوت الجزائريين، بالإضافة إلى التوجّه نحو تعزيز الصادرات بالتكفّل بانشغالات المصدّرين؛ لتشجيعهم على رفع هذا التحدي؛ حيث تعهَّد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أوّل أمس، بمواصلة رفع الأجور خلال العهدة الثانية، مؤكّدا أنّ مداخيل الدولة سترتفع، وأنّ المواطن أولى بالاستفادة من الثروة الوطنية، في حين أوضح أنّ الجزائر ستدخل بعد أشهر فقط، فضاء الدول الناشئة بفضل الأرقام الاقتصادية الهامة، التي ترِد في التقارير الدولية، فضلا عن الوتيرة الجيّدة للاستثمارات على ضوء ميزانية الدولة، المقدّرة بـ 130 مليار دولار.
تميّزت السنة المنتهية بمواصلة القرارات ذات الطابع الاجتماعي، التي شرع رئيس الجمهورية في اتّخاذها منذ اعتلائه سدة الحكم للوقوف إلى جانب المواطن؛ حفاظا على كرامته، وتجنيبه معاناة ارتفاع أسعار المواد واسعة الاستهلاك التي تشكو العديد من الشعوب من ارتفاعها؛ ما انعكس سلبا على القدرة الشرائية لمواطنيها. كما مكّنت هذه التدابير الاستباقية من تحقيق وفرة في كلّ المنتوجات. ولم يعد المواطن، اليوم، يشكو الندرة، أو الطوابير للتزوّد من المواد الغذائية.
ويعود الفضل في ذلك إلى تمسّك الدولة بطابعها الاجتماعي، الذي قال عنه رئيس الجمهورية "خط أحمر" ، لن يتم التراجع عنه؛ حيث أخذت خزينة الدولة على عاتقها كلّ التكاليف الإضافية لدفع أسعار هذه المواد، التي عرفت ارتفاعا في الأسواق الدولية منذ أزمة كورونا، وتضرّر الاقتصادات العالمية، وزيادة نسبة التضخم.
ومن أبرز القرارات التي اتُّخذت لضمان استقرار هذه الأسعار، دعمُ أسعار القهوة التي عرفت زيادة كبيرة في الأسواق الدولية؛ حيث صدر في الجريدة الرسمية مرسوم ينصّ على تسقيف هذه المادة واسعة الاستهلاك عند الجزائريين. وتتكفّل الدولة بتقديم تعويض يتضمّن الفارق بين سعر التكلفة الحقيقي للقهوة وسعر البيع الأقصى، دون احتساب الرسوم، وبعد اقتطاع هامش الربح المطبق من طرف المتعامل المعني بالتعويض. يضاف إلى ذلك الفارق بين مبلغ الرسم على القيمة المضافة عند الاستيراد، ومبلغ الرسم على القيمة المضافة لعمليات بيع القهوة موضوع التعويض، علما أنّه تم تخصيص محفظة على مستوى وزارة التجارة، تتولى عملية تعويض المستوردين عن فارق السعر الذي يدفعونه عند الاستيراد.
كما واصلت الحكومة خلال 2024 قرار استيراد اللحوم الحمراء؛ لتمكين المواطن من اقتناء هذه المادة بأسعار مسقّفة تتراوح ما بين 1200 و1350 دينار؛ لمواجهة الارتفاع الجنوني في السوق الوطنية، والذي يعود بالدرجة الأولى، إلى قلة العرض، علما أنّ هذا القرار سيبقى ساري المفعول؛ من خلال منح رخص الاستيراد لعدّة مستوردين لتغطية حاجيات السوق الوطنية، إلى جانب اتّخاذ قرار جديد، من المزمع أن يدخل حيز التطبيق شهر جانفي 2025، والمتمثّل في استيراد العجول والأغنام الحية الموجّهة للذبح بالجزائر من 22 دولة، وهو ما سيمكّن من توفير العرض، واستقرار الأسعار.
ودائما في إطار الحرص على الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، أصدرت وزارة التجارة في الأشهر الأخيرة، تعليمات بتخصيص فضاءات بيع مجانية لمادة التفاح على مستوى أسواق الجملة التابعة لشركة "ماقرو" ، من المنتج إلى المستهلك مباشرة؛ للقضاء على الوسطاء، الذين يتسبّبون في ارتفاع أسعار هذه الفاكهة، حتى تصل إلى المواطن بأسعار معقولة، إلى جانب إصدار تعليمة أخرى تقضي بتخصيص نقاط بيع بالجملة لمادة البيض بالأسواق الجهوية التابعة لمجمع "ماقرو" ؛ لتمكين المواطن من اقتنائها بأسعار معقولة بعد تسجيل ارتفاع ملحوظ في الأسعار.
