يناير2975
تفاؤل لمٌّ للشمل وإحياء للتراث
- 422
❊ فرصة للتعريف بالتراث المادي واللامادي والمخيال الشعبي
❊ احتفال بيوم العجوزة والعروس لدى "الجبايلية" بالبليدة المراسلون
❊ فسيفساء ثقافية تعكس هوية الوطن
التفاؤل بسنة جديدة حبلى بالخيرات والحرص على حفظ التراث الشعبي، خاصية تطبع احتفالية يناير المصادف لـ 12 جانفي من كل سنة. وهو بداية التقويم الفلاحي القديم، وكذا إحياء الانتصارات والبطولات التي تتغنى بها الأجيال حول انتصار الملك الأمازيغي شاشناق على فرعون؛ إذ يحرص كثير من العائلات في مختلف ربوع الوطن، على إحيائها، في وسط يطبعه التلاحم ولمّ الشمل، وكذا إرساء القيم السامية، وروح الأخوة بين العائلات والجيران، وغالبا ما تكون مناسبة افتتاح السنة الفلاحية بشارة خير على البلاد والعباد. وتشكل الاحتفالات تفاؤلا بالخير العميم الذي تعطيه الأرض، فرصة لإبراز عادات وتقاليد كل منطقة؛ من خلال إعداد أشهى وأطيب الأطباق التي تعكس إبداع الحرائر وفق تقاليد مختلف مناطق الوطن. وقد امتدت رقعة الاحتفال بعد ترسيم اليوم وجعله وطنيا.
ورصدت "المساء" من خلال هذا الملف، مظاهر الاحتفال، والعادات والتقاليد التي تطبع الفرحة في بعض مناطق الوطن، وسط حبور الأطفال، وارتدائهم الزيّ القبائلي الذي يزيّن الأجواء الاحتفالية، إلى جانب الموائد التقليدية المنصوبة، والتي اجتمعت عليها خيرات الرزاق؛ من دقيق، وقمح، وشعير، تحولت إلى ثريدة، وشخشوخة، وكسكسي بمختلف الأنواع، إلى جانب مختلف العجائن؛ على غرار المعارك، والخفاف، والبغرير، والطمينة أو الزيراوي، وغيرها من المأكولات التي تتفنن النساء في إعدادها، ليجتمع حولها الكل في يوم مميز، يتمنى الجميع تكرّره.
❊ أحلام محي الدين
فرصة للمّ الشمل والتفاؤل بسنة فلاحية خيّرة
السنة الأمازيغية موعد مع الوحدة الوطنية
يشكل الاحتفال ببداية التقويم الفلاحي على مستوى ولاية البليدة، على غرار كل ولايات الوطن المصادف، لـ 12 يناير من كل سنة، فرصة لإبراز ما تزخر به الولاية من موروث للاحتفال بالمناسبة. وعلى الرغم من تضارب الروايات حول أصل الظاهرة الاحتفالية بين من يُرجعها إلى تخليد ذكرى انتصار الأمازيغ بقيادة "شاشناق" على الفراعنة، وبين الانطلاق في التقويم الفلاحي المرتبط بخدمة الأرض وتنوع الموروث والأساطير والقصص الشعبية التي ارتبطت بالظاهرة الاحتفالية، إلا أن المبدأ واحد، وهو التفاؤل والتيمّن ببداية سنة مليئة بالخير، وسعيدة، ومثمرة.
المتجول في الأسواق الشعبية بولاية البليدة، يقف على الاهتمام الكبير الذي يوليه التجار المحليون، بكل ما له علاقة بالاحتفال بحلول السنة الأمازيغية الجديدة؛ من خلال بيع كل ما له علاقة بالاحتفال؛ من مكسرات، وحلويات، وألبسة تقليدية، وسلال معَدة من الحلفاء بأحجام وأشكال مختلفة، وكذا معجنات تحضَّر بها ولائم العشاء، بل ذهب آخرون إلى تحضير وجبات جاهزة من الحرفيين الذين تخصصوا في صنع الأطباق التقليدية؛ حيث يجهّزون أطباقا من "التبيّخة" المعَدة من الأعشاب والفطاير، للراغبين في إقامة وليمة الاحتفال بالسنة الأمازيغية، التي لاتزال تحظى باهتمام كبير من ساكنة البليدة، خاصة أولئك الذين يسكنون الجبال أو كما يسمون بـ "الجبايلية".
