مسلسل "الأرض" على "سميرة تي في"

صراع من أجل أرض الأجداد وتعدّد أدوار البطولة

صراع من أجل أرض الأجداد وتعدّد أدوار البطولة
  • 148
 مريم. ن مريم. ن

تتوالى أحداث مسلسل "الأرض" على قناة "سميرة تي في"، والذي يُعد من الإنتاجات الضخمة لهذا الموسم الرمضاني بحضور ألمع نجوم الدراما. ويشهد من خلال حلقاته الأولى، متابعة واسعة. وهو يقف عند بعض المشاكل العائلية المتعلقة بالصراع القائم على الإرث والأرض في الريف. كما له دلالات عميقة عن قيمة هذه الأرض المسقية بدماء الشهداء، ولذلك لا تقبل منطق السماسرة المرتبط بقانون البيع والشراء.

"الأرض" من إنتاج عامر بهلول، وسيناريو رابح سليماني، وإخراج نجيب أولبصير. ومن بطولة سيد أحمد أقومي، وحسان كشاش، وفيزية تيغرتي، ونوميديا لزول، وبهية راشدي، وإيمان نوّال، ومصطفى لعريبي، وزكريا بن محمد، وسلمى غزالي، وهاجر سراوي، ورميساء غزالي، وإيدير بن عيبوش وغيرهم من نجوم الشاشة.

وتعود قصة الفيلم إلى البدايات الأولى لموضوع الأرض؛ أي خلال العهد الاستعماري؛ حيث يظهر "العربي"، وهو أبو سي لخضر (سيد أحمد أقومي). يواجه وحده العساكر الفرنسيين ومعهم القايد العميل الذي يحثّه على بيع أرضه والتوقيع بذلك، لكنه يرفض رغم كل المغريات. ومن ضمن ما جاء في الحوار يقول القايد: "واش دير بهذه الأرض كلها غرقة وغبار"، فيردّ العربي: "خير من نبتة بلا أصل ما دير ظل ما تمد الغلة. وأنا نموت على هذه الأرض. وأنت؟". ويواصل مخاطبا القايد: "فرنسا تحميك اليوم، وغدوة شكون يحميك مع الأجيال؟".

ومع إصرار العربي يطلق عليه الجنود الرصاص، فيقع شهيدا. وهنا يأتي ابنه الصغير ليضرب بدوره القايد برصاصة، ليموت في الحين. وتبقى هذه المبادئ حية عند سي لخضر وأخته شريفة (بهية راشدي) عندما يكبران ويعيشان في الأرض بعد الاستقلال، ويعاملان الزراع باحترام. وتقوم شريفة بتقديم العون، وتفتح بابها للناس البسطاء.

وترحل شريفة، لكن تترك ابنها الشهم مراد (حسان كشاش) يساعد خاله ويرعى الأرض وابنتيه اللتين شربتا من حسن أخلاقه والتزامه، فإحداهما إعلامية (نوميديا لزول) تحارب الفساد في برنامجها التلفزيوني، من ذلك الاعتداء على البيئة في الأوساط الزراعية، وضرب الشركات التجارية المتسببة في ذلك، ما يجلب لها المتاعب. لكن والدها يظلّ يدعمها، كما يظلّ متعلقا بابنة خاله فاطمة؛ حيث يتأجل زواجه بها في كل مرة. 

أما عباس ابن سي لخضر فلا تهمه الأرض، بل طموحه هو الحصول على أرباح الغلة، علما أنه يقيم في العاصمة، وله صفقات خسر فيها، وهو تحت تهديد بعض رجال الأعمال الفاسدين، أحدهم يتحدث الفرنسية ويلبس قبعة سوداء، ويقترح بيع الأرض. ويظل سي لخضر متوجسا من ابنه عباس، فيحرمه من الميراث، ويقول لابنته فاطمة (إيمان نوال): "تقاسمي معه مداخيل الأرض فقط".