وأولت وزارة التجارة خلال السنة المنتهية، أهمية كبيرة لتنظيم السوق؛ من خلال مطالبة مؤسسة إنجاز وتسيير أسواق الجملة "ماقرو" ، بإعادة هيكلة المؤسسة، لتلعب دورا محوريا كمراكز شراء وتوزيع كبرى، وأداة للضبط، مع توسيع وتنويع نشاطاتها.
ولعلّ التعديل الحكومي الأخير الذي قرّر من خلاله رئيس الجمهورية إنشاء وزارة للتجارة الداخلية وتنظيم وضبط السوق، بفصلها عن التجارة الخارجية وترقية الصادرات، تأكيدٌ واضح؛ يعكس رؤية السلطات العليا وإرادتها في إعادة تأطير القطاع كركيزة أساسية لتطوير الاقتصاد الوطني، وتنويع مصادره، والحفاظ على سيادة الجزائر الاقتصادية، وكذا إعادة هيكلة السوق الوطنية، وتحسين آليات الضبط لحماية القدرة الشرائية للمواطنين. وفي مجال حماية المستهلك، وجّهت وزارة التجارة في الأشهر الأخيرة، عدّة تعليمات لمخابر التجارب لمراقبة النوعية التابعة لها، دعتها من خلالها إلى توسيع مجالات التحاليل، ومراقبة جودة المنتجات؛ حفاظا على صحة المستهلكين.
36 منصة رقمية لمتابعة مسار الإنتاج والتوزيع
وخلال سنة 2024، حقّق قطاع التجارة قفزة معتبرة على صعيد التحوّل الرقمي، اعتمادا على خطة استراتيجية لإرساء نظام معلوماتي متطور، يعزّز آليات الحوكمة في التسيير؛ من خلال إنشاء 36 منصة رقمية، مكّنت من التتبّع الدقيق لمسار إنتاج وتوزيع المواد الفلاحية والغذائية انطلاقا من المنتج أو المستورد، مرورا بتجار الجملة، ووصولا إلى تجار التجزئة، مع معرفة كميات الإنتاج والاستيراد والتوزيع، بالإضافة إلى ملاحظة أسعار السوق، وتطوّراتها من أجل محاربة الغش.
وتم توظيف هذه الأنظمة المعلوماتية للتكفّل بانشغالات التجار والمتعاملين الاقتصاديين، ومرافقتهم، إلى جانب تعزيز الربط البيني بين القطاعات والهيئات الحكومية؛ بواسطة استغلال بنية تحتية، وشبكة معلوماتية بتقنيات حديثة ومؤمنة. كما تمّ تحديد 150 إجراء وظيفي لتجسيد رقمنة قطاع التجارة الداخلية في إطار نظام معلوماتي متكامل قابل للتشغيل البيني التبادلي، مع وضع أدوات عمل رقمية لفائدة مستخدمي القطاع، وكل المتدخلين والمتعاملين، وعصرنة شبكة الأسواق الجهوية العمومية؛ لضبط تموين السوق، وضمان التوزيع العادل والمتوازن للسلع والخدمات عبر الوطن.
وترمي هذه الخطة إلى تجسيد الأهداف الاستراتيجية لرقمنة القطاع، ومواكبة التحوّلات الاقتصادية والاجتماعية؛ من خلال تحديث وتقليص الإجراءات الإدارية لتحسين جودة الأداء، وعصرنة المصالح المركزية والخارجية لقطاع التجارة الداخلية، وتعزيز البنية التحتية التكنولوجية، وتوفير شبكة معلوماتية آمنة وعالية الأداء، وكذا تصميم وتطوير النظم المعلوماتية عبر الربط البيني مع الأنظمة النظيرة للقطاعات الأخرى؛ قصد دعم اتّخاذ القرار.
إحصاء اقتصادي وآليات لدمج السوق الموازية
تعكف وزارة التجارة على وضع اللمسات الأخيرة للإطلاق الرسمي للمرحلة الثانية للإحصاء الاقتصادي الوطني، الذي يهدف إلى بناء قاعدة معلومات وطنية دقيقة وشاملة لكافة الأنشطة الاقتصادية؛ ما يعزّز من معرفة حقيقية للاقتصاد الوطني، وقدراته الإنتاجية. ودائما في مجال تنظيم السوق، تحضّر وزارة التجارة لآليات لدمج الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية ضمن الإطار الاقتصادي المنظّم؛ حيث انطلقت منذ أيام في إعداد دراسة بالتنسيق مع وزارة المالية لإعداد خارطة طريق لتجسيد هذا المشروع.