الاحتفال بيوم العجوزة والعروس
أوضح الباحث في تاريخ البليدة يوسف أوراغي، في تصريح لـ "المساء" أن سكان البليدة، لايزالون يحافظون على عاداتهم وتقاليدهم؛ من خلال التحضير للاحتفال بحلول السنة الأمازيغية الجديدة أو كما يقال: "رأس العام" ؛ حيث يكون الاحتفال على مدار يومين، يبدأ في 12 جانفي ويسمى يوم "العجوزة" .
ويحضَّر فيه طبق "التبيّخة" المعروف بشهرته بالنظر إلى قدمه بالولاية. ويتكون من أنواع مختلفة من الحشائش؛ مثل "البوبرايس" و"السلق" و "القرنينة" ، وغيرها من الحشائش والأعشاب التي تتوفر عليها جبال الأطلس البليدي. وفي المساء يتم تحضير "المعارك" التي ترافق قهوة العصر.
واليوم التالي ـ وهو الموافق لـ13 يناير ـ يسمى بيوم "العروس" ؛ كون كل فتاة زُفت إلى بيت زوجها تعود إلى منزل أهلها لتشاركهم في وليمة العشاء والاحتفال، فتحضّر فيه وجبة "الفطاير"، التي تطبخ على المرآة وتكون رقيقة. وتُقطع في الجفنة، وتُسقى بمرق مطبوخ بـ«الدجاج العربي" الذي يتم شراؤه من سوق العرب وسط البليدة. وبعد الانتهاء من وليمة العشاء يتم تحضير الجفنة والحلويات والمكسرات، ونخلة "الجمار" الذي هو ـ يشرح الباحث ـ "عبارة عن نخلة صغيرة تُفتح، ويؤكل لبها.
ويتم إحضار أصغر فرد في الأسرة وتُرمى عليه الحلويات أو ما يسمى بـ"التراز" ؛ تيمنا بسنة جديدة مفعمة بالخير. ومن ثمة يقوم الأطفال بجمع الحلويات والمكسرات، وملء سلال صغيرة مصنوعة من سعف النخيل. وفي الصباح الباكر يفطرون على المعارك، ومربى "الارنج" المصنوع في المنازل.
وحسب الباحث في التاريخ، فإن ربات البيوت، منذ القدم، يركزن في أطباقهن التقليدية على مستوى ولاية البليدة، على ما تنبته الأرض؛ فجبال الأطلس البليدي معروفة حشائشها وأعشابها التي تُستخدم في تحضير الأكلات التقليدية. ولعل هذا ما جعل الولاية تشتهر بطبق "التبيخة"، مشيرا إلى أن الأسر البليدية خاصة كبار السن، لايزالون يحرصون على مثل هذه العادات والتقاليد، التي تعكس هوية المجتمع الجزائري التي على الرغم من الاختلاف في الروايات حول الظاهرة الاحتفالية ومرجعيتها، غير أن المؤكد أن الغاية هي التفاؤل بحلول سنة جديدة مفعمة بالخير.
من جهته، قال الباحث في تاريخ البليدة، الروائي والكاتب رابح خدوسي، إن ما يعكس تمسّك سكان الأطلس البليدي بالظاهرة الاحتفالية، أراضيها التي لاتزال تنطق بالامازيغية أو البربرية. وتأتي الاحتفالات، كما كان يقال برأس العام، ضمن المواسم الفلاحية التي يحتفل بها سكان المنطقة على غرار باقي ولايات الوطن. ويوضح: " وعلى الرغم من اختلاف الطقوس في الاحتفال من منطقة إلى أخرى، إلا أنها تتفق في الاحتفال ببداية سنة فلاحية جديدة؛ تيمنا بسنة مثمرة زاخرة بالمنتوج الفلاحي؛ سواء على مستوى الثمار أو المواشي" ، مشيرا إلى أن من بين العادات التي لاتزال راسخة في ساكنة الأطلس البليدي، اكتناز الثمار في الموسم الماضي؛ مثل التين، والرمان، وبعض أنواع المكسرات؛ مثل الجوز، وثمة يتم إخراجها في ليلة يناير، وتوزيعها على الأطفال، والتفاؤل بسنة مباركة.