وهناك أيضا السيد مخلوف، الشخصية المحورية التي يؤديها النجم أحمد رزاق، رجل شرس، يملك الكثير ولا يشبع، يفتعل النزاعات والمشاكل لتحقيق مصالحه الشخصية في السوق حتى لو كان ذلك على حساب الفلاحين والملاّك الحقيقيين. ودوما يتحدث عن مراد عدوه اللدود، الذي أفشل مخططاته الجهنمية، ويكشف ألاعيبه خاصة في تحريض المزارعين.  وتعج المشاهد بمناظر الاخضرار، وشساعة البساتين المثقلة بالثمار، مع حضور الأسواق الفلاحية التي تشهد صراع التجار الكبار، وفيها يبرز السماسرة ونفوذهم، ما يستدعي الكثير من المكائد والصراعات لتحقيق الأرباح على حساب المزارعين البسطاء، وهنا تبرز المواجهة بين المال والحق..  وبالنسبة للوسائل التقنية فقد برزت التقنية العالية في التصوير، وفي الصوت.

ونجح المخرج في توظيف الموسيقى التصويرية، من ذلك صوت الناي في الموسيقى الشاوية التي توحي بالثورة وبالأرض؛ وكأنها صوت الضمير الحي الآتي من بعيد؛ أي من عند شهداء الأمس. وما يعاب على المسلسل تعدد لهجاته داخل العائلة الواحدة؛ بين لهجة عاصمية، وأخرى قسنطينية، وثالثة وهرانية وهكذا، وذلك ما ردده الجمهور المشاهد خلال الأيام الماضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأيضا البيئة الاجتماعية الراقية والحضرية التي لا تعكس تماما خصوصية الريف الجزائري، زيادة على طول بعض المشاهد بالتفاصيل المملة، والفراغات أحيانا؛ أي الصمت غير المبرر وكذا، ناهيك عن المبالغة أحيانا في الأداء خاصة عند الغضب؛ في مواقف لا تتطلب كل تلك الثورة، وبالتالي تكون الصورة غير مقنعة، مع تشتّت المشاهد أحيانا؛ ما يسبب توهان المتفرج.

أقومي نجم رغم أنف الوهن

بدا الفنان القدير سيد أحمد أقومي رائعا كعادته في أدائه رغم الوهن والتقدم في السن، إلى درجة أنه في بعض المشاهد، كان لا يقوى حتى على الكلام، أو أن بعض كلماته كانت غير مفهومة تماما، لكن أداءه وانفعالاته كانت في المستوى، خاصة عندما يقف مع الثلاثي كشاش ولعريبي وإيمان نوال، ليبدو وكأنه يلفظ معهم تجربة السنين؛ فأما مع ابنته فاطمة، فدوما كان في قمة الحنان، والهدوء، والتأثر، تنبع منه قوة حنان الأب، في حوار مقنع ومؤثر. ومع كشاش أو مراد ابن أخته شريفة كذلك كانت الحال؛ فهو سنده، وظهره، وغالبا ما يُفتح بينهما سجال طويل حول الأرض والمزارعين، والتركة، وغيرها. ويكون أقومي مستسلما لحديث مراد. ويذهب لأن يسلّمه كهدية، بندقية أبيه الشهيد، ويقول له: "أنت أولى بها لأنك أمين عليها". وعلى العكس تماما تكون الحال مع ابنه عباس، الذي لا يحب كما ينبغي الأرض، ولا يرى فيها سوى كونها البقرة الحلوب، فيثور ويصرخ، وتشع من عينيه شرارة الغضب. ويتحول تماما في مشاعره، ليتغلب في لحظات، على تعبه، وتقدمه في السن . وكذلك الحال مع الفنان حسان بن زيراري 

الذي يبدو عليه التعب في أغلب المشاهد ماعدا في مشهد 

عراك مع ابنته، التي تحاول العودة من جديد إلى خطيبها أخي زوجة مراد المتوفاة.  أما الفنانة فيزية تغرتي فتتحول رأسا على عقب في هذا المسلسل، على الأقل في حلقاته الأولى؛ حيث تبدو مزارعة مشرفة على العمال، ترتدي لباسهم، وتتكفل بالجني والشحن وهي تصرخ وتدخل في عراك مع هذا وذاك، متخلية عن نعومتها وأنوثتها التي عُرفت بها في أعمالها السابقة.