أكّد أن الكثير من الحقائق ماتزال مجهولة، الدكتور حكيم إيديران:
تراثنا البحري يحتاج لبحث أكثر
- 100
حثّ الدكتور حكيم إيديران الباحثين المتخصّصين في التراث البحري، على مزيد من الأبحاث عن هذا التراث، الذي مازلنا نجهل الكثير عنه، مضيفا أنّنا بحاجة إلى معلومات أوفر لفهم حقيقة عمليات التبادل التجاري البحري التي حدثت قديما بين ضفتي المتوسط.
قدّم الدكتور إيديران، أوّل أمس بالمتحف العمومي الوطني البحري، محاضرة بعنوان "الأمفورات بين الوظيفة التجارية والوعاء الجنائزي"، قال فيها إنّ الأمفورة ـ وهي الحاوية التي كانت تُستخدم قديما في حفظ ونقل المواد الغذائية عبر البحر ـ استُغلت، أيضا، بعد الانتهاء من مهامها، في دفن الموتى، خاصة الرضّع والأطفال. وأضاف: " من خلال الأمفورات التي وُجدت في كلّ من عين بنيان وتمنفوست وبرج الكيفان وتيبازة والجزائر وسط وسيدي فرج وشرشال، تمكنّا من اكتشاف بعض المعلومات حول طبيعة عمليات التبادل التجاري بين ضفتي المتوسط قديما، إلاّ أنّها تبقى غير كافية في انتظار بحث أعمق في هذا الموضوع من طرف المختصين ".
وتابع المحاضر أنّه تم عبر الأمفورات نقل المواد الغذائية المختلفة وبالأخصّ الحبوب، وزيت الزيتون، والخمر، والمحلول الملحي، وغيرها من بلد إلى آخر، بالاعتماد على السفن. كما تم إيجاد 13 نوعا منها بإفريقيا، تمثل نسبة 43.33 ٪ من الأمفورات المصنوعة في العالم، علما أنّه تم إيجاد أمفورة بإيطاليا صُنعت بمنطقة "توبوسبتو" القريبة من بجاية؛ لنقل زيت الزيتون، في حين لم يتم إيجاد ورشة صناعة الأمفورة بهذه المنطقة، وهو ما تحسّر عليه الدكتور، الذي دعا، مجدّدا، إلى البحث عن هذا الموضوع، خاصة أننا لم نستطع تحديد أماكن ورشات صناعة الأمفورات بالجزائر.
وتحدّث ضيف المتحف البحري عن تعدّد أشكال الأمفورات حسب بلد صنعها، ومهامها؛ مثل أنّ العريضة منها تُصنع لحفظ المواد الصلبة، والرفيعة منها مخصّصة لحمل السوائل. كما إنّ كل أمفورة توضع عليها علامة سواء قبل صنعها أو بعد ذلك، تُكتب عليها مجموعة من المعلومات؛ مثل اسم الورشة التي صُنعت فيها. وبالمقابل، تتميز بمتانتها؛ حفاظا على الأغذية التي يتم نقلها عبر البحر. أما قَدمها فمدبّبة؛ تساعدها على الثبات؛ حتى لا تأخذ مكانا واسعا في عنبر السفينة. وأشار المتحدث إلى مهام الأمفورة، بالإضافة إلى تخزينها المواد الغذائية؛ حيث يمكن أن تساهم في إسناد جدار مثلا، أو استغلالها كأنابيب تحت الأرض، علاوة على دفن الموتى فيها.
وبالمقابل، كانت إفريقيا الشمالية في القرن الواحد قبل الميلاد، تستورد المواد الغذائية من الضفة الأخرى للمتوسط، خصيصا من إيطاليا وإسبانيا، إلاّ أنها أصبحت مصدّرة لها ابتداء من القرن الثالث بعد الميلاد. كما أصبحت لها أمفوراتها الخاصة.
وأضاف مجدّدا أنه تم إيجاد العديد من الأمفورات في عدّة مدن جزائرية، بعضها لفظه البحر، وبعضها الآخر وجده الصيادون، منها ما صُنع بالجزائر، وأخرى من دول عديدة، خاصة إيطاليا وإسبانيا، مؤكّدا أنه رغم المعلومات التي تم نهلها من هذا الاكتشاف، إلاّ أنّها تبقى شحيحة، ليمثل بأمفورات وُجدت في منطقة كوالي بتيبازة التي لم يُعرف أنها موقع بحري؛ لهذا وجب البحث أكثر في هذا الموضوع، والتعرّف أكثر على حقيقة التبادل التجاري بين ضفتي المتوسط الذي نجهل عنه الكثير.
أما عن استعمال الأمفورات لدفن الموتى، فقال الدكتور إنّ الأمفورات لم تصنَع لدفن الموتى، لكن حينما تنتهي مهامها في حفظ الأغذية، يتم استغلالها في دفن الموتى خاصة الرضع والأطفال، إلاّ أنّه يمكن دفن البالغين إما من خلال أمفورات عريضة من صنع إفريقي، أو تقسيمها إلى جزءين. كما يمكن الإنسانَ الثري استعمال أمفورة بكاملها في الدفن. أما الفقير فيستعين بأجزاء منها، في حين يمكن استعمال الجبس في الأمفورة في حال الوباء.