وحسب الروائي خدوسي، فإن أهم ما تجتمع عليه كل العائلات عبر مختلف ولايات الوطن، تحضير الأطباق التقليدية التي تعكس الوفرة؛ مثل البركوكس، والمردود الكسكسي؛ تفاؤلا بسنة وفيرة، وتغيير المناصب، وهي الحجارة التي يوضع عليها قِدر، وهذا لا يتوفر إلا في المناطق الريفية والجبلية، والتي كان يُقصد من ورائها تغير الحال إلى حال شتوية، وغيث، ليستبشر الفلاحون ببداية موسم وفير، مشيرا إلى أن بالنسبة لمن يدفعون بترك الخرافات المرتبطة بالظاهرة الاحتفالية؛ مثل أسطورة العجوز وعجلها الذي توفي بسبب موسم البرد، رغم علمنا أنها تبقى مجرد أساطير حتى وإن حملت شيئا من الحقيقة، إلا أنها تدخل في إطار "المخيال" الشعبي؛ فالمجتمع الياباني رغم التطور الذي وصل إليه، إلا أنه لايزال محافظا على أساطيره وقصصه الشعبية؛ لأنها تشكل جزءا من المخيال الشعبي مادامت لا تتعارض مع القيم الدينية والإنسانية، مؤكدا في السياق أن مثل هذه الأساطير والقصص الشعبية كانت تجمع أفراد العائلة للاستماع إلى مثل هذه القصص بعد العشاء والنوم؛ ما يعكس التماسك، والدفء الأسري الذي كان موجودا سابقا.
من جهة أخرى، أشار المتحدث إلى أن على مستوى ولاية البليدة، الظاهرة الاحتفالية بحلول السنة الأمازيغية لم تعد تقتصر فقط على أمازيغ الأطلس البليدي وإنما امتدت أيضا إلى سكان المدن، خاصة بعدما أصبح الاحتفال رسميا، فبعدما كان يتم الاحتفال بالسنة الفلاحية أصبح اليوم يسمى برأس السنة، وأخذ أبعاد الوحدة الوطنية، مشيرا إلى أن رأس العام مظهر من مظاهر الوحدة الوطنية، لا تخص جهة معيّنة. ومهما اختلفت العادات والتقاليد وتنوعت الأساطير والقصص، إلا أن المبدأ واحد، هو التيمن بحلول سنة فلاحية جديدة، مليئة بالخير.
*رشيدة بلال
احتفالات رأس السنة الأمازيغية بباتنة
زخم ثقافي إحياءً لعادات وتقاليد عريقة
تجري التحضيرات بباتنة على قدم وساق لإقامة تظاهرات بمناسبة الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية الجديدة، 2975؛ بتنظيم تظاهرات ثقافية، وسهرات فنية تحييها مجموعة من فناني المنطقة، إلى جانب ندوات ثقافية، وأنشطة رياضية.
