أربعون يوما عن رحيله

شهادات تتقاطر حزنا على فقدان بوداود عميّر

شهادات تتقاطر حزنا على فقدان بوداود عميّر
الكاتب المترجم بوداود عميّر
  • 162
لطيفة داريب لطيفة داريب

تمر أربعون يوما على رحيل الكاتب المترجم بوداود عميّر الذي صدم عائلته ومحبيه الذين احتكوا به وآخرون تعرفوا عليه عبر منشوراته الهادفة في الفايسبوك، فقد كان الراحل قارئا نهما لكل أخبار الثقافة عند العرب والغرب، وجسرا ينقل الأفضل منها إلى متتبعي صفحته الشهيرة.."المساء" تواصلت مع بعض أصدقاء المثقف الذي كان قارئا لها وسبق أن تناول بعض مقالاتها في صفحته، ليتحدثوا عن مناقبه فكان هذا الموضوع.

قال الكاتب سليم عبادو لـ"المساء" إنّ المرحوم بوداود عميّر كان بالنّسبة له كتوأم الروح في الأدب، فقد كانا يتشاركان يوميا عبر المسنجر الآراء والأفكار الثقافية وتبادل الرؤى، وكانت بذلك علاقة "تواطؤ" إيجابيّ قلّ نظيرها. مضيفا أنه بالنّسبة للساحة الثقافية بصفة عامة فقد كان الفقيد ذلك المُثقّف الذي لا ينتصر لمجموعة أو فئة أو لون من الأدب والفنّ والثقافة، بل كان ولاؤه للأفكار والثقافة الجزائرية والعربية بشكل مطلق، بعيدا عن الأيديولوجية وعن التّكتلات التي ينتفع أفرادها من ريع الثقافة.

وتابع أنّ بوداود كان رجل ثقافة بامتياز، فتح نافذة على الأدب والفنّ والسينما والحياة وحبّب النّاس فيها بطريقته البسيطة والمتوازنة والصادقة، وفتح نافذة أخرى على مجمل الثقافات الإنسانية فكان يطوف بالقارئ في كلّ البلدان بلا جواز سفر ولا تأشيرة ولا خلفيات، وهذا ما حبّب النّاس فيه، وعلى رأسهم الكُتّاب والمثقّفون في الجزائر وفي عدّة بلدان عربية مجاورة.

أما عن الكتاب الذي يحضرّه فيحتوي على مقالات الرّاحل "مختارات في الأدب والفنّ والسينما والحياة"، وسيصدر قريبا ويكون بمثابة عربون محبّة ووفاء لروح الرّاحل وحماية للنّصوص التي اشتغل عليها لسنوات، من الضياع والاستغلال لا قدّر الله.

من جهته، سيشارك الكاتب والباحث محمد بوزرواطة في هذا الكتاب الذي سيصدر على الأغلب عن دار "سامي"، وعنون مداخلته بـ"وجع الغياب وحرقة الكلمة" التي كتب في بعضها إنه "لو تبَاطأ الموت قليلًا أو تعثَّرت خُطَاه بعض الشيء، أو تأخَّر "الكاتب" في الخروج من بيته، صبيحةَ الاثنين الثالث والعشرين ديسمبر 2024، لَكَانَ هناكَ مُتَّسَعٌ آخَر لأحلام الفقيد الكاتب بوداود عمير ولاستطَالت طموحاته وتطلّعَاته أكثر في الكتابة والترجمة والتأليف، لكن مشيئة الأقدار، أرادَت شيئًا آخَر وطريقةً أُخرى، مُخالِفةً لِكُل التخمينات والتنبؤات التي كُنّا نتوقَّعُها على الإطلاق؟". 

وأضاف أن الكتاب "مختارات" لسليم عبادو هو انتقاء مدروس، لأكثر من مئة مقالة، في الأدب والفكر والفن، مرفوقٌ بإضاءات ومتابعات جادَة للإصدارات الحديثة، التي استرعَت انتباه الكاتب الرَّاحل، واستدرجته للكتابة عنها، برويّة وتأمّل فاحِصٍ ومُسايرةٍ حيّة لجُلّ القضايا الحيوية التي أثارها أصحابها، فيما يخصُّ الشأن الفكري والأدبي والسياسي.

من جهته، عنون الكاتب والأستاذ الجامعي عبد القادر ضيف الله ورقته بـ"الطائر السماوي" قال في جزء منها "أيها الطائر السماوي، أيها الرفيق بوداود عمير لا أدري ما الذي سأقوله لك بعد آخر لقاء كان لي معك في ذاك المساء البارد يوم غاب كل الأصدقاء، وحضرت أنت، كما عادتك كنت لا تفوت موعدا بيننا حينما تغيب شحارير مدينتنا كنا نحن الذين نحضر لنمنح قلوبنا قرابين لحراسها وعسسها، ولنجلس رغم قسوة البرد على قارعة مقهى من مقاهي المدينة قبل أن يكون آخرها وأجملها مقهى كمال الذي كان محبا للثقافة وللكتاب فجعلنا ننشئ أول مكتبة في مقهاه ليتحول إلى مكان مقدس كنا نتنفس فيه هواء ثقافيا نقيا.... فكنا نغرد ونتجادل حتى يرتفع صوتنا في فضاء-المقهى التي صار الجميع يسميها مقهى المثقفين فقط لأننا كنا نتكلم كثيرا عن الكتابة و السينما وعن آخر ما قرأنا دون أن نتعب".

وتابع أنه حينما يأتي ضيف جديد إلى جماعتهما، جماعة صافية كتو، كانا يفتحان له مكانا بينهما لضمه، لكن بعد مرور أكثر من ثلاثين سنة، يرحل بوداود فجأة، يرحل رفيق درب الكتابة ودرب القلب ودرب الروح، تاركا ابتسامته.

أما الكاتب خيري بلخير فكتب أنه ليس في ذهنه أي تصور يملأ به الفراغ الذي خلّفه غيابه الأبدي، مضيفا أنه كان يرى فيه المعلم الإنساني الذي كان يحرق المسافات ويصل الليل بالنهار ليطلعنا على خبز الثقافة الطازج قبل أن يقوم الأخرون من مقامهم. وتابع أنه كان يرى فيه شيئا من روح نجيب محفوظ المثابرة، الموظف الملتزم والكاتب النوعي، وكان أصدقاؤه حرافيشه في مقهى كمال، مقهى الريش الصفراوي، يستأثرون به بك ويحتفون بما يحمله اليهم من دهشة في الأدب العالمي والسينما والموسيقى.

وكتب متحسرا: " أتذكر حواديثك عن الموت، فلسفة الموت تعمقت من قراءاتك وتجاربك وولعك بالفلسفة والحياة البسيطة، متصالح مع نفسك ومع الله، فلا خيبك ولا أضاعك، لم تكن تخشى إلا موت العبث المجاني كما حدث لعلولة وبختي بن عودة وجاوت ومجوبي وحسني وتستعيد بالله من لوثة الزهايمر العنيدة كما حدث مع رفيقك خليفة بن عمارة ومن قبله ماركيز. كان من المفروض أن لا ترفع مرساة أحزانك وتسافر بلا تذكرة ولا جواز سفر".