الجاحظية تكرم الكاتب السعيد بوطاجين
للكتابة معنى لا يدركه سوى المتمرسين
- 113
نظمت جمعية الجاحظية، أول أمس، ندوة أدبية تكريمية للكاتب المعروف الدكتور السعيد بوطاجين، تضمنت جوانب متعددة من كتابات ومواقف بوطاجين، الذي ظل وفيا للإبداع والكتابة دون سواهما.
تناول ضيف الجاحظية، تجربته في مجال الترجمة، وكيف أنه يستشير -ولو في أوقات متأخرة من الليل- علماء اللغة ويستفيد منهم بمعلومات لم يكن يعرفها، وقد أسهب في الحديث عن المسائل المعجمية، مؤكدا أننا لا نزال نجهل الكثير عن مفردات اللغة، سواء في العربية أو في غيرها من اللغات، وهو ما ينتج عنه محدودية في الأفكار والمعاني.
من جهة أخرى، قال المتحدث، إنه لا يحب الكتابة بالدارجة، مؤكدا أن ذلك لا يعني أنه ضدها، موضحا أن الكتابة بالدارجة تطرح مشكل الترجمة، خاصة عند الأجانب، بالتالي هذا النص لا يمكنه اختراق الحدود الإقليمية، مفضلا أيضا أن تكون لغة النص مثلا بالعربية، بالتالي لا تحتاج للفرنسية، والعكس صحيح.
كما أوضح أنه لا يميل إلى مسألة تقاطع اللغات واللهجات، لكنه في ذات الوقت، أبدى إعجابه باللغة المغمارية التي كتب بها نجيب محفوظ، خاصة في بداياته.
أشار المتحدث أيضا، إلى أن هناك مستويات لغوية داخل اللغة الواحدة، مستعرضا أيضا الأبعاد الفلسفية في الكتابة (خاصة في كتاباته)، منها مثلا، اعتبار الذئب أو الفأر أو الحمار في النصوص "شخصيات" إيجابية ونزيهة وعفيفة، عكس بعض البشر الذين يظلمون هذه المخلوقات وينسون أنفسهم، كما أكد المتحدث، أن بعض هذه الحيوانات توظف في الكتابة في إطار ساخر، فمثلا نهيق الحمار يعني أنه رأى منكرا، أي فاسدا، وهكذا، مشيرا أيضا، إلى أن الواقعية لا تعبر وحدها عن كل الأحداث والمشاعر، لكن بوطاجين أوضح أنه لا يلجأ فيما يكتب للعبث.
قال الدكتور بوطاجين، إن السرد مدرسة كاملة قائمة بذاتها (فيها الإيقاع البطيء والسريع وغيرهما)، بالتالي لا يمكن لأحد أن يمارس فعل الكتابة، وهو يجهل تقنيات السرد.
تحدث بوطاجين بالمناسبة أيضا، عن مسألة الوصف في الكتابة، مؤكدا أنه ككاتب، لا يلجأ للوصف كثيرا، على اعتبار أنه خطير، أي أن إعطاء وصف ما، يعني موقف ما، أو تموقع ما، وقد لا يتطابق مع ما يراه القارئ، بالتالي لا بد أن يكون للوصف معنى أو وظيفة في النص، وهو الأمر الذي لا يلتفت إليه كتابنا، كما أوضحه السعيد بوطاجين، مضيفا أيضا أن الوصف والتفصيل بدون داع من مهام الكاميرا، والأجدر تقديم فقط ما يطلبه النص، وباقي الفراغات يملؤها القارئ وهذا التفصيل الممل والإطالة فيه يسمى"التمطيط"، وبكلامه الساخر كالعادة، قال المتحدث، معلقا على هذا الأمر "علينا احترام الورق والحبر الذي يهدر لأجل ذلك".
أشار الكاتب أيضا، إلى أنه يفضل الموضوعات الكبرى والانطلاق من المحلي نحو البعد الإنساني الشاسع، مؤكدا أيضا أنه استفاد كثيرا من علم السرد ونقد النقد والسيميائيات وغيرها، مضيفا أنه في السنوات الأخيرة، استفاد من بعض المناهج الجديدة التي اطلع عليها كهاوٍ، كما حاول الخروج من المنهج المعياري وسعى إلى التوفيق بين بعض المناهج الأخرى، داعيا إلى تطعيم بعضها ومراجعتها، فمثلا لابد ـ حسبه- من تطعيم علم الدلالة بمناهج أخرى، كي لا يسقط مثل علم البلاغة العربية الذي بقي منحصرا في الشكلنة.
عن كتاباته (39 كتابا)، قال إنه لا يقرؤها بعد النشر، إذ يرى ما كتبه مرعبا وحماقة ارتكبها، محاولا نسيانها والتخلص منها، مبديا في ذات الوقت، انبهاره ببعض الكتابات الرائدة والراسخة لكبار الكتاب، وعلى رأسهم هنري ميلار، وكلها ـ حسبه- تحمل قضايا عميقة وفلسفة إنسانية راقية، بالتالي يجب الاطلاع عليها.
شهدت المناقشة، تدخل بعض الحضور (نخبوي)، وفيها أعلن الضيف أنه حاضر في لقاءاته عبر كل الولايات، بندوات ومؤتمرات وغيرها، ليتم في الأخير، تكريم بوطاجين من الجاحظية، التي كان عضوا فيها، ثم مشرفا عليها، ناهيك عن علاقته بالراحل الطاهر وطار.