وستشمل التظاهرات التي ستقيمها المنظمة الوطنية للعمل الإنساني بباتنة بالتنسيق مع مديرية الثقافة واستوديو عادل خدة وفرقة صدى الأوراس لإحياء التراث الشاوي والفنون بباتنة، أنشطة متنوعة؛ منها مسابقة أجمل لباس تقليدي التي خُصصت للأطفال من 3 إلى 10 سنوات من الجنسين، مع تكريم الفائزين، حسبما أفادت بذلك خرشوش صورية، رئيسة اللجنة الوطنية للشؤون الاجتماعية والاقتصادية بالمنظمة الوطنية للعمل الإنساني وترقية المواطنة، موضحة أن هذا النشاط يهدف إلى ترسيخ عادات وتقاليد المنطقة، فضلا عن كون المناسبة تشكل فرصة للشباب؛ للاطلاع على نماذج، وكيفية الاحتفال بهذه المناسبة، وخلق فضاء يبعث روح التواصل، والحفاظ على الموروث الثقافي الأمازيغي، وتعريف الأجيال الحالية بمدلول السنة الامازيغية التي تختزل ثقافة شعب سكن أرض تمزغا لقرون خلت، مع خلق دينامية وحركة ثقافية يكون محورها الثقافة والهوية الأمازيغية.
وأكدت خرشوش في حديثها إلـى " المساء" ، أن العائلات الأوراسية تحتفل برأس السنة الأمازيغية 2975، لتؤكد الامتداد؛ إذ تشكل، حسبها، المناسبة إحدى التقويمات التاريخية التي تؤرخ لتَغلُّب الملك الأمازيغي ششناق، على ملك الفراعنة رمسيس الثالث سنة 950 ق .م. وسيتم، بالمناسبة عبر ربوع الأوراس، استحضار عادات وتقاليد توارثتها العائلات أباً عن جد، وبقيت محافظة عليها إلى يومنا هذا". وقالت، من جهة أخرى، إن المناسبة فرصة للتعريف بالتراث المادي واللامادي للمنطقة وما تزخر به من مهن وحرف تقليدية؛ مثل النسيج، وصناعة الحلي التقليدية، والأواني الفخارية بالنظر إلى مساهماتها في تحقيق التنمية المحلية. كما يُعد يناير مناسبة للقيام بطقوس محلية عديدة تختلف باختلاف المناطق. ففي اليوم الأول يتم إعداد طبق يسمى بالشاوية "ثاروايث " . وتُسند مهمة إعداده للسيدة كبيرة السن في العائلة. ويتكون من طماطم، وبصل وغيرهما من مستلزمات تحضير مرقه، قبل أن تضاف عليه كمية من مادة الدقيق، ويتحول إلى شكل عصيدة. وعند تقديمه على مائدة الأكل تضاف إليه كمية من السمن أو الدهان.
وعلى خلاف النهار يتم إحضار طبق الكسكسي خلال الفترة الليلية. وهناك من الأسر من تحبّذ بدله الشخشوخة. كما إن النسوة يكنَّ في ذلك اليوم منشغلات بتنظيف المنازل. وعند الظهيرة يخرجن جماعة رفقة الأبناء من مختلف الأعمار، باتجاه البساتين والغابات والمناطق الجبلية المجاورة، لإحضار أنواع الأعشاب الخضراء؛ تنبُّؤا بعام فلاحي ناجح.
ويتجلى نشاط النسوة في النهوض باكرا في رأس السنة الأمازيغية لإعداد طبق" الشرشم" . وهو مادة القمح التي تغلَّى في الماء. وتضاف إليها حبات الحمص "اطنينت" والخليع. وهناك من يضيف لها الذرة المجففة. ويوزَّع الطبق على الجيران. ويقال: "كل شرشومة فرعون" ؛ لتذكيرهم بانتصارات الملك الأمازيغي شوشناق على الفراعنة، والذي انطلق منه التاريخ الأمازيغي.
❊ ع. بزاعي
بني سنوس تكسر روتين الاحتفال
"كرنافال ايراد".. عرض لعلاقة قبائل المنطقة بالأرض
تنفرد منطقة بني سنوس، في أعالي مدينة الزيانيين، باحتفالاتها بيناير، تلك المنطقة التي تتميز عن غيرها، وتخرج عن المألوف في العادات الاحتفالية التي نشهدها في باقي المناطق الأمازيغية، التي تحيي هذا اليوم في أجواء جميلة، ينضم إليها الكبير والصغير، حيث يميزها المهرجان الشعبي الاستعراضي "كرنافال ايراد"، الذي يعني الأسد واللبؤة، ويتنكر فيه المحتفلون في أزياء أسود ولبؤات، إذ يحمل ذلك الحيوان دلالة عميقة في ثقافة تلك المنطقة الشعبية وذاكرة أهلها، نظرا لتحديات قساوة الطبيعة هناك، ومشقة الحصول على الرزق.