لجنة لمتابعة التجارة الخارجية والتكفّل بانشغالات المصدّرين
أما في مجال التجارة الخارجية، فتواصلت جهود الحكومة خلال سنة 2024، في مسار ترقية الصادرات خارج المحروقات؛ من أجل بلوغ الهدف الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية، والمتمثل في الوصول إلى 30 مليار دولار في غضون سنة 2030، بعد أن تمكّنت الجزائر، ولأوّل مرة، من رفع حجم هذه الصادرات إلى حوالي 7 ملايير دولار في 2023.
ولتجسيد هذا الهدف ارتأى رئيس الجمهورية تخصيص وزارة قائمة بذاتها للتجارة الخارجية وترقية الصادرات، بفصلها عن وزارة التجارة الداخلية خلال التعديل الحكومي؛ لتمكينها من التفرّغ لترقية الصادرات، بعد أن تم تنصيب الأعضاء الجدد للجنة متابعة التجارة الخارجية في الأشهر الماضية؛ بهدف تأطير التجارة الخارجية، وتحقيق توازن في الميزان التجاري؛ من خلال ترقية الصادرات خارج المحروقات، وضبط الواردات لحماية الإنتاج الوطني، وتفعيل اليقظة الاقتصادية، وتوجيه سياسة التجارة الخارجية بما يخدم مصلحة البلاد، خاصة في ظلّ التحديات الجيو-سياسية والاستراتيجية التي يشهدها الاقتصاد العالمي.
وتتمثل مهام هذه اللجنة في متابعة وتحليل تدفّقات المبادلات التجارية، واقتراح تدابير لإصلاح وضبط أنشطة التجارة الخارجية، وكذا التقييم الدوري للمعطيات المتعلّقة بالتجارة الخارجية، واقتراح تدابير جديدة تتعلّق بترشيد الواردات، إضافة إلى تقديم اقتراحات تخصّ تدابير ترقية الصادرات خارج المحروقات، وتدابير لتسهيل التجارة الخارجية، وتحليل وتقييم الاتفاقيات التجارية، وكذا السهر على تحيين ومصداقية المعلومات الاقتصادية والإحصائية.
وعرفت نهاية سنة 2024 الانطلاق الفعلي في الفاتح نوفمبر الأخير، لمنطقة التبادل التجاري الإفريقي، الذي يُعد فضاء تجاريا لـ 55 دولة بالقارة، ويتيح سوقا لأزيد من 3000 مليار دولار؛ الأمر الذي يمكّن الجزائر من أن تلعب دورا فعّالا في هذه المنطقة؛ باعتبارها مركزا تتقاطع فيه المبادلات التجارية مع 100 دولة في العالم.
ورغبة في ترقية الصادرات خارج المحروقات والتعريف بالمنتوج الوطني، واصلت الحكومة في منح تسهيلات وإعفاءات للمنتجين والمصدّرين. كما أصدرت وزارة التجارة في المدة الأخيرة، تعليمات للشركة الوطنية للمعارض والتصدير، تطالبها بالتحضير لتظاهرات اقتصادية وطنية وجهوية، تبرز المنتوج الوطني، وتروّج له.
تنظيم التجارة الخارجية ومحاربة لوبيات الاستيراد
حرصاً منه على ترقية الصادرات دون التسبّب في أيّ تذبذب أو ندرة المنتوجات بالسوق الوطنية، دعا رئيس الجمهورية إلى التحضير لمرسوم ينظّم التجارة الخارجية، بما فيها عمليات التصدير، التي تتطلّب دراسات جدوى مالية واقتصادية دقيقة للسوق الوطنية والدولية؛ حتى لا يتحوّل التصدير إلى نقمة، ومصدر للندرة، واختلال للسوق الوطنية. كما أمر بمزيد من اليقظة على مستوى وزارة التجارة؛ لمحاربة "لوبيات الاستيراد" التي تحاول ابتزاز الدولة، وذلك بسحب تراخيصهم وسجلاتهم التجارية فور إثبات تورّطهم.
وكان رئيس الجمهورية ترأّس، مؤخرا، اجتماعا بمقر الرئاسة حول موضوع الصادرات. ووجّه أوامر صارمة للتكفل السريع والفعال بانشغالات المصدّرين بعد الاستماع إلى انشغالاتهم. كما دعا الرئيس تبون خلال هذا اللقاء، إلى التوجّه نحو رؤية استراتيجية جديدة، لتحويل بلادنا إلى "قطب امتياز" في مجال التصدير. تجدر الإشارة إلى أنّ الميزان التجاري خلال سبعة أشهر الأولى من سنة 2024، سجّل فائضا قدره 3.75 ملايير دولار أمريكي؛ حيث بلغت قيمة الواردات 26.62 مليار دولار، بينما بلغت قيمة الصادرات 30.36 مليار دولار.