الخبير في التخطيط الاستراتيجي محمد الشريف ضروي لـ"المساء":
قوة فرنسا تلاشت مع النّفوذ الصاعد للجزائر

- 144

❊ الأزمة اتخذت منحى مغايرا والجمهورية الفرنسية تبنّت أفكار اليمين المتطرّف
❊ التصعيد الفرنسي نقل الوضع من أزمة دبلوماسية إلى التمحور في مسار عسكري وأمني
❊ بلاطوهات الإعلام الفرنسي مفتوحة للحاقدين على الجزائر والداعمين للفكر المتطرّف فقط
❊ تضييق إعلامي رهيب على من يتحدث عن مجازر الاستعمار الفرنسي والاعتدال أصبح ممنوعا
❊ فرنسا أصبحت رهينة لتوجهات أيديولوجيات صهيونية غربية وقرارها لم يعد يصدر من الإليزي
أكد الخبير في التخطيط الاستراتيجي محمد الشريف ضروي، أمس، أن الأزمة المحدثة من قبل فرنسا ضد الجزائر أبانت عن دلالات قطعية وتوجه إيديولوجي رئيسي سائد على مستوى المؤسسات الفرنسية بنخبتها وشخصياتها السياسية، الاقتصادية والمالية، مفادها بأن قوة فرنسا ونفوذها بدأ ينهار مع النفوذ الصاعد للجزائر، كونه أصبح يختزل المساحات التي نما فيها نفوذ المستعمر القديم لعقود من الزمن.
قال ضروي، في اتصال مع "المساء" تعليقا على التضييق الذي يتعرض له نشطاء ورجال إعلام بفرنسا، بسبب كشفهم للجرائم الاستعمارية الفرنسية في الجزائر، على غرار الصحفي جان ميشال أباتي، الذي قدم استقالته مرغما من القناة الإذاعية "آر تي آل"، أنه لن تكون هناك أي إمكانية لتراجع باريس إلى الخلف، كون ذلك يعد دلالة قطعية على بداية انهيارها، مستدلا في هذا الصدد بما عاشته فرنسا من أزمات متداخلة قبل 1830، في محيطها وداخلها ما دفعها للخروج لاستعمار الجزائر، وأن كل المؤشرات الاقتصادية، السياسية وحتى المعيشية للشعب الفرنسي آنذاك، أصبحت تعيد نفسها الآن ولكن بطريقة مغايرة.
وأشار الخبير في التخطيط الاستراتيجي، إلى أن الأزمة أخذت منحى مغايرا، فبعد أن كانت منحصرة في اليمين المتطرّف الذي شنّ حملة شعواء ضد الجزائر، أصبحت الآن تتخذ طابعا رسميا عبر قرارات وبيانات رسمية صادرة عن وزارة الداخلية أو الخارجية وقطاعات أخرى مؤسساتية من الحكومة الفرنسية.
وعليه يرى ضروي، أن الأزمة تحوّلت إلى أزمة جمهورية فرنسية مع الجزائر، كون هذه القرارات تحمل أختاما رسمية، ما يجعل الحديث لا يقتصر على اليمين المتطرّف سواء كإيديولوجية وتوجه أو كحزب أو كمجموعة أو ككتلة ولوبيات مختلفة، خاصة مع فتح المجال أمام الداعمين لتصعيد الأزمة ودعم أي خطوة تسير في هذا الاتجاه، على غرار الحديث عن المناورات الفرنسية المغربية على حدود الجزائر والتي استفزّت الجزائر بشكل كبير، ما يؤكد انتقال الوضع من أزمة دبلوماسية سياسية إلى التمحور في مسار عسكري وأمني.
وأضاف محدثنا، أن الداعمين لهذا التوجه تفتح لهم البلاطوهات ووسائل الإعلام وحتى الأجهزة الحكومية الرسمية للحديث باسمها ومن خلالها، في حين يتعرض للمضايقات كل من يتحدث عن تاريخ الجزائر وثورتها، وضرورة اعتراف فرنسا بمجازرها أو الأقل دعوة للتوقف عن تصعيد الأزمة، مشيرا إلى أن العداء طال حتى الذين يتميّزون بمواقف معتدلة ومتوازنة كونهم يدعون للتقليل من تأجيج الوضع كي يتسنى الوصول إلى مبادرات أو مؤشرات ترأب الصدع حتى يتسنى العودة بالعلاقات إلى طبيعتها على الأقل، وأوضح أن هذا الاعتدال الذي لا يميل إلى الجزائر ولا إلى فرنسا، أصبح في حد ذاته ممنوعا من طرح كل أفكاره على الشعب الفرنسي الذي تسيطر عليه أيديولوجيات صهيونية غربية لفائدة توجهات معينة جيو سياسية تخدم التغيرات الدولية، ما يجعلنا نقول إن فرنسا لحد الآن أصبحت رهينة لتوجهات دولية حيث لم يعد قرارها يصدر من الإليزي، كما أن اختفاء الرئيس ماكرون، عن الصورة بشكل نهائي يعطي دلالة على أنه أصبح حبيس أيديولوجيات أكبر من فرنسا بحد ذاتها.
وذكر ضروي، بتحليله منذ أكثر من ثلاثة أشهر، عندما قال إن كل المؤشرات والبوادر تبين أن فرنسا سوف تصل إلى نقطة اللاعودة في علاقاتها مع الجزائر، بالنظر إلى العديد من الاعتبارات على المستوى الأيديولوجي والجيو سياسي، فضلا عن أهداف اقليمية ودولية وتوجهات أخرى اقتصادية وعسكرية مرتبطة بالعلاقة مع الدول الإفريقية والمتوسطية، موازاة مع توجهات وفعالية آداء الدولة الجزائرية على كل هذه المستويات.
للإشارة كان الصحفي الفرنسي المعروف بمواقفه المناهضة للاستعمار جان ميشال أباتي، عند مغادرته إذاعة "آر تي آل" التي فرضت عليه عقوبة بسبب تنديده بالجرائم الاستعمارية في الجزائر، حيث قارن الجرائم الاستعمارية في الجزائر بالجرائم التي ارتكبها النازيون في فرنسا، ثم توقيفه عن العمل في القناة لمدة أسبوع في حين أشار إلى أنه لن يعود إليها.