تتمسك قبائل بني سنوس بالعادات والتقاليد العريقة، التي عرفها الأجداد، حيث اشتهرت هذه المنطقة بكونها مقصد الملوك الزيانيين والموحدين والمرابطين، أصل قبائلها من البربر الذين يتحدثون الشلحية، وهي لغة أمازيغية محلية، حيث يحافظ سكان المنطقة على عادة إقامة حفلات "ايراد"، احتفاء بنصر زعيم الأمازيغ "ششناق" على الملك الفرعوني "رامسيس"، في المعركة التي دارت رحالها في جبال بني سنوس، سنة 950 قبل الميلاد، وتقام هناك العديد من مظاهر الاحتفاء بليلة رأس السنة الأمازيغية.
وحسب المؤرخين من المنطقة، فإن أصل الاحتفال بـ«ايراد"، راجع إلى التاريخ والبيئة التي يعيش فيها السكان، فالعجوز عند بني سنوس تلقب باللبؤة، كونها رمز الهمة والوقار والنشاط، كما أن بروز مظاهر التنكر ببعض المحاصيل الزراعية والحيوانات، تعبير عن شدة ارتباط سكان المنطقة بطبيعتهم، وتدل على الثقافة الشعبية التي لا تتجزأ عن البرية التي يعيشونها، وهو ما يعطي ذلك المفهوم لـ«كرنفال ايراد".
تبدأ الاستعدادات بهذا الاحتفال قبل أيام عديدة من بداية الحدث، حيث تعكف النسوة قبل أيام من حلول المناسبة، على إعداد الحلويات التقليدية، مثل "المقروط والغريبية والتريد والمسمن والكعك"، وهي أكلات أصلية من تراث الطهي المحلي، مزيج بين التلمساني أحيانا والأمازيغي، لتزيين الموائد في يوم رأس السنة الأمازيغية، حيث تعرف الكثير من اللمات حول الموائد الجماعية، التي تقام في وسط الأحياء، يأكل منها الجميع، في جو بهيج مليء بالفرح والسرور، استقبالا للسنة الجديدة، كما تحضر العديد من المأكولات، كـ«البركوكس" المحضر بالأعشاب، تدرج فيه النسوة مجموعة من التوابل، لاسيما "الفلفل العكري" الشهير في تلك المنطقة، ويقدم "البركوكس" مع خبز "الدار" الذي يزين بحبة بيض تتوسط الخبز، في حين يحضر آخرون طبق "الكسكسي" بمختلف الخضار.
سكان بني سنوس يحتفلون بـ«ايراد"، من خلال تنكرهم بأزياء الأسد واللبؤة والشبل، ويخرجون إلى الشارع منذ الصباح، أحيانا ثلاثة أيام قبل رأس السنة، للرقص والغناء والاحتفال، في أجواء تميزها عن باقي احتفالات المنطقة بالدربوكة و«البندير"، وهي آلة الطبل المحلي في المنطقة، يستمتع بها خصوصا الأطفال الذين يجدون متعة الهروب من هؤلاء المتنكرين بالركض والضحك.. ويهتف شباب المنطقة المتنكرين بأغان شعبية "اطاح الليل حنا جيرانكم حلو بابكم"، بعد تجمعهم في ساحة صغيرة بالقرية، وتوجههم جميعا إلى ضريح الولي الصالح "سيدي أحمد"، في أجواء احتفالية استثنائية، يقصدون بعدها إحدى البيوت التي تتميز بالأحواش العربية، ويدخلونها بعد استئذان أهل البيت، يتناولون ما طاب من تحضيرات أهلها، ثم يدعون لهم بالخير والبركة ويواصلون مشوارهم بين أزقة القرية.
❊ نور الهدى بوطيبة
سكان البيبان والهضاب يستعدون للحدث
استبشار بموسم فلاحي وفير
بدأ سكان ولايتي برج بوعريريج وسطيف يحضرون للاحتفال بحلول السنة الأمازيغية الجديدة، التي تصادف 12 يناير من كل سنة، ولعل أهم شيء في هذا اليوم، هو الاستبشار بحلول سنة فلاحية جديدة.
"عشاء يناير" أو ما يسمى بالأمازيغية "إيمنسي أن يناير"، والمتمثل في "الكسكسي"، الطبق الرئيسي الذي تستعد النساء البرايجيات والسطايفيات لتحضيره في هذا اليوم، والذي يجب أن يكون بالدجاج، والمرق بالخضر، على غرار الخرشف، اللفت والحمص. كما يجتمع أفراد الأسرة في المساء، حول مائدة واحدة، تكون مزينة بطبق "الكسكسي" والسلطة ويجتمع الكل حولها، حتى تكون هناك محبة على مدار أيام السنة، وكذا التضامن العائلي في السراء والضراء.
ولا تنتهي الاحتفالات بـ«يناير" بانتهاء العشاء، بل تبقى السهرة متواصلة إلى الساعات الأولى من صبيحة 13 يناير، حيث تقوم العائلات البرايجية والسطايفية بدعوة الأقارب والأصدقاء، حيث تحضر لهم أكواب الشاي، الفول السوداني وكذا بعض الحلويات، كـ«البقلاوة"، تبركا بأن تكون كل أيام السنة حلوة، وخلال السهرة يتجاذب الكل أطراف الحديث.
وحتى يبقى هذا اليوم راسخا في أذهان الأطفال، تقوم الجدات بجمع الأطفال حولهن ويبسرد الحكايات التي تضم ضمنيا العديد من المعاني، على غرار قصة "بقرة اليتامى"، و"الجدة الغولة" وغيرها، وفي غرفة أخرى أو داخل المطبخ، تجد الأمهات يقمن بتحضير الحناء التي اقتنينها قبل أيام من حلول السنة الأمازيغية، على شكل أوراق نبات، غير مسحوقة، يقمن بسحقها في المنزل حتى تكون لها نكهة أخرى، من جهة، وتتعلم هذه الطريقة الأجيال القادمة، خاصة الإناث، وبعد تحضيرها يتم تخضيب أيدي الأطفال، في حين توضع على أيدي وأرجل الإناث، وينام الكل على أمل أن تكون هذه السنة حلوة مليئة بالأفراح والأشياء الجميلة.
❊ آسيا عوفي
بعادات الأجداد المتجذرة
قالمة تحتفي بيناير على طريقتها
تحيي قالمة، على غرار مناطق الوطن، عيد "يناير" من كل سنة، إحياء للتراث الشعبي المحلي المرتبط بالفلاحة وجني المحاصيل، والتصدق على الفقراء، إذ لازال سكان الولاية، يحافظون على عادات الأجداد المتجذرة في يومياتهم، وتأخذ المناسبة مكانة هامة في حاضر وذاكرة المنطقة، كونها مقوما هاما للحياة الاجتماعية الجزائرية بصفة عامة، والقالمية بصفة خاصة.
يسارع "ناس قالمة" إلى الاحتفال بـ"يناير"، من خلال القيام بشراء الخضر والفواكه والمكسرات والتمر واللحوم، لطهي الأطباق التقليدية والأكلات الشعبية التي يتميز بها المطبخ القالمي، فيما يقصد البعض السوق، لاختيار الدجاج الجيد والكبير حيا، يسمى "دجاج عرب"، ثم يقومون بذبحه في المنزل وتنظيفه، لإعداد "الشخشوخة" أو "الثريدة" أو "النعمة" أو "الكسكسي"، حسب رغبة كل عائلة، فـ"الكسكسي" له تاريخ طويل، حيث جعله البعض علامة مميزة في حياتهم المعيشية، يقدم عادة بلحم الضأن أو الدجاج، والمرق والخضر، وأيضا "الثريدة" التي تعد من الأطباق الشعبية التقليدية الشائعة في قالمة، تُحضر من الدقيق والماء وتُعجن، ثم تقطع على شكل مربعات صغيرة، وتترك تجف لمدة أيام، ثم يُحضر المرق واللحم، وعند طهيهما، تُجَمَّر في المرق حتى تمتصه، ثم تقدم مع قطع اللحم، وتزين بالحمص المنقوع في الماء والبيض المسلوق، ولا زالت سائدة ولا يمكن الاستغناء عنها.
هناك أيضا طبق "الشخشوخة" وهو أكلة شعبية مشهورة في قالمة، وحتى في الشرق الجزائري، تطبخ في المناسبات، كالأعراس والأعياد، ولا زالت سائدة ولا يمكن الاستغناء عنها، وهي عبارة عن عجينة من القمح اللين والماء والملح، تخلط لتكون عجينة طرية، ثم تخبز كالكسرة، وبعد الطهى، تقطع بالظفر على شكل دوائر صغيرة، وتفوَّر، ثم تقدم مع المرق واللحم والحمص.
إلى جانب ذلك، نجد طبق "النعمة" الذي يعرف بـ«الفطير"، وتفضل بعض العائلات مرافقة أطباق العجائن بـ«الجاري" أي"شربة الفريك"، وهو من الأطباق المميزة بمذاقه الرائع ومكوناته البسيطة من "الفريك" والطماطم والنعناع أو "الدبشة" والكرافس" مع "الكسرة"، سواء "الرخسيس" أو "المطلوع" وأيضا "خبز الدار".
كما يتم بالمناسبة، إعداد "السفنج" حتى يكون العام الجديد أخف من العام الماضي، حسب المعتقدات، ويتم تحضير "الشرشم" والكرموس واللوز والبلوط وغير ذلك، كما أن للأطفال نصيبهم من الحلويات المتنوعة والمكسرات والعصائر.
"وزيعة راس العام".. و"الشرشم" تراث أصيل
احتفالا بهذه المناسبة السنوية، هناك تظاهرة توارثها الأجيال عن الآباء والأجداد، تتمثل في "النفْقة" أو ما يعرف "لوزيعة"، ومع اقتراب "راس العام"، تبدأ العديد من العائلات القالمية في التفكير والتشاور لإحياء هذه التظاهرة الاجتماعية الثقافية، خاصة أنها تتميز بالتضامن والتكافل الاجتماعي، تتمثل في ذبح شاة مهما كان نوعها، ويتم تقسيمها على عدد المشاركين، فيما تُوزع البقية على الفقراء والمساكين، وتعد صدقة من جهة أخرى. يعتبر "الشَّرْشَم" بمثابة فال، وهو قمح مطبوخ، يقدم عند تقعيد الرضيع، وعندما يصبح قادرا على الجلوس من غير أن يميل، كما يُقدم عند أول حلاقة له، و"الشرشم" تراث ثقافي جزائري أصيل، يتم الاحتفال به في رأس السنة الفلاحية من كل عام، فكانت تحضر ربات البيوت في هذا اليوم، طبقا خاصا بالمناسبة يسمى "الشرشم"، ويوزع على الأطفال والجيران والأهل، وهو فرصة للدعاء بالرزق ونجاح الموسم الفلاحي، لكن هذه العادات تلاشت في السنوات الأخيرة.
تعتمد السنة الفلاحية، حسب التقويم الزراعي أو الحساب الفلاحي، والذي يستخدم في مختلف بلديات ولاية قالمة، على غرار بلديات الوطن، على تساقط الأمطار، تبدأ من 12 يناير/ جانفي، وتسمى نهاية الليالي السود، وقبلها ليالي البيض، وفي نهاية الليالي السود، تحيي فيها أعواد الأشجار والحبوب المزروعة، وأولها أشجار اللوز وغيرها من المكسرات، لذلك يحضر ناس قالمة "الشرشم" والحبوب والمكسرات في هذه الفترة، وحسب التقويم الفلاحي، تنتهي الليالي البيض (20 ليلة)، فتبدأ الليالي السود (20 ليلة)، ومجموع الليالي 40 ليلة، وهي الأشد برودة طوال العام، يقابلها 40 يوما في الصيف، تسمى "الصْمايم"، وهي الأشد حرارة.
❊ وردة زرقين
"يناير" بجاية
مناسبة لتعزيز الروابط الاجتماعية
تستعد العائلات البجاوية، على غرار بقية ولايات الوطن، لإحياء مناسبة رأس السنة الأمازيغية "يناير"، الذي يتزامن مع 12 جانفي، بعد أن تم ترسيمه يوما وطنيا خلال السنوات الماضية، إذ يتم الاحتفال به عن طريق إحياء العادات وإرساء روح التضامن العائلي، وتعد هذه المناسبة فرصة لإبراز عادات كل منطقة، والتعريف بإبداعات النساء، من خلال إعداد مختلف الأطباق.
يعتبر الاحتفال بـ"يناير"، موعدا هاما في يوميات المواطنين بقرى عاصمة الحماديين، حيث يتم إعداد برنامج ثري من طرف الجمعيات، السلطات المحلية على مستوى البلديات والسلطات العمومية، على غرار الشباب والرياضة، بالإضافة إلى الجامعات التي تشارك الاحتفال بـ«يناير"، من خلال تنظيم ملتقيات وطينة تتوافق مع الحدث، إذ تعتبر الجمعيات طرفا هاما في إحياء هذه المناسبة، وتسعى إلى إبراز قيمة "يناير" وفق البرنامج الذي تعده كل منطقة على مستوى بلديات ولاية بجاية، ومنطقة القبائل بصفة عامة، والذي غالبا ما يكون فرصة لإبراز العادات والتقاليد التي تتميز بها المنطقة، حيث تسعى الجمعيات، بالتنسيق مع السلطات المحلية، إلى وضع برنامج بتماشى مع الحدث، بتنظيم مسابقات في الطبخ، معارض على مستوى دار الثقافة بالولاية حول اللباس التقليدي، إلى جانب الأطباق التي يتم عرضها، بالإضافة إلى نشاطات أخرى، على غرار عرض الأزياء وتنظيم عشاء يتمثل في الطبق المعروف على مستوى المنطقة "الكسكسي".
الأطباق التقليدية عنصر هام في الاحتفالية
تُعرف كل منطقة بطريقتها الخاصة في تحضير الطبق الموجه لإحياء ليلة "يناير"، الذي يتزامن مع 11 جانفي، إذ تقوم العائلات بالاجتماع حول المائدة لتناول الطبق الأساسي، ومختلف أنواع الأكلات التي تساهم في تزيين المائدات البجاوية، كما تحرص بعض العائلات على ارتداء اللباس التقليدي، خاصة النساء، من أجل إبراز قيمة الجبة القبائلية. ويعتبر "الكسكسي" من أهم الأطباق التي يتم إعدادها في الاحتفالية، حيث يتم تناوله عشية دخول 12 جانفي، الذي يعطي إشارة افتتاح رأس السنة الأمازيغية.
تعزيز الروابط الاجتماعية
غالبا ما تكون المناسبة في بجاية، فرصة للمّ الشمل، ووضع حد للخلافات، حيث يتم استحضار هذه المناسبة، من خلال إعداد "إمنسي يناير" أي عشاء "يناير"، لتبادل أطراف الحديث حول الأمور والمشاكل اليومية للسكان، والبحث عن الطرق الأحسن لحل المشاكل والنزاعات، التي أضحت تميز الكثير من العائلات في السنوات الأخيرة، لأسباب مختلفة. كما أن مساهمة الجمعيات في حل المشاكل التي تعاني منها القرى، تعتبر هامة، وقد تجسدت في الواقع، إذ تم وضع حد للكثير من الخلافات، فيما تجتمع العائلات حول مائدة العشاء بهذه المناسبة، ويتم تبادل الحديث حول المشاريع المستقبلية.
* لحسن حامة